23 ديسمبر، 2024 4:28 ص

الحركات السياسية الإسلامية 

الحركات السياسية الإسلامية 

في مقدمة كتابه القيم “نقد السياسة ، الدولة والدين ” والصادر عن المركز الثقافي العربي يطرح برهان غليون  عددا من الأسئلة الهامة حول  الحركة الإسلامية السياسة المعاصرة وطبيعتها، و أهدافها الحقيقية ، و أسباب نشوئها وانبعاثها ، وآفاق تطورها . هل هي حركة دينية أم حركة سياسية ؟ وهل تهدف إلى بناء الدولة الدينية ، أم تجديد أسس الدولة القطرية ؟ وهل هي تعبير عن حركة تاريخية أم انعكاس لحركة احتجاج جماعية ؟ وهل تمثل حركة أصلية أم أنها تعبير عن أزمة اقتصادية؟وهل هي نتاج لقيم عقدية ودينية أم هي تعبير عن صراع بين النخب القيادية على إعادة توزيع السلطة الإجتماعية ، وتبديل القوى الحاكمة أو المسيطرة ؟ وهل يغطي نمو الحركة الإسلامية السياسية بالضرورة عودة الفكر والقيم الماضية التقليدية ؟ وهل تجسد هذه الحركة الرفض العلني في الوعي العربي للحداثة والتحديث ، أم هي بالعكس نتيجة اخفاقهما ؟ و ماهي  قدرة الحركة الدينية على تقديم حلول إيجابية للمشكلات السياسية و الإقتصادية الراهنة والملحة ؟إن الإجابة على الأسئلة السابقة هي البداية الحقيقية لفهم كل الحركات السياسية الإسلامية والتي ارتبط العنف بها أو بأغلبها ، السؤال الأول هل هي حركة دينية أم سياسية ؟ هذا السؤال هو أهم هذه الأسئلة في رأيي نظرا لطبيعة المجتمعات التي تعمل بها هذه الحركات ، فمن المعروف أن الحركات السياسية الإسلامية تعمل في مجتمعات يحتل الدين فيها مكانة هامة جدا ويعد عاملا مؤثرا في مواقف وأحاسيس الناس في هذه المجتمعات ، الحقيقة وبعد سنين طويلة من عمل هذه الحركات سنرى أنها جماعات سياسية أدركت ومنذ اللحظة الأولى لنشأتها أهمية الدين في حياة المجتمعات التي ظهرت بها وأنه الوسيلة الوحيدة والتي يمكن استغلالها حتى تصل إلى السلطة وبالتالي عمدت إلى تغطية أهدافها السياسية وهي الوصول للسلطة والحكم بطابع ديني منحها القدرة على أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من الشعب، بل وتعدى هذا التأثير الحدود الجغرافية للدول القومية التي نشأت بها هذه الجماعات ، وأصبحت هذه الجماعات حركات سياسية عابرة للدول القومية .ارتباطا بما سبق يمكننا الإجابة على السؤال التالي وهو هل تهدف هذه الحركات بناء الدولة الدينية أم أنها تسعى لتجديد أسس الدولة القطرية ، والإجابة هنا أن هذه الحركات تسعى إلى بناء دولة الخلافة وهي الدولة التي تتعدى حدود الدولة المعروفة وتشمل ضم العديد من الدول التي تدين بالإسلام   في دولة واحدة ، إن هذه الحركات كما هو معروف لا تعترف بالحدود الجغرافية ، ولا ترى أن الدولة الإسلامية يمكن إلا أن تكون مفتوحة الحدود السياسية والجغرافية ، هذه الحركات تسعى للتوسع على حساب الدولة بمعناها المعروف ، وتكوين دولة تشابه الإمبراطورية الإسلامية في عهد الفتوحات الإسلامية وما بعدها .أما فيما يتعلق بالأسئلة الخاصة بكون هذه الحركات حركات تاريخية أم هي تعبير عن حركات احتجاج اجتماعي وهل هي حركات أصلية أم أنها تعبير عن أزمات اقتصادية فيمكن الإجابة عليها من ظروف نشأة هذه الجماعات وطريقة عملها وتاريخها والذي يقارب عقد من الزمان ، إن هذه الحركات   هي بكل تأكيد حركات نشأت في ظل لحظات تاريخية معينة تمر بها المجتمع فحركة الإخوان المسلمين نشأت على سبيل المثال في ظل وجود الإحتلال الإنجليزي واشتداد حركة المقاومة الشعبية المصرية له ، واستخدمت هذه الحركة التاريخ الإسلامي لتبرير ظروف نشأتها وخروجها للوجود ، وهو ما حدث بالنسبة لأغلب الحركات السياسية ، إذا فالإجابة هي أن هذه الحركات هي حركات استغلت ظروف المجتمعات التي ظهرت بها ، و التاريخ الإسلامي و مشاعر الغضب لدى الجماهير لتعلن عن ظروفها وبالتالي فهي حركات سياسية استطاعت استخدام التاريخ الإسلامي لكي تظهر للوجود مستغلة في ذلك مشاعر الغضب الإجتماعي نتيجة للمشاكل الاجتماعية والإقتصادية التي تمر بها هذه المجتمعات .