Psychological War
Propaganda and Rumors
المقدمة
تنطلق الشائعة من واقع المجتمع الذي تبث فيه, وتأخذ حاجات الأفراد بعين الإعتبار عند بثها, وهي تتسم بطابع الغموض, كونها لا تنتسب الى مصدر محدد, لأن الغموض يولّد الشك, وهذا مطلوب لنجاح مقاصدها.. والشائعة تُنسب من خبر لا أساس له من الصحة, أو دبلجة خبر فيه شيء من الصحة, وتكون دائماً موجزة لتسهيل نشرها… وقد أجمع علم النفس أن الشائعة هي عبارة عن تنفيس للمشاعر المكبوتة, ويرى فيها الفرد ما ليس موجوداً في غيرها؛ وهي تنجح دائماً في بثّ سمومها, لأن مروّجي الشائعات يقدّمون الشائعة بصورة برّاقة, فلا تخرج إلا بعد حبكة وصياغة وإختيار جيّد للكلمات والزمن لتفرض نفسها بقوة على الرأي العام.
إن عملية إنتقال الشائعات تتعرّض أثناء حركتها الى عملية تحوير, وهذا التحوير أو ما يسمى بالتطعيم يستفيد منه مروّجو الشائعات, لأن عملية التحوير تخدم الهدف الذي من أجله تمّ إطلاق الشائعة الى النور… والشائعات تختلف بإختلاف المواقف, فهنالك الشائعات السوداء, وهي تحمل طابع التشاؤم وتكون سريعة الإنتشار والهدف منها إرباك الخصم.. أما الشائعات البيضاء, فهي تدعو الى التفاؤل وتثبيت الثقة في النفوس وتقوية العزائم.
وهنالك بعض الشائعات هي من القوة بحيث تزيد من الحالة الإنفعالية للفرد, والمعروف أن الإنفعال يزيد من الحساسية النفسية عند الأفراد ويخلق البلبلة في الرأي العام, وقد قيل فيها, أنها أفضل أسلوب مدمّر استخدم في الحروب, وسلاح مدمّر من أسلحة الحرب النفسية.. فلماذا نخضع الأعداء بالوسائل الحربية ما دام بوسعنا إخضاعهم بوسائل أبسط وأجدى؟
وتكـثر الشائعات في فترات الطوارئ, وعندما يرتاب الناس في سلامة الوضع السياسي والأمني, وتفرض نفسها حين يكون الناس في حالة من الترقب أو الخوف من حدوث أمر ما, فإذا ما ظهرت الشائعة لاقت قبولاً خاصةً إذا كان تمثل ذلك الموقف الغامض, ونذكّر بأن الغموض في الشائعة يساعد في إنتشارها ويعطي للناس فرصة أكبر في تصديقها.. ولا يمكن الإستهانة مطلقاً بخطورة الخلفية التي تتركها الشائعة وراءها. وحتى نحجّم من أهمية الشائعة وخطرها على المجتمع المدني والعسكري, لا بد من التعاون الوثـيق بين المواطـن والسلـطة لمحاربتـها بإظـهار الحقيـقة والدوافـع التي كانت وراء إختلاقها للرأي العام, كما يجب عدم تلقي الشائعة بإنفعال, ومناقشتها, وتحديد مصدرها, والإبلاغ عنها, لتنبيه المواطنين وتوضيح الدوافع, فهذا يحد من إنتشارها.
وهنا, لا بد من التنويه, بأن لأجهـزة الإعلام دوراً كبـيراً في تحجـيم الـشائعة أو العـكس, بيد أن الشائعة تؤدي الى انعكـاسات سلبية لدى الرأي العام, ما لم تقترن بصـحة المـصدر والمـعلومات وتتـحدد دوافـعها, ونحـن اليوم أحوج ما نكون الى صرف النظـر عن الشائـعات, حيـث أننا لم نزل ننفـض عنّا غبار الشائعات التـي كان لهـا دور كبـير في إشعال نار الفتنة التي دفع ثمنها الوطن والمواطن. وللقـضاء على الـشائعة, المطـلوب, عدم ترديدها, لأن عدم ترويجها يحد من سريانهـا وإنتشـارهـا, لتدفن في مهدها, فإذا كانت صحيحة المصدر وتحمـل الى الـناس حقيقة ثابتة, لا بد أن تعود لتفرض نفسها وبقوة, لأن الحقائق كالشمس التي وإن غابت لا بدّ أن تشرق من جديد.
