23 ديسمبر، 2024 7:06 ص

الحرب ضد الارهاب….وماذا بعد؟

الحرب ضد الارهاب….وماذا بعد؟

كان للعملية الارهابية الاخيرة التى تم تنفيذها فى باريس, والتى كان ضحيتها 120 قتيلا وبضعة مئات من الجرحى وقعا اوربيا وعالميا كبيرا, وقد تبنت داعش الارهابية تنفيذ العملية الاجرامية من قبل “الخلايا النائمة” فى باريس وبروكسل, والتى حصلت فى ثلاثة مواقع فى العاصمة الفرنسية بنفس الوقت. وجاء رد الفعل الفرنسى قويا مدويا وحازما فى شخص الرئيس الفرنسى فرانسوا اولان, من ان فرنسا سوف تتقصاهم وتطاردهم بدون هوادة وسوف تقضى عليهم, واعلن مباشرة حالة الطواىء. وجاءت برقيات الاستنكار المنددة بالارهاب والتضامن مع فرنسا والشعب الفرنسى والوقوف معهم فى محاربة الارهاب من ملوك روساء الدول والشخصيات العامة من كل انحاء العالم.

لقد استطاعت فرنساان تقدم برنامجا دراميا متقنا يتناسب مع حجم التحدى, فقد حضر الملوك والرؤساء الى باريس لقراءة “الفاتحة” وزيارة مواقع التفجيرات, وقدم المواطنون الفرنسيون والاجانب مواساتهم بوضع اكاليل الزهور فى مختلف المناطق, على الرغم من الحياة الصاخبة فى باريس قد توقفت الى حدما, الا ان المواطنيين عاودوا حركتهم ورفضوا ان يخيفهم الارهاب ويعطل اسلوب حياتهم وتمسكهم بقيم الحرية والديمقراطية.

قدم الرئيس الفرنسى مشروعا كبيرا لمحاربة الارهاب, على الطريقة الامريكية المعهودة بجعل المشروع حلفا عالميا لمجابهة الخطر المباشر الذى يداهم اوربا والعالم وتامين واستقرار السلام العالمى. جاءت استجابة الحليف والصديق الاستراتيجى الالمانى سريعا صادقا وبدون تردد: االمساهمة بقوة مؤلفة من 1200 جندى, 6 طائرت من نوع “ترنادو” ومنها طائرة لتعبئة الوقود فى الجو , فرقادة لحماية حامل الطائرات االفرنسى” الجنرال ديغول”, بالاضافة الى المساهمة فى القوة العسكرية الفرنسية فى (مالى ), وسافر الرئيس اولاند الى موسكو لمقابلة الرئيس بوتين , وتم مبدئيا الاتفاق على العمل المشترك. عموما ان الحلف العالمى قد تكون. ان فرنسا بحاجة ماسة لمثل هذا الحلف لانها لاتقوى لوحدها تحمل تكاليفة البالغة , خاصة وهى محملة بالديون كما ان الوضع الاقتصادى لايبشر بحدوث معجزات والمشاكل الاجتماعية , خاصة قضايا المهاجرين والاقليات قد تفاقمت منذ زمن ولاتجد لها حلا.

ان الموقف الحازم للرئيس اولاند يدعو الى الاعجاب والاحترام, ومهما كان نوع النقد الذى يوجه على الديمقراطيات الغربية, فان القيادات السياسية, حينما تتعرض بلدانهم الى الخطر فهم يقفون كرجل واحد لمجابهة هذا الخطر وكيف يمكن القضاء عليه او الحد منه.

فى بلدنا العزيز, بلغت الضحايا منذ حزيران 20014 شهريا حوالى 3000 – 3500 قتيلا, والارهاب مستمرا, حتى ان عدد الضحايا لشهر تشرين الاول الماضى قد بلغ 2150 قتيلا, وكما يبدو فان هذا الارهاب سيستمر الى مرحلة قادمة لايعلمها الا الله. انه من الاسى والحزن ان اصحاب القرار فى حكومتنا الرشيدة قد اعتادت الامر واصبح الارهاب والقتل من مكونات الواقع العراقى كحال الكهرباء وبقية الخدمات الاساسية المعطلة: ان امن الشعب وامن البلد ليس من واجباتهم, ان الحفاظ والاستمرار فى كراسى الحكم يشكل محور اهتماماتهم, ويسعون فى الحفاظ على الكراسى. هذه مسؤلياتهم وما عدا ذلك فليس له اى موقع فى التفكير والاحساس, والمبدأ الذى يتداول فيما بينهم, ان محاربة الارهاب والحفاظ واستقرار الامن هى من واجبات المواطن!! ان قادتنا الاشاوس مثقلون بمهمات اخرى لا علاقة لها بالوطن والمواطن.