السؤال التالي هل هي تعبير عن صراع بين النخب القياديةعلى إعادة توزيع السلطة الإجتماعية وتبديل القوى الحاكمة أو المسيطرة أم أنها توزيع لقيم عقدية أو دينية ، والإجابة بكل حسم هي بالفعل صراع على السلطة الإجتماعية والسياسية ، ورغبة في الوصول للحكم و هو هدف لكل الحركات السياسية على اختلاف أنواعها .أما السؤال الخاص بهل يغطي نمو الحركة الإسلامية السياسية بالضرورة عودة الفكر والقيم الماضية التقليدية   ؟ وهل تجسد هذه الحركة الرفض العلني في الوعي العربي للحداثة والتحديث أم هي نتيجة لإخفاقهما ؟فالإجابة عليه يمكن وبكل سهولة أن نستخلصها مما يطلق عليه أنصار هذه الحركات الفكر السياسي الإسلامي ، إن هذه الحركات وبكل تأكيد تحاول القضاء على الحداثة والتحديث نظرا لأن التحديث يفترض التعليم وانتشار الوعي وهو ما يتعارض مع وجود هذه الحركات ، فعلى الرغم من أن هذه الحركات تنشر في أوساط بعض الفئات ذات التعليم العالي( أطباء-مهندسين-محامين ) إلا أن المنتمين لها كان تعليمهم يقتصر على هذه العلوم مع تعريض المنتمين لهذا التيار ومنذ نعومة اظفارهم لثقيف سياسي شديد التركيز يقوم على رفض الحداثة وكل منتجاتها والتركيز على قيم المجتمع الإسلامي في صورته البدائية ، فالحداثة هي العدو الحقيقي لهذا الفكر ،إن هذه الحركات لم تقدم حتى الآن ما يمكن أن نطلق عليه فكر سياسي بالمعني الحقيقي ، ويقتصر كل ما قدمته على  مجموعة من المبادئ التي لا يمكن إلا أن نطلق عليها مبادئ أو أهداف لا يمكن بأي حال أن تندرج في إطار الفكر السياسي .السؤال الأخير وهو الخاص بقدرة الحركات الدينية على تقديم الحلول الإيجابية للمشكلات السياسية والإقتصادية الراهنة والملحة فبكل تأكيد وانطلاقا مما سبق يمكن أن نقول أن هذه الحركات لا تملك ولا تقدر نظرا لافتقادها لفكر سياسي واقتصادي حقيقي أن تقدم حلول لهذه المشكلات ، وكل ما تقدمه هو خدمات تستغل فيها حاجات البسطاء حيث توفر لهم المساعدات المالية والتعليمية والصحية مقابل أن تضمن ولائهم ولكنها لا تمتلك الحل الحقيقي لهذه المشكلات .مما سبق يمكننا أن نقول أن الحركات الإسلامية السياسية المعاصرة هي حركات  سياسية تلحفت برداء الدين ، وتهدف هذه الحركات إلى احياء فكرة دولة الخلافة أو الإمبراطورية الإسلامية والتي تتعارض مع الواقع السياسي الحالي ، وهذه الحركات استخرجت من التاريخ وحوادثه ما يسوغ ويبرر ظهورها مستغلة في ذلك الواقع الإجتماعي والإقتصادي والسياسي للمجتمعات التي ظهرت فيها ، وهذه الجماعات لا تمتلك أي فكر سياسي وإنما تمتلك بعض الأفكار التقليدية التي تساعد في استمرار وجودها واستمرارها، وترفض هذه الحركات التحديث نظرا لأنه ينطوي على انتشار المعرفة وبالتالي انتهاء وجود هذه الجماعات ، وهذه الجماعات جماعات تقدم الحلول المؤقتة لمشاكل البسطاء عن طريق المساعدات المالية والعينية ولكنها تفتقر إلى القدرة على تقديم الحلول الواقعية للمشاكل السياسية والإقتصادية الراهنة