وكلما كان الاتصال سهلا انتقلت الشائعة لمسافات كبيرة ، كما انها تزداد حينما يكون لدى الناس الرغبة في تصديقها ، او عندما يحسون في الانصات اليها او نقلها نوعا من الرضا . فالانسان عادة يسره ان يكرر القصة التي تحقق شكوكه او التي تعبر عن مخاوفه ، كما انه يرغب في ان يضحك او يهزأ على حسب اخر لايحبه .
ومن ثم يمكن القول : ان الرأي العام هو الذي يخلق الشائعات ويبدعها . كما ان الشائعات القوية الجريئة التي تتماشى مع المخاوف والشكوك التي يشرك فيها كل شخص مع غيره من الناس هذا من ناحية ، اما من ناحية اخرى فان الشائعات قد تخلق الرأي العام ايضا وتوجده .
اذا فالشائعات وسيلة بدائية جدا لنشر القصص عن طريق انتقالها من فم الى فم ، وبقدر ما هي بدائية وتبدو معدومة الكفاية وغير دقيقة ولا يمكن تعليلها ولكن في وقت الشدة والاضطراب تبرز الشائعات وتنتشر ويكون لها دورها في زيادة الاضطراب . ولدى الدول المتحضرة وسائل لنشر معلومات افضل من وسيلة الشائعات . لديها الاذاعة ، والتليفزيون ، والصحف وغيرها ، وفي مثل هذه الاوقات العصيبة نجد وسيلتين للانباء تنافسان : – 1 – الاولى الصحافة والراديو ،
2 – والاخيرة الشائعات . على ان الشائعات تنتشر على نطاق اوسع في اثناء الحرب حينما تتطلب السرية في كثير من الموضوعات الهامة عدم نشر اخبار عنها . ولما كانت الصحف واجهزة الاعلام توضع تحت الرقابة وتقل المعلومات التي تنشر على الناس ، فان هؤلاء يحاولون ان يلتقطوا ما يريدون معرفته من الاخبار بأي وسيلة ، وعندما تصل الامور الى هذا الحد فان الشائعات تبرز كبديل لذلك .والواقع انه في مثل هذه الاوقات تبرز الشائعات وتنجح في كل مكان في صفوف القوات المسلحة وفي صفوف المدنيين والعسكريين على حد السواء ، والى اشاعة الفزع والهزيمة . هذه بعض العوامل – وليست كلها – التي تهيئ للشائعات ان تنتشر بين الناس ، وهذه العوامل لا يختص بها مجتمع معين ، وهي ليست بدعة في وقت الحرب ولكنها طبيعة عامة موجودة في كل امة في كل ركن من اركان العالم ، وفي كل حرب جرت من قبل .على ان الاهم من ذلك تلك الدوافع السيكولوجية التي تعمل على ترويج الشائعات . هذه الدوافع تلعب دورا كبيرا في ترويجها ، ومن ثم يحسن ان ننتقل لدراسة الدوافع السيكولوجية وراء الشائعات المختلفة .
تعريف الشائعة :
ليس من السهل ان نضع تعريفا دقيقا محددا لكلمة الشائعة فهي تحمل كثيرا من المعاني التي سنحاول ان نبرزها هنا ، ويعرف الشائعة كل من جولدن البورت وليوبوستمان في كتابهما سيكولوجية الشائعة ” اصطلاح يطلق على راي موضوعي معين مطروح كي يؤمن به من يسمعه ، وهي تنتقل عادة من شخص الى اخر عن طريق الكلمة الشفهية دون ان يتطلب ذلك مستوى من البرهان او الدليل ”
او هو (هي عبارة عن خبر أو قصة أو حدث يتناقله الناس بدون تمحيص أو تحقق من صحته, وغالباً ما يكون مبالغاً فيه بالتهويل الغير صحيح)
على انه كثيرا ما تنتقل الشائعة عن طريق : الصحافة ، او الاذاعة ، او اجهزة الاعلام الاخرى .
