لايخفى الخسارة الكبيرة التي منيت بها القطعات العسكرية بعد اجتياح مدينة الموصل وسقوطها من قبل عصابات داعش الارهابية ، وما تلاها من سقوط مدن ديالى وصلاح الدين والانبار ، والذي سبب انتكاسة كبيرة وتراجع خطير لدور المؤسسة العسكرية في حفظ الامن في مدن البلاد كافة ، ذلك الجيش الذي كان يعد في مقدمة جيوش الشرق الأوسط ، ولكن الأحداث الاخيرة وسقوط الموصل وما صاحبها من عمليات نهب لمعسكرات الجيش العراقي ، وسرقة المعدات العسكرية والأعتدة والتي تقدر بأكثر من ٢١ مليار دولار ، كانت سبباً في انهيار هذه المؤسسة ، وفقدان اي دور لها في حفظ أمن المجتمع وسيادة الوطن .
الخبراء العسكريون عبرّوا بشكل جدي عن دعمهم لتشكيل حرس وطني عراقي ، لانهم اعتبروا ان هذه التشكيلات ستحافظ على التنوع الطائفي والقومي المطلوب في القوات الامنية ، كما انها ستكون ذات مهارات وقدرات متميزة عن باقي صفوف القوى الامنية المقاتلة ، والتي ستكون داخل منظومة قانونية لكل المسلحين والمقاتلين المنخرطين تحت مسميات متعددة ، ويحفظ الأساليب والقدرات لهذه المجاميع الغير منتظمة ضمن القوات المسلحة وجذورها ، وهو ما يشكل اداة قوية في مواجهة تنظيم داعش الارهابي ، وفي نفس الوقت فانه سيخضع (نظريا) لاشراف ورقابة ومتابعة الحكومة المركزية .
ان تجربة الحرس الوطني يمكن ان تشكّل نموذجاً جيداً للمؤسسات الاخرى ، والتي بامكانها اعادة تثبيت الاستقرار في البلاد بعد تفكك الجيش ، واستيلاء تنظيم داعش على اغلب معسكراته ومعداته العسكرية ، وهو ما كان سبباً في زعزعة الثقة في القدرة على مواجهة الارهاب الداعشي وطرده من المدن الثلاث .
بالرغم من فشل الحكومة المركزية في انشاء حرس وطني قادر على درء المخاطر وما يحمله الوضع الامني المتدهور من ضرورة بناء الثقة بين المؤسسة العسكرية والمواطن ، الا ان هذه المحاولة في إقرار هذا القانون يعد خطوة مهمة نحو مشاركة ابناء جميع المحافظات في حماية مدنهم وحدودها ، بيد ان من الضروري العمل على إصلاح المؤسسات الحكومية ، وإيجاد سلسلة من القيادات الشفافة والفاعلة والتي تعمل على ايجاد العلاقة الواضحة بين مختلف المؤسسات الامنية من حرس وطني والشرطة والجيش ، وغيرها من اجهزة امنية ، وان تخضع لقيادة موحدة تكون بقيادة القائد العام للقوات المسلحة ، وغير خاضعة للصراعات والأمزجة الحزبية والفئوية الضيقة ، وفق قانون يخضع الان للنقاش في مجلس النواب ، وبغض النظر عن بعض النقد لهذا القانون من هذه الجهة او تلك ، الا ان من الضروري حسم هذا القانون وأعداد قوات نظامية من نفس المدن تكون هي الحامية والمدافعة عن استقرار مدنها، كما سيعطيهم سبباً في مشاركة ابناء المدن السنية التي سقطت بيد داعش من ان ياخذوا دورهم الطبيعي في طرد داعش وحماية المدن ، دون الاعتماد على قوات الحشد الشعبي القادمة من المناطق الجنوبية .
ان إقرار قانون الحرس الوطني يعد من الخطوات المهمة في إعداد قوات نظامية ، تكون بقيادة حكومية واضحة ، على ان لا تكون بديلا عن الجيش النظامي ، بل هي رديف ومساعد في حماية هذه المدن ، دون ان تخضع للصراعات السياسية والحزبية وتكون صمام الأمان لأمن المحافظات والمدن ، لان تشكيل الحرس الوطني لم يأتي من حالة آنية أو وقتية ولا تنتهي مهامه بانتهاء المعركة ضد داعش ، بل هو تشكيل مهم له واجبات وطنية ودستورية خصوصاً بعد التجربة المهمة التي مر بها رجال الحشد الشعبي وهم يصدّون هجمات “داعش” وتحرير مناطق واسعة من سيطرتهم .
كما ان هذا القانون سيحمي رجال الحشد الشعبي ويحافظ على حقوقهم وينظم عمله الجهادي والوطني ، ويمنع أي تشويش او تشويه على دوره التضحوي وموقفه ، ويمنع أي إساءة له من داخله او من الخارج ، او من بعض عناصره التي تمارس الجريمة باسمه ، لان السكوت عن هذه الجرائم والتي تقترف باسم الحشد الشعبي بحد ذاته خيانة له ، وخيانة للوطن .