ان هذا الحلف الدولى الجديد ضد ارهاب داعش قد تم طبخة بسرعة فائقة, وكان الارهاب لم يكن له حضور من قبل, ولكن كما علمتنا التجربة التاريخية, فان “الغرب ” بمختلف الوانه وتاريخه لا يتحرك الا عندما تتعرض مصالحة ( هذا مصطلح مطاط ويمكن ان يشمل وفقا لاجتهاداتم ونوع الاوضاع, كل شىء). ان هذا الحلف يحمل اشكاليات عديدة وان دولا لها قوتها ومكانتها فى العالم تعلن الحرب على منظمة ارهابية, هذا يعنى ارهاب منظم منهجى تقوم به دول ضد ارهاب افراد وجماعات تفتقد الشرعية,¸ثم ان هذه الدول لم تتفق, لم تضع لحد الان ستراتيجية عسكرية موحدة , وبدون تقسيم عمل وتحديد واجبات مهمات وصلاحيات. ان ما تم الاعلان عنه هو الضربات الجويه, ولكن الحرب الجوية , كما يؤكد الخبراء العسكريون بأنها لاتستطيع القضاء على الارهاب,انها يمكن ان تضعفه ولكن لاتقضى عليه , وبذلك فان وجود القوات البرية امر لابد منه. الا ان الدول الغربية غير مستعدة لارسال قوات عسكرية برية, وذلك لتجاربها التاريخية الفاجعة والمدمرة وليس لها الرغبة والنية فى تحمل خسائر بشرية ويمكن ان تاخذ مسارات غير محسوبة. ان المقاتلات المحملة بالقنابل, والتى لم يحدد فترة عملها لحد الان سوف تقضى على ما تبقى من سوريا المهدمة, كما ان الضحايا بالمواطنين السوريين والعراقيين سوف تكون فادحة ورهيبة لان الضربات الجوية ليست بالدقة التى يتكلمون عنها, وسوف يدخل مبدأ العقلانية الاقتصادية الى التفكير والفعل الواقعى, من ان التكاليف الاقتصادية للطائرت والقنابل ورواتب الافراد والضباط لا تتناسب مع الاضرار والخسائر التى الحقتها بداعش وعيه ضرورة التروى فى بهذا الاسلوب الباهظ جدا, بمعنى ان الضربات العسكرية غير مثمرة. ان اوضاع المواطنين العراقيين والسوريين, نتيجة للخراب الذى تحدثه القنابل والمتفجرات سوف تتفاقم, كما ان الدمار الذى سوف يصيب سوف المدن والقرى

والضواحى سوف يكون كبيرا, وكذلك اعدادا كبيرة من السكان سوف يكونوا ضحايا قنابل الطائرات, الذين يمكن ايضا ان تستخدمهم داعش كدروع بشرية. ان السكان سوف يصعب عليهم ان يجدوا امنا لحياتهم وحياة اطفالهم فى الهجرة داخل الوطن. انها ماساة حقيقة للمواطنين, سوف يعيشها المهاجرين السوريين والعراقيين حيث لا يجدون من يستضيفهم فى الدول الغربية. .

لايوجد اتفاق سياسى بين المتحالفين حول تفاهمات وتصورات سياسية حول اوضاع سورية بعد الانتصار على داعش من ناحية نظام الحكم واعادة الاعمار. أن مصالح الدول المشتركة فى الحلف مختلفة تماما وكل منها له مصلحة ستراتيجية محددة فى تشكيل مستقبل سوريا, تركيا قد اصبحت لاعبا كبيرا وفى يدها عدة مفاتيح فى العملية السياسية والعسكرية ولابد من ان تحقق مصالحها فى هذا الصراع, الغرب يرفض وجود الاسد فى اى حل مستقبلى لسوريا, على عكس ذلك مصالح الاتحاد السوفيتى وكذلك مصالح ايران, كما ان الاكراد اصبحوا قوة فى هذا الصراع ويقدمون خدماتهم للغرب ليس مجانا وانما لقاء فوائد ضخمة, ليس بالضرورة اعلان تشكيل دولة فى الامد القريب, وانما على مستوى تكوين الثقة و كحليف جاهز لكل ما يكلف به, هذا يعنى ان الاكراد سوف يكونون رابحين فى كل الاحوال. ان الحلف الغربى الجديد ضد الارهاب لم يقوم لحد الان بالضغط على اصدقائه الخليجيين فى الحد من الدعم المادى والتسليحى لتنظيم داعش الارهابى, وهذا ليس لانهم كرماء وانما لان مصالحهم المتنوعة مع السعودية بشكل خاص, لا يمكن تعريضها للخطر, فدول الخليج مستمرة على مواقفهم وقد اعلنت السعودية وقطر تصوراتها حول مستقبل سوريا وبدون الاسد وحزب الله.

اما بالنسبة للقيادة العراقية, فانها فى اوضاع لاتحسد عليها, ان القوات العراقية العسكرية, الممثلة بالجيش العراقى, لم تتطور من ناحية الاداء الوظيفى العسكرى ولم تصل درجة عالية من الكفاءة ان تكون لها القدرة على تحرير الموصل, بالاضافة الى ان العقيدة العسكرية الوطنية التى ترتبط بالعراق كدولة وشعب لم تتكون لحد الان. لقد مضى قرابة سنة كاملة على البدأ فى تحرير تكريت, بيجى, الفلوجة والرمادى ولازالت العمليات جارية ولم يحصل حسم وتطهير شامل الا فى حدود ضيقة جدا, اما عن الحشد الشعبى فهم يحمل اشكاليات كثيرة, ويمكن ان يكون قوة تعهد لها بواجبات معينة, ولكن ان ترتبط كوحدات مقاتلة فى اطار الجيش العراقى, فهذا يثير تساؤلات عديدة, خاصة وقد التصقت به صفة الانتمام الطائفى والذى اخذ صفة الموالاة الى ايران, اوان الحكومة لاتملك السيطرة عليه. ان السؤال الذى يفرض نفسه, من من دول التحالف الجديد سوف تكون عونا جادا للعراق للمساهمة فى تحريراراضيه, علما بان قنابل الطائرات لوحدها لايمكن ان تحرر الاراضى المحتلة. ان الاهم من ذلك كله ان تغيرا جديا فى فكر وسلوك القيادة العراقية لم تظهر بوادره لحد الان, وان الفكر الذى قاد البلد الى هذه الكوارث لايمكن ان يتغلب على ذاته ومواقعه المتخلفة.