11 أبريل، 2024 2:00 ص
Search
Close this search box.

الحرب على «داعش»… مطلب دولي بأدوار محلية وإقليمية صاخبة!

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا يغفل المراقب الحصيف عن التصريحات التي اطلقها رئيس الاركان العراقي بابكر زيباري، عن حاجة العراق الى بقاء القوات الأمريكية في العراق حتى عام 2020، ردا على استراتيجية «الانسحاب المسؤول» التي خرجت من اكمام الازمات الداخلية لادارة الرئيس باراك اوباما، وها هو اوباما نفسه يطلق استراتيجية جديدة لمكافحة الارهاب الداعشي مشرعنة بموافقة مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية، على عكس الموقف الذي خرج به هذا المجلس في اجتماعاته عام 2003، حينما اصدر بيانا مائعا وبلغة دبلوماسية فجة عن الاحتلال الأمريكي للعراق!

ولا يبدو المشهد العراقي اليوم على وئام مع ما يذكر في مؤتمرات الحشد الدولي لدعمه في حربه على تنظيم الدولة الاسلامية، والحلول التي ينتظر من بغداد ان تبدأ بها على عجالة، تواجه استحقاقات دستورية وطنية، ليس باستطاعة رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي النهوض بها لوحده، بل يواجه ما يمكن وصفه بسياسة «اغتنام فرضيات الضغوط الدولية» لكي يحقق غرماؤه ما لا يمكن لهم الحصول عليه في ظرف اخر. لذلك لم تتضح معالم المصالحة الوطنية في حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي الا بنموذجها التطبيقي في تشكيل حكومته، الا انها اخفقت في الغاء نموذج المحاصصة والعمل على اعلاء روح المواطنة في العملية السياسية، وهكذا ما زالت حكومته بدون حقائب أمنية، وهناك احاديث عن العودة الى نموذج العمل بالوكالة، كما سبق ان حصل في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الاخيرة.

السؤال المطروح كيف يمكن تجديد روح المصالحة الوطنية، وايهما ابرز واهم، مقارعة «داعش» والاستفادة من الدعم الدولي، أم الابقاء على السقوف العالية لإشكالات تقاسم السلطة، وفقا لمطالب اتحاد القوى الوطنية السني والتحالف الكردستاني؟ مثل هذا السؤال يشير بدروه الى جملة مواقف ابرزها، عدم تأدية الوزراء الاكراد القسم للمشاركة في حكومة العبادي، فيما ما زالت المطالب الكردية راسخة في الانتقال من الناظم الفيدرالي الى الكونفيدرالي، بمنح حكومة الاقليم صلاحيات تصدير النفط مباشرة، بدون العودة للحكومة الاتحادية، ومنحها صلاحيات السيطرة على الطيران المدني، بما ينتهي بالنتيجة الى السيطرة على الاجواء للطيران الحربي، بما يؤدي الى منع الطائرات العراقية الحربية من التحليق في الاجواء الكردستانية، وهي مخاوف كبيرة ما بين بغداد واربيل تتطلب تفاهمات على نوع الاستخدام ومحدداته للقوة الجوية، حيث ترغب اربيل بالإبقاء على القرار الدولي 688 الذي منحها منطقة ملاذ آمن من الضربات الجوية للطيران العراقي الحربي خلال تسعينات القرن الماضي، وهو ما ترفضه الحكومة الاتحادية في بغداد، ناهيك عن باقي الاشكالات التي تثار دائما في كل ازمة عن تطبيق المادة 140 لتطبيع الاوضاع، فيما يعرف بالمناطق المستقطعة، كما يحصل دائما الحديث عن مستحقات البيشمركة من الموازنة الاتحادية، بدون ان تكون للقيادة العامة للقوات المسلحة اي سيطرة عليهم، او حتى دخولها اقليم كردستان الا بموافقة برلمانها!

في المقابل، يظهر الميل السياسي لاتحاد القوى الوطنية السني بمنح حكومة العبادي مهلة عام كامل من تاريخ تشكيلها للمضي قدما في الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وفقا لما ذكر في برنامجها الحكومي، وإلا فان هذا الاتحاد يمكن ان يسحب الثقة عن العبادي وحكومته من خلال مجلس النواب.

كل ما تقدم، لم يجعل التحالف الوطني، بشقيه دولة القانون والمواطن، ان يصدر قرارات مصيرية باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية بين قيادات البلد السياسية، فزيارة العبادي الى السليمانية انتقدت بشدة من قبل الموالين لحزب مسعود بارزاني، باعتبار ان الحلول في اربيل وليس في السليمانية، التي يسعى التحالف الوطني بالحوار معها لتخفيف الاحتقان مع بارزاني وحكومته. وبالمعيار ذاته، لم تستطع قيادات التحالف الوطني تجاوز مسألة اعادة النظر في قانون المساءلة والعدالة، وحتى في مسألة التوازن الوظيفي، وكل ما يقال عن مكافحة الفساد ليس أكثر من رغبات تصطدم بواقع المحاصصة المؤلم .

المشكلة ان الحشد الدولي يستعجل اي تطبيق عملي لهذه المصالحة عراقيا، فيما تبقى مجرد فرضيات بحاجة الى قيادات محترفة وليس بيادق شطرنج على رقعة التسويات الاقليمية والدولية.

