23 مايو، 2024 3:12 ص
Search
Close this search box.

الحرس الوطني .. سلاح ذو حدين

Facebook
Twitter
LinkedIn

كانت نقطة تشكيل الحرس الوطني من أبناء المحافظات السنية الساخنة لمواجهة احتلال تنظيم الدولة لمدنهم من أهم نقاط البرنامج الحكومي الذي صوتت الكتل السياسية المختلفة عليه بالاتفاق ونتج عنه تشكيل الحكومة الجديدة .

ان تشكيل قوات الحرس الوطني هو ضرورة أمنية قبل أن تكون سياسية، فخط الدفاع الأول في كل محافظة ينبغي أن يتألف من أبنائها فلا منطق يقول بأن يأتي شخص من الجنوب ليقاتل ويقتل من أجل تحرير الانبار من احتلال داعش مثلا في الوقت الذي يتعاون فيه بعض شيوخ وأبناء المحافظة مع التنظيم ويشرعنون وجوده ويعتبرون الجندي الجنوبي صفوي محتل !!! كلامنا هذا لايعني عدم تحمل الحكومة المركزية والقوات المسلحة مسئولياتها في حماية الوطن وسلامة أراضيه خصوصا مع وجود عشائر أنبارية مغوارة قارعت التنظيم ببسالة وشجاعة ويجب دعمها حتى النهاية ، لكن في ظل الاحتقان الطائفي الذي سببته العملية السياسية للبنية المجتمعية العراقية يبدوا تواجد أبن الجنوب في خط المواجهة الأول مثيرا للحساسية المذهبية ومفعلا للتشنج الطائفي ومن هنا ينبغي أن يفسح المجال لابناء المناطق والمحافظات في تولي شئونها الأمنية والدفاع عنها حتى يتم الفرز على أسس وطنية وانسانية سليمة بعيدا عن لغة التعميم الطائفية.

عند البحث في آلية تشكيل الحرس الوطني ينبغي أن نعرف المزيد حول ماهية التوجه السياسي العام من وراء تشكيل هذه القوة ؟ هل هي مجرد قوة سنية مسلحة لمقاتلة داعش وستكون نواة مستقبلية لحرس الاقليم السني على غرار قوات البيشمركة الكردية؟ ليكون الأمر برمته نقطة انطلاق حقيقية لتقسيم العراق سياسيا و اداريا بعد تقسيمه ميدانيا وأمنيا من خلال فرز ثلاث قوى مسلحة رئيسية على الأرض هي الجيش الحكومي والميليشيات للشيعة والحرس الوطني للسنة والبيشمركة للكورد وهو مايستتبعه بالضرورة مطالبة التركمان

والأيزيديين بتشكيلات مسلحة من أبنائهم لحماية مناطقهم فتكون المحصلة هو وجود جيوش طائفية تتقاتل فيما بينها في حرب أهلية ضارية تقسم البلد وتضاعف من المعاناة الشعبية المتفاقمة . أم ان المطلوب هو بناء مؤسسة عسكرية احتياطية ومساندة للجيش الوطني وتشمل العراق من شمالة لجنوبه وتعتمد على أبناء المناطق كلا في منطقته على غرار تجربة الحرس الوطني الامريكي والذي يتولى حماية الولايات الامريكية في مواجهة أي اضطرابات أو أعمال عنف دون أن يقوض أو ينقص ذلك من قوة وهيبة الجيش الامريكي ، أعتقد ان الخيار الثاني هو خيار وطني بامتياز وهو ماسنقوم هنا بوضع رؤية معينة لتطبيقه على أرض الواقع .

