23 ديسمبر، 2024 6:33 ص

حين نقول “الحرب ضد الارهاب”، فاننا نتسامح باستخدام المصطلح. فالارهاب، كما يلاحظ، جورج فريدمان، هو “طريقة من طرق الحرب”، فهو ليس العدو بعينه. اما “العدو بعينه” فهو القاعدة واخواتها، والجماعات المسلحة الاخرى، التي تتخذ من الاسلام غطاء لها، والمتحالفة عملا مع بقايا حزب البعث الدكتاتوري الحاكم المنحل. هذا العدو يستخدم الاسلوب  الارهابي، او الطريقة الارهابية، او الحرب الارهابية ضدنا.
وفي سياق هذه الحرب تبرز الملاحظات التالية:
الملاحظة الاولى، بغض النظر عن الاهداف المعلنة وغير المعلنة للحرب علينا، فانها بالتوصيف الدقيق المستند الى الوقائع والارقام “عدوان بهدف الابادة الجماعية”. تتلون اهداف القاعدة واخواتها حسب تحولات الزمان والمكان. في البداية كانت تقول ان هدفها مقاومة الاحتلال الاميركي. وصدقها بعض اهلينا للاسف وربما انخرطوا بمشاريع من هذا النوع. وفي مرحلة “مقاومة الاحتلال” المزعومة سقط من العراقيين المدنيين اكثر مما سقط من الاميركيين. لم يكن قتل اميركي واحد سوى غطاء لقتل مئات العراقيين. واليوم رفع ايمن الظواهري شعار “حماية اهل السنة من حلفاء اميركا الصفويين”، يقصد الشيعة، لكنه يفجر سياراته المفخخة في مدن وتجمعات العرب السنة، والكرد السنة، والتركمان السنة، ايضا. والمسيحيون مستهدفون كذلك. مرة اخرى القصد هو قتل المزيد من الناس. في عام واحد قتلت الجماعات الاسلامية الاصولية الجهادية القاتلة 1000 طفل عراقي. اي شريعة تجيز للمتحاربين فعل ذلك؟ والقاعدة تعرف ان قتل الناس المدنيين لا يغير حكومة ولا يسقط دولة.
الملاحظة الثانية، ان حربنا مع القاعدة واخواتها هجومية وليست دفاعية. صحيح ان القاعدة هي التي تشن الحرب علينا، وهي حرب ابادة جماعية، لكننا في الرد لن نتخذ موقفا دفاعيا، انما يجب ان نهاجم. فالهجوم احسن وسائل الدفاع. الوضع الهجومي يعني ان نحدد نحن مكان وزمان ونوعية العمل. لن نرد على الضربة في نفس “المكان” الذي وقعت فيه، يجب ان نفتح جبهة جديدة. تريد القاعدة ان تشتت جهدنا، حسنا، يجب ان نفعل الشيء ذاته بها، يجب تشتيت جهد القاعدة وتفتيته، وفتح جبهات كثيرة ومنوعة ضدها. اننا لا ندافع، انما نهاجم. بهذه الطريقة سنحافظ على زمام المبادرة بايدنا. وبهذا سوف نفشل احدى خطط القاعدة الهادفة الى ابقاء زمام المبادرة بيدها. والهجوم قد يكون عسكريا، وقد يكون اعلاميا، وقد يكون نفسيا، وقد يكون تنظيميا، وهكذا.
الملاحظة الثالثة، الحرب مع القاعدة واخواتها ليست محلية فقط، انما هي اقليمية ايضا. هناك دول اقليمية تشارك فيها. باشكال مختلفة من المشاركة. تجاوزننا  الان مرحلة اثبات ذلك. فما بين ايدينا من معلومات ووثائق وادلة وارقام تثبت بما لا يقبل الشك ان هناك دولا عربية واسلامية شقيقة تشارك في هذه الحرب علينا. يقوم كتاب اخرون بذكر اسماء هذه الدول. سوف احجم انا عن القيام بذلك الان. تتعدد نوايا واهداف هذه الدول. بعضها، وخاصة الصغيرة منها، تتخذ من الحرب علينا ملهاة تشغل بها نفسها. فهي حرب عبثية. وهناك من الدول من تخوض الحرب علينا بهدف توسيع نطاق نفوذها الاقليمي. فهذه حرب استراتيجية. وهناك من تخوض الحرب علينا لاسباب مذهبية، لأنها ببساطة لا تقبل ان يكون للشيعة الدور الحالي في حكم العراق، فهي حرب طائفية. كل الدول المنخرطة بهذه الحرب تعلن عن اهدافها بهذه الطريقة او تلك. لذلك اقول تجاوزنا مرحلة الاثبات. نحن الان في مرحلة الثبوت.
الملاحظة الرابعة، ان الحرب ليست عسكرية فقط، انما نفسية واعلامية ايضا. من الضروري ان نلاحظ ان الجماعات المسلحة تستهدف تحقيق اهداف نفسية واعلامية من وراء عملياتها العسكرية العدوانية. انها تستهدف خلق حالة من الذعر والخوف لدى الناس، يمكن  ان تقود الى عدد من النتائج منها (1) تدمير معنويات الناس ودفعهم الى العزوف عن ممارسة الحياة باشكالها البهيجة، وخلق اجواء من الاحتباس النفسي  لديهم، (2) دفع الناس، اذا لم يتحقق العزوف، او ربما الى جانبه، الى الثورة على النظام الديمقراطي القائم، ورفض مؤسساته المختلفة، وخلق فجوة بين الناس وبين النظام الديمقراطي، (3) ايهام الناس بقوة القاعدة واخواتها وعدم قدرة النظام على التعامل معها وحفظ الامن في البلاد. نحن الان مُقْبلون على الانتخابت التشريعية الثالثة، سيكون من ابرز اهداف القاعدة واخواتها افشال هذه الانتخابات. وطبيعي اذا كان هذا هو الهدف فان الرد الهجومي على العدوان يجب ان يكون اعلاميا ايضا، فضلا عن الردود العسكرية المطلوبة.
الملاحظة الخامسة والاخيرة: ان الحرب ضد القاعدة واخواتها يجب ان تتم في اطار اوسع من مجرد الحرب مع القاعدة واخواتها، انها تأتي في سياق بناء الدولة الجديدة في العراق، باعتبار ان القاعدة تهدف الى عرقلة بناء هذه الدولة، لحساب دولتها الاسلامية المزعومة. ولذا لا ينبغي ان يتصور صناع القرار عندنا ان حربهم مع القاعدة هي المهمة الوحيدة التي يتعين تركيز الجهود عليها مع الاقرار بان المعركة الاهم التي يشكل الانتصار فيها احد شروط تحقيق النجاح في المجالات الاخرى. ولكي تنتصر الدولة الجديدة على القاعدة نصرا مؤزرا وجب ان تقام على اسس سليمة ومتينة. وهذه الاسس هي: المواطنة، الديمقراطية، المؤسسات، القانون، العلم الحديث.