23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

الحرب في سوريا قذرة  

الحرب في سوريا قذرة  

عندما عبر عمرو بن عبد ود العامري القرشي الحندق الذي اقامه المسلمون بامر رسول الله (ص) وبمشورة من الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، طالبا المبارزة، نهض علي (ع) طالبا لقاءه فرده رسول الله (ص) فتكرر نداء عمرو وتكرر معه طلب علي (ع) للقائه، فوافق رسول الله (ص) فذهب علي تشيعه نظرات رسول الله الحانية ودعاؤه، وكان ما كان، لقد كان علي الفتى الغض انبل واشرف فارس، يمكن ان تعرفه سوح القتال، انه لا غاية له من ذلك اللقاء الصعب، لقاء فارس ترتعد للقائه الفرائص، الا اجابة طلب رسول الله (ص) والفوز بالجنة التي وعد بها، كانت ثقته بالله ورسوله كاملة ، والا ما الذي يدفعه للقاء فارس يعني لقاؤه الموت المحتم، انه يعلم علم اليقين بان من يبارزه مبغض لرسول الله وللدين بلغه عن ربه، وان الذين يقفون خلفه كلهم على ما هو عليه، لا يريدون سوى راس محمد، وعلي يعرف ان كل الرؤوس مذ خلق الله الخلق الى ما يشاء جل وعلا ، بما فيها راسه الشريف ، تهون دون راس رسول الله (ص) ، ولكن عليا نفسه الفارس الذي لم ترى سوح القتال انبل منه ، واكثر اقداما وشجاعة ، بكى يوم صفين عندما وقف بين القتلى من عسكره وعسكر معاوية، فهو يعلم بنيته، ونحن نعلم ايضا ان علي لا يكون الا مع الحق، الا ان ما ابكاه ان هؤلاء الذين يقتلون من عسكره ومن عسكر معاوية مسلمون، ففي هذه الحرب جهة قذرة تصلها من معاوية، وهذا ما جعل عليا فتى الاسلام الذاب عن رسول الله بنفسه، الفارس الذي خاض حروب الاسلام الشريفة كلها يبكي، فتصور معي ان عليا الذي تحاشى لقاءه كل الشجعان يبكي، لهول ما راى يوم صفين، اي جائحة تلك التي ابكت عليا، وهو الذي ابكى الصناديد، فعلي وان لم يكن كما يصفه الشعراء بانه الضحاك اذا اشتد الضراب، اذ لا اصدق ان عليا (ع) يخوض حروبه مسرورا، فانسانية علي النقية تتنافى مع اشتهاء الحرب والتعطش لدمائها، الا انه لا يبكي في سوح القتال، بكاء علي يوم صفين اتذكره اليوم بعد الكلام عن تحرير حلب من احتلال داعش، فقد تداولت محطات التلفزيون ، ومواقع التواصل التي يطلق عليها الاجتماية، صورة لرجل خمسيني، يلف حول رقبته اشماغ احمر، يضع يده على خده باكيا، لقد كانت الصورة رسالة لا يمكن ان يكتبها كل كتاب هذا الكون وناثريه، صورة تختزل المصيبة التي المت بشعب، انسحق بين معارضة لقيطة لا اب لها، وانما اباء متعددون، من عرب واتراك وغربيين، ونظام دكتاتوري موغل في قمع اي تطلع لشعب كتب عليه ان يحكمه قطيع آل الاسد المتعطش للدماء، صورة تقول لمن يراها لقد باتت الحرب قذرةً في سوريا، واذا ما كان التاريخ لن يرحم الاطراف المشاركة فيها، فان الله جل وعلا سيلاحق غضبه في هذه الدنيا وفي الاخرة كل الذين ابكوا الرجال، فما بالك بالاطفال .
   إن الصراع في سوريا هو صراع سياسي، يوظف فيه الدين بطريقة لادينية بل لا اخلاقية ، تكشر فيه الطائفية عن انيابها المستعارة، السعودية وقطر يتبعهما نظام الاخوان في تركيا بزعامة العثماني اردوغان، تكشر عن انياب مستعارة امريكيا، ويكشر النظام ومن معه عن انياب مستعارة روسيا، متحولا الى صراع امريكي روسي، تستعاد به كل فصول الحرب النظرية بين الاتحاد السوفيتي الذي كان قائما يوما ما وبين امريكا، ممارسة عملية على الارض السورية، ولكنها وعلى الرغم من انها سياسية، وباعتراف كل الاطراف المشاركة فيها، الا انها تقدم للمسلمين المنقسمين طائفيا، اذ لا يوجد اسلام واحد، وكل من يتحدث عن الامة الاسلامية او عن الوحدة الاسلامية فان ما يقوله حديث خرافة، بل انه اقل صدقا حتى من حديث خرافة، لان خرافة كان يدعي انه يحدث عن الجن، ولا ندري ان كان صادقا او كاذبا، اما الكلام عن امة اسلامية، او وحدة اسلامية، فمؤكد أنه محض كذب وافتراء، تقدم لهم على انها حرب الفرقة الناجية ضد الفرق الضالة الهالكة، وكل طرف يدعي انه الفرقة الناجية.