كل ما تقدم يكرر الاشارة الى توزيع الادوار عراقيا لتحقيق مشروع اعادة بناء العملية السياسية كناتج عرضي للحرب على داعش، بعد ان فهمت القيادات الشيعية وقبلها القيادة الايرانية بان اي حديث عن تكرار نموذج حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، يمكن ان ينتهي بآثام اكبر من تقسيم العراق، وبالتالي ضياع النفوذ الايراني الذي تريده على كل العراق وينحصر في المناطق الشيعية فقط، وذات الشيء فهم من بقية دول الاقليم بان تحويل العراق الى ساحة لتصفية الخلافات مع ايران لا يمكن ان ينتهي الى نتائج بدون الاكتواء بنيران الارهاب، التي ربما كانت تراه بعض الجهات انه الحل الوحيد لتحطيم الهلال الشيعي في المنطقة، وما بين هذا وذاك، يبقى الجميع بانتظار نتائج هذه الحرب، طالت ايامها أم قصرت،لان مشكلة القضاء على دولة العراق والشام الاسلامية، تتمثل في تحطيم منظومتها الاقتصادية وحواضنها الاجتماعية قبل هزيمتها العسكرية.

من هذا المنطلق، تثير آليات التعامل الايراني مع مؤتمري جدة وباريس، ومن بعدها اجتماع نيويورك لمجلس الامن الدولي، شجوناً في التحليل لأساليب الحرب النفسية التي يتقنها تجار السجاد الايراني، وهم يبيعون الوهم لزبائنهم، واذا كان السجاد الايراني الفاخر يمثل تحفا فنية فعلا، الا ان سياسات ايران منذ وصول الخميني الى طهران عام 1978 وكل ما لحق بها من احداث حتى الآن، يمثل نوعا من تداعيات كرة الثلج الاقليمي، نتيجة اخطاء استراتيجية أمريكية، جعلت من نموذج ضرب البطن الرخوة للاتحاد السوفييتي من خلال التيار الاسلامي المتشدد ورد فعل موسكو حينها بالدخول العسكري الى أفغانســـتان، فكان الرد الأمريكي الاكثر خطأ، يتمثــــل في تصنيع تنظيم «القاعدة» وفقا للمبدأ ذاته في ابراز الاسلام المتشدد ضد الفكر الشيوعي، وهي حالة سبق للاستخبارات البريطانية ان استخدمتها خلال ما عرف بالمد الشيوعي في المنطقة العربية، من خلال تأسيسها نموذج الاخوان المسلمين من جهة، والأحزاب القومية من جهة اخرى لمواجهته.

ولان رجال الدين في ايران يندرجون ضمن هذا المخطط، على الرغم من حالة العداء البارز ما بين الطرفين الا ان التناغم الكبير ما بين طهران والسياسات الأمريكية تؤكد ان هذا التنسيق يبقى ماضيا في خطواته، منذ الحرب العراقية – الايرانية، وما اثارتها فضيحة صفقات الاسلحة الأمريكية، ومن بعدها التنسيق بين احزاب المعارضة الشيعية بموافقة من المرشد الاعلى للثورة الايرانية اية الله خامنئي، من خلال افتتاح مكتب للمؤتمر الوطني العراقي بزعامة احمد الجلبي في طهران، وهو مكتب افتتح بتمويل اموال قانون تحرير العراق الأمريكي.

كل ما تقدم جعل التصريحات الايرانية تتقاطع حول رغبة واشنطن بمشاركة طهران في الحشد الدولي ضد تنظيم الدولة الاسلامية، مرة يؤكد دنائي فر سفير ايران في العراق، هذه الرغبة صراحة من بغداد، فيما يصرح من طهران مساعد وزير الخارجية بان بلاده لن تحضر استعراضا دوليا لمحاربة الارهاب، كونها تجد في امكانياتها على الساحة العراقية الدولة الابرز في هذا المجال فعليا وليس دعائيا، في مقابل تصريحات دبلوماسية نقلتها قناة الميادين اللبنانية، بان اكثر من سفير أمريكي في عواصم المنطقة اتصل بسفراء طهران لمناشدتها العمل ضمن اطار الحشد الدولي لمحاربة الارهاب وواجهوا صدا ايرانيا صاخبا.

وما بين هذا وذاك، لم تغب طهران كليا عن مؤتمر باريس، ومن قبله عن مؤتمر جدة لمكافحة الارهاب، فالموضوع برمته يعود الى الفعاليات السياسية العراقية التي لا تجد من مناص في مغادرة منصة النفوذ الايراني على اجندات الاحزاب التي خرجت اصلا من معطف الثورة الايرانية، حينما ذابت فيها حسب توصية مؤسس حزب الدعوة الاسلامية.

لكن ما يمكن ان يكون من تطبيقات ما بعد مؤتمر باريس، حينما دعا الرئيس فؤاد معصوم التحالف الدولي الى شن حربه على تنظيم الدولة الاسلامية، لابد ان تظهر فيه طهران نموذجها المعارض لانتقال نتائج هذه الحرب على حليفها السوري، بما يحطم هلالها الشيعي، وفي الوقت ذاته سيكون رد الفعل الايراني المرجح ليس داخل العراق او لبنان او سورية، بل داخل منطقة الخليج العربي ذاتها من جانب، وفي جانب اخر سيسعى الى ترجمة مواقفها اكثر على طاولة مفاوضاتها النووية، وما بين كلا الحالين ستحاول تطويع المواقف العراقية المعارضة لنفوذها المتجدد من خلال تطبيقات مليشاوية، ربما تكون اقبح من افعال تنظيم الدولة الاسلامية فمورد (الحلال والحرام) واحد!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب