نحن بحاجة الى حرب جديدة للبحث عن خيارات ومخارج ولتفريغ فائض القوة وذلك قبل ان يحصل انفجار عبثي وحصول حرب اهلية عبثية قذرة وذلك في ضوء ما ظهر مؤخرا من رغبة لدى جماعات مسلحة بالتنفيس عن ( تراكم وفائض القوة لديها ) عبر استهداف بعضها البعض بعد تنافسها على عقد مالي وقدره نصف مليون دولار فقط لاغير !!
ومن المظاهر الاكثر خطورة والواضحة في المجتمع العراقي هي التنفيس عبر الجماعات العشائرية والقبلية التي باتت متنفسا لحمل السلاح واطلاق النار في بحث الخلافات او بعد الاتفاق العشائري على شن الغارة او الهجوم على بيت الجاني و العشيرة العدو .. وايضا التنفيس صار اكثر من شائع من خلال تشكيل عصابات الجريمة المنظمة وظهور المافيات البدائية في بعض المدن العراقية , وكل ذلك مؤشر نحو حاجة المجتمع الى متنفسات لتفريغ القوة وللتعبير عن ( ثقافة ) العنف المستحدثة بفعل الصراعات والحروب . .
وفي اعتقادي ان من ابرز اسباب نجاح الجماعات الارهابية وعلى راسها القاعدة ودعش في العراق هو وجود شريحة كبيرة من الرجال العراقيين لذين هم على استعداد ومهيأيين للانخراط في تلك الجماعات العنفية وذلك نتيجة تراكم القوة وترسخ ثقافة العنف في اسفل (جبل الجليد ) وفي السلوك اللفظي والجسمي .
*ولكن كيف اللجوء الى الحرب ولماذا؟؟ .. ولماذا هي مبررة في بعض المراحل ؟ اليكم الاجابة بالتفاصيل :
في العراق , ومنذ نحو نصف قرن ,يواصل مسار حركة الامة العراقية بالانحدار , وقد تفاقمت حركة الامة نحو السقوط عقب عام 1991 , وزاد من سرعته بعد عام 2003
ومنذ نحو اربعة عقود بدأ تفكك ومن ثم انهيار الماكنات الصناعية والزراعية والثقافية , فيما انتعشت ماكنة القوة والعسكرة .
الى اليوم ,وبعد المعركة مع داعش , لدى العراق فائض قوة متراكم ويتراكم ويتمدد طولا وعرضا وتحول فعليا الى منحى مجتمعي لدى الاجيال الجديدة.
الاحصاءات تفيد بالتالي :
* يوجد مليون و350 الفا هم عدد افراد القوات المسلحة العراقية , وهي الجيش والشرطة والحشد والاجهزة الامنية .
* 571 الفا هم المحالون على التقاعد قسرا من اجهزة الامن والاستخبارات والحرس الجمهوري للنظام السابق وفي غالبيتهم اعمارهم تتراوح ما بين ( 40- 55) وهؤلاء يمكن اعتبارهم اجبارا قوات احتياط طالما يتقاضون مرتبات ويعيشون في اجواء الامن والعسكر .
* حوالي 340 الفا هو المحالون على التقاعد اضافة الى السجناء والشهداء ممن هم من انصار واعوان وكوادر احزاب ( المعارضة ) العراقية وينتمون الى 11 حزبا وجماعة وتتراوح اعمارهم ما بين (40 الى60) سنة ويمكن اختيار معظمهم وتصنيفهم كقوات احتياط لطالما يتقاضون رواتب باسم الجيش والشرطة .
* المجموع العام : مليونان ومئتان وواحد وستون الفا .
* ايضا يضاف الى هذا الرقم نحو 3 مليون ذكر عراقي عاطل عن العمل او من المهمشين او من يعملون في مهن متواضعة وغير منسجمة او هامشية , وهذه الفئة الكبيرة جدا عادة ما تكون بؤرة الامراض المجتمعية النفسية والسلوكية والتي تشمل الانحراف القيمي والاخلاقي ومن ثم تولد الجريمة واشاعة نهج التحدي ( التمرد ) واضعاف الدولة وذلك مقابل سقوط منظومة الدولة الراعية والتربوية والضابطة القانونية والشرطية مايعني ( ان الدولة والمجتمع ) في مأزق وبحاجة الى حلول ومخارج .
ودائما الانطباع حيال الحروب على انها بشعة ومأساة .لكن بالنسبة للمنتصرين هي اعراس ومناسبات مفرحة .
كما ان العديد من الدراسات والبحوث تخلص في كثير من الاحيان الى ان الحروب اتت بنتائج ايجابية من قبيل اسقاط انظمة توسعية مثل اليابان والمانيا وايطاليا في عام1945 .وذلك على الرغم من ان تلك الحرب كلفت البشرية 86 مليون قتيل !!!
اما الحروب المحلية عادة ما تسفر عن متغيرات ايجابية كما هو الحال في الكونغو التي اسفرت الحرب الاهلية فيها عن نشوء نظام ديمقراطي .
وفي لبنان وبعد 17 عاما من الحرب الاهلية اعلن زعيم الشيعة المنتصرين نبيه بري بان ((..الشيعة خرجوا من قمم الفقر والتهميش ولن يعودوا اليه)) .
في جنيف عام 1988 كان يجري نقاش بين المتفاوضين, العراقي طارق عزيز والايراني علي اكبر ولايتي , ولما احتدم الجدال اقترح ولايتي على طارق عزيز العودة الى استئناف القتال في الجبهات على الحدود من اجل حسم البند الذي اختلفا عليه وعلى مايبدو كان يتعلق باعداد الاسرى لدى الطرفين , وقال حينها ولايتي ((.. بعدها نعود الى جنيف لاعادة ترتيب الاوراق..)) !! .
اذن اللجوء الى الحرب يكون في بعض الحالات المعقدة علاجا لحالة مرضية خطيرة تهدد مصير وبقاء دولة ومجتمع وأمة كما هو في العراق اليوم .