اليوم ينقسم المسلمون طائفيا بطريقة لا سابق لها، طريقة وظفت كل امكانية التقدم التكنولوجي الغربي في ايصال حديث هذه اللوثة الطائفية الى كل بيت، جعلت كل واحد منا مشاركا بهذه الحرب، ان لم يكن بيده فبلسانه، واذا ما كان مصداق اللسان يوم قيل هذا القول الشريف، هو الكلمة المنطوقة التي تقال في تحديد موقف ما، وانا اتكلم عن مفهوم الحديث وليس عن منطوقه، فان مصاديق اللسان اليوم متعددة متنوعة، الزائف فيها اكثر من الحقيقي، والمختلق فيها اكثر من الواقعي، يكفيك ان ترى فضائية واحدة، لتكتشف اي عدد مهول من مصاديق للسان، بل اي تزييف واختلاق يقدر عليه ذلك اللسان، كلها تقدم للناس، للرجال والنساء، للصغار والكبار، للمتعلمين وغير المتعلمين، للمثقفين وغير المثقفين، للذين عادوا توا من المساجد بعد ان ادوا الصلاة، او الذين عادوا توا من الحانات، تقدم لهؤلاء كافة صوت الحق، وهو صوت الحرب الذي اخرجته بطريقة طائفية تحرك، حتى في السكارى الذين عادوا توا من حاناتهم، حمية الدفاع عن الطائفة، اذ ينبري مشايخ ومتفقهون في سرد الفتاوى والاحكام التي تؤكد على الدفاع عن الاسلام، وان الاسلام الذي يتكلمون عنه هو طائفتهم، اي الفرقة الناجية، ولكن اي طائفة؟ اهي طائفة باراك اوباما الكاثوليكي ذي الجذور الاسلامية، ام طائفة بوتن الارثوذكسي ذي الجذور الشيوعية؟يوم بعث محمد (ص) كان العرب يومذاك منقسمين متشرذمين تابعين لامبراطورتين عظيمتين، امبراطورية الاكاسرة الوثنية وامبراطورية الروم النصرانية، وخلال ثلاثة وعشرين سنة من نزول الوحي على النبي (ص) الى وفاته عليه الصلاة والسلام، استطاع الاسلام ان يرسم معالم الشخصية المستقلة لمسلم حمل اعظم رسالة، وسار خلف اعظم خلق الله المصطفى (ص) ، ولكن بعد ثلاثين سنة على وفاة النبي الكريم وصل بنو امية الى الحكم، وخلال ثلاثة وعشرين سنة تقريبا، اي مذ تسلم معاوية مقاليد الامور في العام الذي سوّقه الامويون على انه عام الجماعة، وهذا منطوق يفهم ان مخالفه هو الفرقة والتمزق، الى هلاك ابنه يزيد، تلاشت معالم المجتمع الرسالي الذي اسسه رسول الله (ص)، وظهرت معالم الملك العضوض، الذي ما زال مستمرا الى يومنا هذا، وهو ملك اذا ما تعددت اسماؤه بين اموي وعباسي وعثماني وصفوي وهاشمي وسعودي ووووو، الا انه نفسه ذلك الملك العضوض الذي وصفه حديث رسول الله (ص) الشريف، حكم لا يستتب الا على اذكاء نار الفتنة بين المسلمين، لينشغلوا في صراع داخلي، يوفر للحكام فرصة استقرار حكمهم، وضمان توظيف فئات اجتماعية تستميت في الدفاع عنه، لانه الحكم الذي يدافع عن طائفتهم، حكم ظهر فيه لاول مرة فقيه السلطان، اي الحكم الذي اعطى، لاول مرة، مشروعية لابليس المخرج من رحمة الله ومشرعيته، فقيه السلطان هذا يشتغل لحساب الحاكم، يكييف له الاسلام على وفق ما يريد، يجهد على تأويل القران الكريم وتفسير الحديث الشريف، يقوي الضعيف منه، ويواتر المرسل، ويحسن الشاذَّ والغريبَ وما الى ذلك من التوصيفات التي تعج بها كتب الحديث، من اجل يرضي الحاكم، ويقنعنا نحن المخدوعين بان هذا الحاكم هو ظل الله، وهو التوصيف الذي جاء به حديث موضوع ، بريء منه رسول الله (ص)، فقيه السلطان يفعل ذلك تماما مثلما فعل ابليس مع آدم عليه السلام، مع الفارق بين ايمان آدم النبي وايمان غيره، وان تساوت رجيمية ابليس مع رجيمية فقيه السلطان، وذلك لنصلي وراء المتغلب، ونخضع لمغتصب الحكم خوف الفتنة، لا نقف في وجه حاكم الا عندما يكفر امثالا لقول رسول الله (ص) الا ان تروا كفرا بواحا، وهذا الكفر البواح الذي جاء به الحديث الشريف لن نراه ابد ما دام الذي يحدده لنا هو نفسه فقيه السلطان، بل ان الكفر البواح حسب ما يفتي به فقيه الشيطان، وانا اقصد ما اقول، هو خروجنا على الحاكم الظالم الفاسق الجائر المستهتر، هو الكفر البواح لانه يفتح ابواب الفتنة المغلقة، اي يوقظ الفتنة النائمة التي لعن موقظها، فاية جرأة على الله ورسوله تلك ،
ما يحدث في حلب اليوم يشبه تماما ايام الغساسنة والمناذرة ونفوذ البيزنطيين والاكاسرة، انه صراع امبرطوريتيين شرقية وغربية وقوده العرب المسلمون، الذي يطربون لسماع ازيز الطائرات فوق رؤوس الاطفال المذعورين، وهدير الدبابات بين الاحياء المنتهكة، فينتصر النظام تارة وتنتصر المعارضة تارة اخرى، وفي الانتصاريين المزعومين هناك خاسر واحد، هو الانسان السوري المسكين الذي تختزل محنته صورة ذلك الرجل الخمسيني، الذي يملك الا يدا عزلاء يضعها على خده ويبكي، بكاء يشعرك بمرارة الحياة وقساوتها، يشعرك انت المتطلع اليه بالهوان والصغار وكذب الانتماء الى الاسلام، والخروج من المساحة المتقررة ، عقلا وشرعا ، لامة محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين واصحابه الميامين والتابعين وعلى امته الثابتين