عند الحديث عن تشكيل الحرس الوطني هناك أربعة أطراف رئيسية يتعلق الأمر بها ولايتم بدونها وهي كالأتي :

1- الحشد الشعبي :

عندما تتعرض الأوطان لانتكاسات عسكرية على أثر هزائم الجيوش التقليدية يتم الاستعانة حينئذ بالمتطوعين المدنيين لسد الثغرات الناتجة عن انسحاب القوات النظامية ولرفع معنويات جنودها ومحاولة استعادة زمام المبادرة في مواجهة العدو خصوصا بعد زوال الصدمة النفسية التي تنتج عن الهزيمة المفاجئة بهذا الأطار يمكن تفسير صدور فتوى الجهاد الكفائي عن المرجعية الدينية والتي تشكلت على أثرها قوات الحشد الشعبي وهي فكرة قريبة من فكرة الجيش الشعبي الذي لعب دورا بارزا في اسناد قطعات الجيش العراقي خلال حرب الثمان سنوات مع ايران مع الاختلاف بان الجيش الشعبي كان بدعوة اجبارية وتوجيه حكومي كامل أنذاك أما الحشد فالحكومة حاولت توظيف الفتوى الدينية الطوعية في مصلحتها لديمومة الزخم أثناء المعركة ضد تنظيم الدولة .

للأمانة والانصاف والتاريخ نكتب وبالخط العريض (لولا الحشد الشعبي لسقطت بغداد بيد تنظيم داعش) خاصة بعد انهيار قوة الجيش العراقي أمام زحفه والذي أكتسب زخما كبيرا بعد سقوط الموصل وكانت أنظاره تتجه صوب العاصمة بغداد وتتبعها مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف قبل أن يبدأ التحالف الدولي ضرباته الجوية ضد معاقل التنظيم، اما المسئولين عن هذه الهزيمة المخزية للجيش فهو مكتب القائد العام للقوات المسلحة المنحل ووزارتي الدفاع والداخلية وكافة الكتل السياسية المتفقة على ضرورة ابقاء الجيش بوضعه الحالي حيث ينخره الفساد وتهيمن عليه المحسوبية وتسيطر على عقيدته الطائفية مع ضعف تسليحه وتجهيزه وتدريبه لان جيشا قويا مهنيا وذا عقيدة وطنية لايمكن أن يبقى صامتا تجاه العملية السياسية التي أوصلت العراق الى طريق مسدود خصوصا اذا ماعلمنا بان الجيش العراقي تحديدا كان رائدا في مجال الانقلابات العسكرية فهو من نفذ أول انقلاب عسكري في الوطن العربي عام 1936 .

