وكما قلنا من قبل والكثير شخّص ذلك أيضاً أنّ حكومات ما بعد الاحتلال كبّلت حقوق المواطن وحرّيّته ودهورت المجتمع وأفقرته بقرارات أفشت الفساد بكلّ الاتّجاهات ولم يصدر منها قرار واحد لصالح الشعب وإن حصل فهو لا يعدوا قرارات تعويض عن نكبات وكوارث أصابت البلد ليس بسبب الفساد آخرها عمليّات النزوح المكمّلة للهروب والهجرة بالملايين إلى خارج البلد ورغم ذلك استفاد من عمليّات التعويض السرّاق أنفسهم وتجّار الكلمة والكهنة المخدّرون وبقي أكثر من ثلاثة أرباع المنكوبين بلا تعويض ..
كثيراً ما يترك المحتل بصماته في البلد لّذي يحتلّه , والبصمات كثيرة ومتنوّعة , وأحد أهمّها في العراق المحتلّ المُصادر القرار هو “الحرس الوطني” وهو تشبّه استخلص من المغامرة الأميركيّة في العراق .. هنالك تساؤلات كثيرة تبرز بين آونة وأخرى ننسى تفاصيلها أحياناً أو أهدافها في أوقات معيّنة يقع فيها الانسان تحت ضغوط أخرى ينسها فيها مفاهيم وأعراف إنسانيّة مشتركة , فكثيرا ما كان العراقي يُلام أو يلوم نفسه هو على “نكرانه” وجحوده للبريطانيّين الّذين أدخلوا عليه الحياة العصريّة “الّتي لولا البريطانيين لما عرفها المواطن العراقي” ولما تطوّرت دولته الحديثة وواكبت العصر , لكن وفقاً للمعايير الوطنيّة والعُرف الإنساني في أصله أنّ طبيعة البشر والمخلوقات عموماً والّتي لا يوجد لديها مانع في نقل التمدّن للبلدان “المتخلّفة” بطرق مشروعة وفق نشر العلوم والتحضّر المعاصر بطرق إنسانيّة , لكنّها , أي الشعوب تكره طريقة “الإقحام” واستخدام القوّة في نقل عمليّات التحضّر للبلد الضحيّة ذلك أنّ الضحايا سيفهمون نقل التمدّن بالإكراه أو التحضّر أو العصرنة عمليّة اغتصاب غير مشروعة وحيلة من حيل الاحتلال لنهب الخيرات أو المشاركة فيها وخارجة عن الأعراف الانسانيّة مهما كانت مكوّنات التحضّر عظيمة , ولذلك لم يسعف المحتلّ البريطاني سابقاً إدخاله أدوات ومعالم التحضّر المعاصر حينها للعراق رغم أهمّيّتها الكبيرة وتعطّش المساحة الجغرافيّة الّتي يُطلق عليها فيما بعد بالعراق بل لم يسعفه حتّى الأسباب الّتي اختلقها لتأسيس الدولة العراقيّة الحديثة ذاتها فبقيت نعرة العداوة قائمة للعراقي ضدّ البريطاني منذ أن احتلّ البريطانيّون العراق , وهنا الأميركيّون لا يقلّون بما تركوه من فساد عظيم في نفوس العراقيين عن الآثار النفسيّة العميقة الّتي تركها في نفوسهم البريطانيين , بل ربّما أكثر بكثير لأنّ الأميركيّين دمّروا جهد 80 عاماً من البناء والتحضّر والتقدّم والمعاصرة كان يمكن في نهايته التقليديّة امتصاص النقمة عن البريطانيين أنفسهم , فالأميركيّون نسفوا أسس الدولة بعكس البريطانيّين أقاموها , وأهمّ أساس للدولة العراقيّة الجيش العراقي ألغاه هؤلاء الغزاة بنصيحة من المحسوبين على الوطن لا يهمّهم وطنهم العراق لأنّ بحسب التثقيف المغرض جميع الأرض وطنهم !
وبذرائع , واضح عليها رغبة إسرائيليّة تكلّم بالنيابة عنهم هؤلاء وترجموها أفعال تدمير ونهب وتمزيق للبلد هؤلاء المعمّمون الطائفيّون الجهلة أو من هم اشتركوا معهم من القادمون من هوس الحضارة الاميركيّة لا من ذرى حضارتها بل من خسيسها وقاعها القميء المثخن بالعنصريّة وباللاهوت المدمّر , ولذا فالحرس الوطني هذا النهج الصهيونيّ الأصل والمغلّف والّذي أسّسه الأميركيّون ونقلوا تجربتهم إلى العراق وألغته إرادة العراقيين يعاود ليطبّق اليوم كبديل عن جيش العراق المليء بالميليشيّات وبشكله الّذي يمثّل نفسه والمقصود جعله هكذا ليكون هذا الجيش سهل الإلغاء أو التغيير وأيّة قوّة أخرى ستتفوّق عليه كما حصل مع الحشد الشعبي , فالحرس الوطني ظاهره عكس ما يضمر باطنه , وذلك ليس بغامض عن الفهم لو أدركنا أنّ كلّ ما يقدّمه المحتل يصبّ في مصلحته هو لا مصلحة العراقيين أو أيّ بلد محتلّ وتلك بديهة لا تحتاج لنقد ونقد آخر وكلّ ما يلفّ ويدور من تسويف ومماطلة لأجل تضييع الوقت لا أكثر , فإلغاء بريمر الجيش ثمّ تأسيس الميليشيّات ثمّ جيش محاصصة مكوّن من ميليشيّات ثمّ حشد شعبي وقبل كلّ ذلك ما سمّيت بالصحوات كلّه مقدّمات تساعد المحتلّ الانجرار بمزيد من الاختراق للبلد وتشظيته وتمزيقه لذا لم يحصد العراقيّون سوى ما نراه اليوم من كوارث فكيف يريد البعض تمرير “الحرس الوطني” ؟ أليس كما هو واضح قرار أميركي رادع لكلّ من تسوّل له نفسه لتأسيس جيش عراقي أساسه الخدمة الإلزاميّة والّتي استقبل الشعب بشتئرها بفرح غامر لتصفعه أميركا عبر مؤسّساتها الّتي يديرها في العراق “على أساس أنّها ذات سيادة” بقرار انشاء الحرس الوطني ليقضي على أمل عراقي بجيش مواطنه أساسه الخدمة الإلزاميّة للجميع .. ألم نقل أنّ ما من قرار منذ الاحتلال ولغاية اليوم يصبّ في مصلحة العراقيين ولا يصبّ سوى للقادمون من خلف الحدود بجميع مسمّياتهم ويصب في صالح المحتلّ الّذي يجثم على صدورنا بتبريرات مختلفة ليس آخرها أيضاً ” قوّات الحلفاء” لمحاربة داعش .. هي المحاصصة تدور على هياكل الدولة ومؤسّساتها فتدمّرها أينما حلّت , والحرس الوطني سيفشل هو الآخر وسبب فشله يكمن في نظام أساسه المحاصصة وطبيعتها اللاّ وطنيّة ..