البيشمركة رمز الفروسية في زمن الرعاع .
في الوقت الذي كان البيشمركة يسطرون اروع الملاحم في تحرير مدينة شنكال ( سنجار) الكوردية من عصابات داعش , ابت قوى الظلام الا ان تبرهن انها وان اختلفت في المسميات والشعارات فهي تتشابه مع بعضها في الاساليب والمفاهيم والمنطلقات , وان داعش ليست هي القوة الارهابية الوحيدة التي تنشر القتل والدمار في العراق .
فبعد ان فرضت قوات البيشمركة ايقاعها على ساحة العمليات في شنكال وحررت المدينة من عفن داعش خلال عملية شهد لها الكثيرون بانها يجب ان تدرس في الاكاديميات العسكرية العالمية , لم يرق النصر هذا لقوى الظلام المتمثلة بمليشيات الحشد الشعبي كعصائب اهل الحق وبدر , فبدات باختلاق مشاكل غير مبررة مع البيشمركة في مدينة طوزخورماتو الكوردية وحدثت بينهما اشتباكات ذهب ضحيتها عناصر من الطرفين .
لاشك ان هناك فرق شاسع بين من يقاتل من اجل كرامة الانسان وعزته بغض النضر عن قوميته ومذهبه كقوات البيشمركة , وبين من كان اساس تكوينه مبني على عقد تاريخية تنطلق من عقيدة الكره والحقد على الاخرين , وسلب حرية الانسان وكرامتة كما هو حال مليشيات الحشد الشعبي . فمؤسسة البيشمركة التي بنيت على مباديء الحرية والفضيلة وغرس مباديء الفروسية فيهم سلما وحربا يمثلون في طوزخورماتو السد المنيع للوقوف بوجه تجاوزات عناصر مليشيات الحشد الشعبي على المدنيين , ومنعهم من ممارسة هوايتهم في القتل والسلب واهانة المكون السني العربي في المدينة , الامر الذي لم يرق لهذه المليشيات التي مردت على هذه الممارسات سواء في طوزخورماتو او في أي منطقة سنية عربية في العراق .
ان ما يزيد من انتهاكات هذه المليشيات لحقوق الانسان ضد المدنيين العزل وعطشهم للدماء هي الهزائم التي تلاحقهم في جبهات القتال , فرغم دعم الحكومة العراقية لهذه المليشيات وتسليحهم بمختلف الاسلحة الثقيلة الحديثة من الغرب وامريكا المخصصة اساسا للجيش العراقي , ورغم التسليح الايراني وتوظيف مستشارين عسكريين لهم , ودعم طيران التحالف الامريكي الغربي تحركاتهم البرية , اضافة للدعم الروسي الذي دخل مؤخرا للمعادلة العراقية , علاوة على الدعم الاعلامي الكبير الذي تتمتع به هذه المليشيات وتسخير جميع المؤسسات الاعلامية العراقية لها وبث اخبار كاذبة عن انتصارات وهمية لها … رغم كل انواع الدعم هذه , فقد فشلت هذه المليشيات في تحقيق أي نصر حقيقي ضد داعش في كل محاور القتال , والحفاظ على القليل من الانتصارات التي حققتها هنا وهناك . كل هذا الفشل والاحباط دفعهم لارتكاب انتهاكات مريعة ضد المدنيين العزل لتعويض هزائمهم العسكرية .
ان ارتكاب هذه المليشيات لجرائم حرب ضد المكون السني العربي وقيامهم بانتهاكات في مجال حقوق الانسان وصلت الى الحد الذي لم يعد ممكنا التستر عليها من قبل قاداتها فاعترفوا بها لكنهم برروها على انها حالات فردية لا تمثل توجها عاما لهذه المليشيات , الا ان توجهات المرجع السستاني قبل ايام في ابعاد بعض القادة الميدانيين لهذه المليشيات وكذلك تجميد السيد مقتدى الصدر لسرايا السلام التابعة له بسبب الانتهاكات التي تقوم بها تلك السرايا وبيانات المنظمات المعنية بحقوق الانسان عن وجود هكذا جرائم , اوضحت بما لا يدع مجالا للشك بان الممارسات التي تقوم بها هذه المجاميع (وهي تصل لمستوى جرائم حرب وجرائم الابادة الجماعية) هي ثقافة عامة تتسم بها هذه المجاميع وليست فردية كما يدعي المدافعون عنها .
ان تحول هذه المليشيات الى قوة عسكرية اكثر سطوة وتسليحا من المؤسسة العسكرية العراقية يجعل من أي حديث عن سلم اهلي في العراق مستقبلا ضربا من الجنون , فخطورة هذه المليشيات انها تحوز على تاييد بعض الاطراف الفاسدة في الحكومة الشيعية في العراق , رغم انها عصابات خارجة عن القانون وغير دستورية . وقد كنا نادينا منذ الالفين وثلاثة عشر بان تكون الحرب الدولية على الارهاب والتي كان يستعد لها المجتمع الدولي حينها تشمل المليشيات الشيعية على قدم المساواة مع داعش والقاعدة .
ان كان المكون الشيعي يتعاطف مع الحشد الشعبي ويراه حشدا مقدسا كونه خرج بعد دعوة المرجع السستاني للجهاد الكفائي ضد داعش , فهذا لا يعني ان مليشيات عصابة اهل الحق ومليشيا بدر اللتان فرضا على الحشد الشعبي فرضا تحوزان على نفس القدسية , فهي موجودة قبل دعوة السستاني وتحوز على
مساعداتها ومخصصاتها من دولة جارة دون ان يكون خروجها طوعيا , مما يفقدها مشروعية القرار الديني , ويخرجها من اطار الحشد الشعبي الذي جل افراده متطوعون يقاتون داعش دون ان يكون لهم اهداف سياسية . وان كان بعض عوام الشيعة لا يزال مخدوعا بهذه المليشيات فهذا لا يعني فرضها على بقية المكونات العراقية كالسنة العرب والكورد .
ان مرحلة ما بعد داعش في العراق لن تتسم بالسلم الاهلي طالما بقيت هذه المليشيات موجودة في العراق وتستهين بالانسان العراقي ودمائه , وخطورتها لا تقتصر على المكونين السني العربي والكوردي , بل تتجاوزهما لتشمل المكون الشيعي الذي يفترض ان ينعم بالقليل من الهدوء والاستقرار لبناء انسانه واعمار مناطقه , لا ان يظل في دوامة المنافسات السياسية المسلحة الدامية من خلال هذه المجاميع المدفوعة من دول اقليمية لا تمت للمصلحة العراقية بصلة .
ومن اجل عدم دخول العراق في دوامة جديدة من سفك الدماء بعد التخلص من داعش , فمن الواجب على المكونات العراقية خاصة (العرب السنة والكورد) مطالبة المجتمع الدولي ومؤسساته بتضمين هذه المليشيات ( بدر وعصابات اهل الحق ) ضمن المنظمات الارهابية والتي يفترض ان يحاكم قاداتها وزعمائها تماما كما فعلت المعارضة السورية قبل ايام حينما دعت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بادراج منظمات معينة في سوريا ضمن قائمة المنظمات الارهابية والدعوة الى اجتثاثها .