وبالعودة لموضوع الحشد الشعبي الذي يضم فئتين أساسيتين أولهما المتطوعين المدنيين الذين تطوعوا التزاما بفتوى المرجعية والتي شددت على أن تكون عملية التطوع وحمل السلاح ضمن القوات الأمنية لا أن يتم بموجبها تشكيل ميليشيات جديدة ، وثانيهما هي مجموعة الفصائل المسلحة الشيعية المشكلة حديثا و الموجودة منذ فترتي الاحتلال الامريكي و النظام السابق (بدر الجناح العسكري – عصائب أهل الحق – كتائب حزب الله – سرايا السلام – حركة النجباء – حركة سيد الشهداء – قوات أبوالفضل العباس – كتائب الامام علي), لقد بدأت التقارير الدولية والمنظمات الحقوقية مؤخرا تكشف عن تجاوزات جسيمة بحق منازل ومزارع المدنيين في المناطق المحررة لم تسلم منها حتى دور العبادة تقوم بها بعض العناصر المحسوبة على بعض هذه الفصائل (ليس جميعها) وهو ما أقره السيد هادي العامري أمين عام منظمة بدر أبرز قادة الحشد الشعبي وقائد عمليات دجلة الفريق الركن عبد الأمير الزيدي واستنكرته المرجعية الدينية في النجف الأشرف , ان مثل هذه التصرفات وان كانت تعبر عن ردة فعل على جرائم داعش ومحاكاة لانتهاكاتها الأثمة بحق المدنيين ودور العبادة والممتلكات الخاصة لكنها لاينبغي أن تصدر عن طرف رسمي أو يقف على الأقل في صف الدولة والجيش ففي حرب معقدة كهذه ينبغي أن يكون للجانبين الأخلاقي والانساني وجود وهذه الجوانب تحديدا هي من تفتح بوابة النصر الحقيقي لمن يمتلكها ، ومثل هذه التصرفات تخير سكان المناطق المحتلة بين خيارين سيئين فأما البقاء تحت حكم دولة الخلافة المستبدة أو التعرض للانتقام الطائفي الغير مبرر بعد التحرير!!! ان استمرار هذه الانتهاكات دون حساب سيفاقم منها وسيجعل من الحشد قوة غير منضبطة يصعب السيطرة عليها مستقبلا خاصة بعد انتهاء الحرب وقد لاتكون نهايته بعيدة عن نهاية جيش المهدي عندما اضطرت حكومة المالكي الأولى الى ايقافه عند حده في صولة الفرسان عام2007، والتاريخ يحدثنا عن قوى عديدة لعبت دورا حاسما في انقاذ بلدانها من السقوط والانهيار قبل أن تتغول وتصبح دولة داخل الدولة ، ولعل مايلفت الأنتباه حقا هو رفض بعض فصائل الحشد الشعبي وقوى التحالف الوطني لفكرة الحرس الوطني في المحافظات السنية تحديدا خوفا من وجود قوة مسلحة نظامية سنية توازي الفصائل المسلحة الشيعية وتكون عائقا حقيقيا أمام دخولها للمناطق السنية في المستقبل القريب ، عموما الحشد الشعبي أصبح قوة لايستهان بها وواقعية ولابد أن يكون لها وجود فاعل ومؤثر في منظومة الحرس الوطني عبر زج المتطوعين المدنيين فيه حصرا و فورا وأن يكون هؤلاء هم العماد الحقيقي لقوات الحرس الوطني في محافظات وسط وجنوب العراق .

2- العشائر السنية : وهي منقسمة فيما بينها بين من يقاتل تنظيم الدولة (الصحوات) مثل البوريشة، والبو عيسى، والبونمر، والبو علوان، والجغيفات، والجبور..الخ وبين من بايع التنظيم وأنضوى تحت لوائه مثل البو عساف، والبو جابر، والبو مرعي، والبو ذياب .. الخ والقسم الأول منها ينبغي أن يتم ضم مقاتليها لقوات الحرس الوطني .

3- ضباط الجيش السابق المتقاعدين: وينبغي الاستعانة بهم في تشكيل قوات الحرس الوطني و اعادة بناء واصلاح الجيش النظامي على حدا سواء .

4- الفصائل المسلحة السنية غير تنظيم الدولة: مثل الجيش الاسلامي وجيش المجاهدين وأنصار السنة والنقشبندية وكتائب ثورة العشرين وحماس العراق وهي فصائل تلتزم اليوم الحياد في الصراع الدائر بعد أن تحالفت مع داعش في قتال القوات العراقية في بداية الأحداث التي شهدت سقوط الموصل قبل أن يكشف التنظيم عن وجهه الحقيقي ويعلن الخلافة ويبطش بها وهذه الحركات والمجاميع فاوضت وتتفاوض الآن مع الامريكيين في عمان وواشنطن وتتجه النية الامريكية للضغط باتجاه دمجهم في قوات الحرس الوطني بعد أن تم استيعاب الخلافات التي شابت تلك المفاوضات سابقا والتي كانت الميليشيات الشيعية أبرز نقاطها، وهنا يجب ونأكد على ضرورة قيام الحكومة بالاطلاع على تفاصيل هذه المفاوضات والاتفاقات السرية أو أن تجري هي حوارا مباشرا مع هذه الفصائل يفضي الى مصالحة وطنية شاملة تضع حدا للعداء بين الطرفين (المصالحة الوطنية الحقيقية هي التي تجري بين العملية السياسية ومعارضيها ، اما ان تمت بين أركان العملية السياسية ذاتها فهي مصالحة هزلية وشكلية) وتضيف زخما فكريا وسياسيا جديدا وتعطي بعدا وطنيا أعمق للعملية السياسية وتفضي الى اعتراف هذه المجاميع بنظام الحكم في بغداد بعد اجراء مجموعة من الاصلاحات السياسية والدستورية والقانونية وحل نفسها ونزع سلاحها وتسليمه للدولة واندماجها في الجماعة الوطنية وقبولها دخول اللعبة السياسية واخراجها من دائرة الصراع المسلح لقطع الطريق على أي اتفاق سري مع الامريكيين غير مضمون العواقب ولحصر تنظيم الدولة في الزاوية .

غير ان عملية استيعاب مقاتلي وعناصر هذه الأطراف الأربعة ينبغي أن لاتكون عشوائية وانتقائية انما منضبطة وبشكل قانوني وصارم حتى لايتم اختراق هذه المؤسسة الأمنية الوليدة وأن توضع ثلاث خطوط عريضة لاينبغي التفاوض حولها أو المساومة بشأنها وتمثل المعيار الأساسي لهذا الأمر وهي :

أ- محاكمة ومعاقبة كل من ارتكب جريمة قتل أو تهجير أو تعدي على الممتلكات الخاصة بناءا على أسس طائفية ومن أي طرف كان.

ب- تجريم استهداف قوات الجيش والشرطة العراقية ومحاكمة ومعاقبة الفاعلين.

ج- استبعاد كل الضباط والمقاتلين المرتبطين بأحزاب وجماعات ومنظمات وتيارات سياسية أودينية القانونية منها والمحظورة على حدا سواء.

د- تجريم الانضمام ومبايعة تنظيم الدولة الاسلامية واعتبار ذلك من جرائم الخيانة العظمى ومحاكمة ومعاقبة من قام بذلك كائنا من يكون.

العراق اليوم يخوض تحدي كبير متمثل في اعادة بناء قواته العسكرية والأمنية المتهالكة على أسس مهنية ووطنية بعيدا عن الطائفية والحزبية والمناطقية وهو الأساس والأصل ويستوجب أولا هيكلة الجيش والقوى الأمنية التقليدية وهو مابدأت به حملة التطهير الواسعة التي دشنها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وأقال بها

واحال على التقاعد مجموعة من كبار ضباط وزارتي الدفاع والداخلية والتي يجب أن تكون مقرونة بمحاسبة ومحاكمة كل ضابط فاسد ومتخاذل تسبب في سقوط المدن الواحدة تلو الأخرى بيد تنظيم الدولة و في حالة التدهور الأمني التي تشهدها المدن العراقية منذ عام 2003 لاستعادة هيبة العسكرية العراقية المفقودة مع ضرورة التشديد على تنويع مصادر تسليح الجيش للحيلولة دون الخضوع لاي ضغط أو ابتزاز دولي والعمل على اعادة تفعيل نظام الخدمة الالزامية لتحقيق التوازن المطلوب ولكي لاتكون الخدمة العسكرية وظيفة يقصد منها طلب الرزق وبالتالي يقبل عليها الشباب الفقير والمعدم وغالبا ما يكون من الجنوب كما هو حالها اليوم لتتوالى الاتهامات بعد ذلك بالطائفية والصفوية !!!

يضاف الى ذلك بناء قوات الحرس الوطني كقوة مساندة وتطوعية لتنظيم المنظومة العسكرية والأمنية العراقية وتحصينها في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية وهو مايترتب عليه أن تكون تلك القوة شاملة لكل المحافظات والأقاليم العراقية بما فيها قوات البيشمركة الكردية وتتبع وزارة الدفاع العراقية حصرا ، حينئذ فقط نكون قد تمكنا من بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية حقيقية قادرة على هزيمة الارهاب الداخلي والعدو الخارجي .. أتمنى أن لا تكون هذه الكلمات مجرد امنيات لأن البديل سيكون صراعا مأساويا يقضي على العراق بين قوات الحشد الشعبي المدعومة ايرانيا وقوات الحرس الوطني المدعومة امريكيا .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب