إنذار الأمم المتحدة شديد اللهجة إلى أنقرة، لسحب مرتزقتها من ليبيا، في وقت قدره 90 يوماً لضمان الحل السياسي، وإجراء عملية إنقاذ عاجلة للبلاد، إضافة إلى ضرورة عودة المئات من المرتزقة إلى سورية، يضع تركيا أمام خيارين أحلاهما مر، فهي ستخسر إن انسحبت، وستخسر إن بقيت مع استمرار استهدافها واستنزافها.
شكلت ليبيا أحد أهم المرتكزات الإستراتيجية في خارطة التمدد التركي إقليمياً، وهو ما يفسّر دعمها اللامحدود لحكومة الوفاق في ليبيا بقيادة فايز السراج في مواجهة قوات حفتر، التي عملت على توفير الدعم الفني والاستشاري بغرض الحفاظ علي مصالحها الاقتصادية في ليبيا و رغبتها في توفير موارد طاقة جديدة لأنقرة من خلال ليبيا.
وفي نفس الوقت ساهم التدخل العسكري التركي في ليبيا في زيادة التوتر بين أنقرة وعواصم أوروبية مثل باريس وبرلين ولندن، حيث اتهمت فرنسا تركيا العضو بحلف شمال الأطلسي بخرق حظر فرضته الأمم المتحدة على تسليح ليبيا وبزيادة وجودها البحري قبالة ساحلها التي لا يمكن لفرنسا السماح بذلك، وعلى خط مواز، حذرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، في 24 مايو 2020، من أن “التدخل التركي في ليبيا، وتحول ليبيا إلى نقطة انطلاق للّاجئين الأفارقة نحو أوروبا، وإمكانية استغلال أردوغان هذه الورقة لابتزاز أوروبا بملف اللاجئين، حيث يمثل ذلك تهديداً مباشراً لأمن القارة الأوروبية”
في المقابل، شددت ستيفاني ويليامز، مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، على ضرورة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، والدفع بالمباحثات السياسية إلى الأمام، كما أمهلت مرتزقة الرئيس التركي أردوغان 90 يوماً للمغادرة مؤكدة تورط تركيا في خرق الاتفاقات الدولية واستمرارها في إرسال عشرات الشحنات المحملة بالمرتزقة والسلاح والمتفجرات إلى هناك.
وللمفارقة، فقد خلقت أنقرة أزمات متتالية، من سورية بدعم الجماعات المتطرفة إلى التدخل بليبيا مروراً بقصف العراق وتهديد اليونان في شرق المتوسط إلى دعم أذربيجان ضد أرمينيا من خلال تجنيد تركيا المئات من المرتزقة السوريين لمهاجمة أرمينيا في منطقة قرة باغ ، في خطوة توحي بأن الرئيس أردوغان بات يورّط بلاده في بؤر توتر مختلفة وسيناريوهات مرعبة ومخيفة ذلك للتغطية على الأزمات الداخلية المتراكمة، خاصة بعد أن انهيار الاقتصاد حيث سجلت الليرة التركية أدنى مستوى لها مقابل الدولار بعد تورطها في الحرب الاذرية الأرمنية.
وهنا لا بد من التذكير بان مرتزقة أنقرة بدأت في العودة إلى سورية بعد أن عمدت إلى تخفيض رواتب المرتزقة ممن يرغبون بالبقاء في ليبيا، فبعد أن كان العنصر يتقاضى راتباً شهرياً يقدر بنحو ألفي دولار أمريكي، تم تخفيض المبلغ إلى 600 فقط، في ظل بوادر التوافق «الليبي ـــ الليبي»، الأمر الذي دفع المرتزقة إلى العودة للشمال السوري، بعد قتالهم إلى جانب حكومة الوفاق.
وبالنظر إلى مجمل العوامل السابقة، نجد أن التدخل التركي في ليبيا لا يجد مَن يدعمه من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف الليبي، خصوصاً مع اعتماد أنقرة الواضح على التنظيمات الإرهابية في تدخلها هناك، كما أن التدخل التركي لن يكون سهلًا في ضوء النتائج المتواضعة التي حققها التدخل العسكري هناك على مدى الأشهر السابقة، كما يوجد هناك قوى مؤثرة على الأرض، تتفوق من حيث الإمكانات العسكرية على تركيا، مثل روسيا ومصر، التي باتتا لاعبان مؤثران في المشهد الليبي، فضلاً عن التهديد بفرض العقوبات الاقتصادية ضد أردوغان لإجباره على الانسحاب من مغامرته العسكرية المتهورة في ليبيا.
مجملاً…إن الوضع ليس بالسهل تحليله أو التنبؤ به، فالانسحاب التركي من ليبيا سيبقى مجرد وقت فقط، لأن أنقرة ستقوم بحساب فاتورة الدخول في صراع مع الجيش الليبي ومصر التي لن تبقى كمتفرج لدخول المدرعات والصواريخ والأسلحة التركية أكثر في الأراضي الليبي لحماية أمنها القومي من الإرهابيين، إضافة إلى بعض الدول المعارضة للتدخل التركي والمستعدة لخوض هذه المعركة والذي لن يسفر إلا عن خسائر كبيرة لها، وأن هذا الأمر سيدفع أردوغان للتراجع و الانسحاب والدخول في الحل السياسي وفق المبادرة المصرية –الليبية لأن مصر والدول الداعمة للحل السياسي في ليبيا لن يسمحوا لتركيا بالتدخل هناك مهما كلف الأمر