23 ديسمبر، 2024 4:16 م

الحرب على الفساد: التحصين أولاً والهجوم تالياً..!

الحرب على الفساد: التحصين أولاً والهجوم تالياً..!

زارت الروائية أجاثا كريستي مدينة بغداد، في ثلاثينات القرن الماضي، وإجتمعت بعدد من المثقفين والقضاة وقتها، وكان من بين الحاضرين مَنْ سألها: عن عدد الكتب البوليسية التي أصدرتها فقالت له: بما أنك قاض، والمفترض أنك تحكم بالعدل، والقانون، والنظام، فهل سيسألك أحد عن عدد الأبرياء، الذين أنصفهم حكمك طيلة مدة خدمتك؟ أيها الفتى: أنني كما أنت، لا أحد يسألني عن عدد الجرائم، التي كتبتها في كتبي، لأن العالم مليء بالشر! وبعد المائة، سأتوقف حتماً عن العد، لأن الشر يزداد يوماً بعد أخر!
أصبح القضاء العراقي كهفاً سرياً، ينام فيه الفاسدون، والخونة، والمتآمرون دون حساب أو عقاب، لذا لم يسأل أحدٌ كم عددهم؟
منذ عقود، والنظام القضائي في العراق غير منصف، متناسياً أن العدل أساس الملك، وسير تنفيذ الأحكام فيه، لا يتم وفق قانون نزيه عادل، بل تعدى الى إحتدام الصراعات، والنزاعات، والمجاملات، من أجل الفوز بالمناصب المهمة، أو الحفاظ عليها، لا لشيء إلا لمصالح الأحزاب، والجهات التي يعملون تحت إمرتها، أما العدالة والقانون، فيضربان عرض الحائط.
 التردي الحاصل في قيادة بلد بحجم العراق، من قبل السلطات الثلاث، يمر بظروف إسثنائية، ولكن أهم تلك السلطات، هو السلطة القضائية، ودورها في بناء دولة متزنة مستقر،ة وما شاهدناه هو العكس، فالقضاء تسيس، وأصبح لعبة بيد الساسة الفاسدين، وإلا ما السر في بقاء المحمود، في رئاسة مجلس القضاء الأعلى؟ رغم أنه تجاوز السن القانونية، والمفترض إحالته على التقاعد، وكأنه ليس في العراق غيره، ليشغل هذا المنصب المهم في القضاء العراقي!
أضف الى ذلك، أن القضاء العراقي ليس مسيساً فحسب، بل ومشترك في الفساد السياسي العراقي، الذي بات العراقيون بسببه يعيشون أسوء العهود، مضافة الى سلسلة العهود المظلمة المتأخرة، في الأمس القريب أيام الدكتاتور الطاغية.
 إن السلطتين التشريعية والتنفيذية، شهدتا العديد من ملفات الفساد والنهب، فإذا سقط حجر أساس القضاء العادل، ببيت الدولة العراقية، فإن ذلك يعني سقوط الدولة، حتى إنهيارها تماماً، وهذا ما حدث عندما فسدت السلطة القضائية، وأمسى المجرمون والإرهابيون، يحيون أفضل من الأبرياء والمحرومين، وكأن القضاء نخلة، بات كل من يأتي بجانبها، يصفعها دون أن يعي أهميتها، لمجرد وجود حمامة تعبة على سفعها.
ختاماً: الحرب على الفاسدين لم ولن تنتهي، إلا بالقضاء على آفة الفساد في القضاء، ومن بيته من زجاج تجده جباناً، لا يستطيع ان يحميه من حجر المتظاهرين، فحصنوا البيت الكبير وحاسبوا الطغاة!