وهي تتسم بصفة التناقض ، فقد تبدا على شكل حملات هامسة ، او تهب كريح عاصفة عاتية ، وقد تكون مسألة لا تحمل اكثر من تمنيات طيبة للمستقبل ، او مدمرة تحمل بين طياتها كل معاني الحقد والكراهية والتخريب ، وهي من جهة اخرى اشبه بموج البحر الذي يعلو فجأة على سطحه ثم يغطس ثانية الى قاعه ليعاود الظهور اذا ما تهيأت الظروف المناسبة ، وعلى كل حال فهي وباء اجتماعي يصيب الانسان ولا يستطيع ان يبتعد عنه او يتخلص منه بسهولة .ولما كانت تتضمن عادة موضوعا معينا . فان الاهتمام بها يكون مؤقتا . فهي تروج في الظروف الملائمة للموضوع ، ثم تنتهي بموتها ودفنها ، على انه من ناحية اخرى قد تعاود الظهور مرة اخرى اذا ما وجدت الارض الخصبة المناسبة .هذا والشائعة تمس احداثا مثل الحرب ، والفيضانات ، والكوارث وارتفاع الاسعار ، والعلاقات السياسية والموضوعات الاقتصادية … الخ ، كما تمس اشخاصا مثل : رئيس الدولة ، او رجال الحكومة ، او الصحفي معين ، او السيدة س . هذه بعض النماذج لاهداف الشائعات ، مع ان هناك اشكالا اخرى ملموسة تظهر فيها مثل : الثرثرة ، والنكات ، والتقولات ، والقذف ، والتنبؤ – بخير او شر – بالاحداث المقبلة . وليس كل الشائعات من نسيج الخيال ، فقد يكون بعضها لا اساس له مطلقا ، وقد تعتمد على جزء من الحقيقة فيها لخلق كيانها وترويجها ، وبجب ان نفرق هنا بين الخبر والشائعة .
أما في اللغة: الشياع: الانتشار والتقوية، يقال شاع الخبر أي كثر وقوي .
تعرف الشائعة على أنها خبر يحتمل الصدق وقد يكون مجهول المصدر في البداية، وهذا الخبر يسري بالكلمة المنطوقة بين مختلف فئات المجتمع ولايوجد دليل على صحته ويفتقر إلى المسؤولية وتتغير تفاصيله من شخص لآخر والشائعة سلاح ذو حدين فهي تضعف ثقة المواطن بحكومته وتثبط همة الحكومة وتجعلها تشكك في مصداقية الجهة الداخلية وولائها، وهي أسلوب تلجأ إليه الدولة في حربها النفسية ضد الدولة المعادية مستخدمة في ذلك إمكاناتها التكنولوجية الحديثة في نشر سمومها وعراقيلها داخل الدولة المستهدفة.
كذلك الشائعة أو الدعاية المغرضة هي أسلوب من أساليب الحرب النفسية الخطرة والتي تؤثر بشكل قوي ومباشر في المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ويكون أثرها أكبر وأخطر في الدول التي يتصف شعبها بأنه من أولى الثقافات المحدودةوالتي تعد تربة غنية ثمينة وخصبة لنمو الشائعات بشكل قد يؤول إلى المساهمة بشكل كبير في انهيار كيان الدولة… ولم تكن الدعاية من المؤسسات الحديثة بل تضرب بجذورها عبر التاريخ ولايزال التاريخ يطالعنا بالدور الخطير الذي قامت به الدعاية في إثارة الشعور الديني والقومي في الحروب سواء في أوروبا أو في العالم الإسلامي .
اي ان الإشاعة في اللغة هي اشتقاق من الفعل “أشاع”،أما الشائعة لغة فهي اشتقاق من الفعل (شاع) الشيء يشيع شيوعاً وشياعاً ومشاعاً ظهر وانتشر، ويقال: شاع بالشيء : أذاعه.
أما الاشاعه اصطلاحا فتعددت تعريفاتها، ومن هذه التعريفات:
1 – المعلومات أو الأفكار،التي يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، أو هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو يحتوي جزءاً ضئيلاً من الحقيقة.
2 – كل قضية أو عبارة، يجري تداولها شفهياً، وتكون قابلة للتصديق، وذلك دون أن تكون هناك معايير أكيدة لصدقها.
3 – كلام هام أو أفكار عامة، انتشرت بسرعة ، واعتقد فيها، وليس لها أي وجود أصلي.
4 – ضغط اجتماعي مجهول المصدر،يحيطه الغموض والإبهام،وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام، ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات،وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار.
5 – معلومة لا يتم التحقق من صحتها ولا من مصدرها، وتنشر عن طريق النقل الشفهي..
ومرجع هذا التعدد فى التعريفات ان كل تعريف يركز على خصيصه او خصائص معينه للاشاعه، دون غيرها من الخصائص . وبالجمع بين هذه التعريفات يمكن تعريف الاشاعه بانها : خبر مجهول المصدر.غير مؤكد الصحه.يتم تداوله شفاهه عاده. قابل للتصديق. و قابل للانتشار.وان الشائعه تنتشر بشكل تلقائى،ودون ان يدرى ناقل الخبر كذب هذا الخبر. بينما الاشاعه تنتشر بشكل قصدى اى بفعل فاعل(على الاقل فى مراحلها الاولى )، ويعى هذا الفاعل كذب الخبر.
الشائعة بمعناها العام
General meaning of rumors
الترويج لقصة او موضوع أو خبر مختلف لا اساس له من الواقع. او هي المبالغة في اعلان واقعة أو خبر بعيد عن الحقيقة، او يتضمن جزءاً ضئيلاً من الحقيقة، وانه من العسير اثبات صحتها وحقيقتها…
وليس للشائعة:-
1 – وسط معين، وانها تظهر وتنتشر في جميع الأوساط.
2 – ومن جميع الاوقات سواء في زمن السلم ام الحرب.
3 – وسواء من اوقات الكساء او في اوقات الرخاء والانتعاش الاقتصادي. ومن نتيجتها اضعاف الروح المعنوية للناس ونشر الذعر والخوف بينهم، وتظهر الشائعات وتروج :-
1 – اما بواسطة عملاء للعدو.
2 – او قد تخلق محلياً من قبل مجتمع ما، وذلك بسبب الانفعالات والمشاعر المختلفة التي تسود هذا المجتمع…
ومن أشهر الشائعات في التاريخ هو ما روج اليهود من اقاويل حول (مريم العذراء) حينما ولدت (عيسى عليه السلام) من غير أب، وقد كان هذا الابن دليلاً ورمزاً على المعجزة والقدرة الألهية، تكلم في المهد، وكان نبياً ورسولاً الى بني اسرائيل يعلمهم الكتاب والحكمة، كما ان الشائعة هي التي ادت بالفيلسوف اليوناني (سقراط) الى الموت، إذ اتهمته بافساد اخلاق الشباب ودفعهم الى الثورة ضد نظام الحكم القائم…
الشائعة، كما وردت في موسوعة علم النفس(( هي عبارة عن خبر أو قصة أو حدث يتناقله الناس بدون تمحيص أو تحقق من صحته, وغالباً ما يكون مبالغاً فيه بالتهويل الغير صحيح)). ومن الناحية النظرية كان من المتوقع أن تتراجع الشائعات مع هذا الانتشار الرهيب لوسائل الاتصال حيث لم يبق هناك شيئا مخفياً, ولكن الواقع أن الشائعات تتزايد باستمرار, بل وتستفيد من وسائل الاتصال العادية والإلكترونية في مزيد من الانتشار.. ويبدو أن هذين التزايد والانتشار عائدان إلى أحد عاملين أو لكليهما:
الأول: زيادة ميل الناس إلى تزييف الحقائق أو إخفاء أجزاء منها مما يزيد من ضبابية وغموض الأشياء رغم الإعلان عنها أو عن جزء منها, إضافة إلى ضعف المصداقية في التصريحات والأخبار المعلنة وتناقضها مع الواقع.
الثاني: رغبة الناس في معرفة المزيد وانفتاح شهيتهم لارتياد رؤى مجهولة أكثر فأكثر.. ونستطيع أن نمثل لذلك بتجربة بسيطة يمكننا أن نجريها أو نتخيلها، وذلك بأن نقف في صحراء واسعة ومظلمة ليلاً، ونضئ مصباحا قوته 50 وات فنحصل على دائرة ضوء وليكن قطرها “س” متر، يحيط بها دائرة ظلام تتناسب مع هذا القطر, فإذا استخدمنا مصباحاً قوته100 وات حصلنا على دائرة ضوء أوسع تحيطها دائرة ظلام أوسع وهكذا, أي أنه كلما اتسعت دوائر المعرفة اتسعت معها دوائر المجهول, وإذا كانت المعلومات الواضحة الصادقة الشفافة تغلق الباب أمام الشائعات بخصوص موضوع معين إلاأنه يبقى موضوعات أخرى غامضة تستوفى حقها بالشائعات.
تأخـذ الشائعة نفس طابـع الدعاية, فهي تهدف الى تزييف الحقائق وتتحرك بالكلمة المنطوقة بين الأفراد, متعمدة بث الشقاق وتوسيع شقة الخلاف بين الخصم وحلفائه في الداخل والخارج, وإجباره على تغيير خططه وبرامجه, وهي دائماً تجد أذناً صاغية وميلاً قوياً لتقبلها كحقيقة ثابتة, رغم أنها قد لا تحمل دليلاً على صحتها وتتغيّر تفاصيلها من فرد لآخر. والشائعة كالدعاية تماماً, تشكل خطورة على واقع المدنيين والعسكريين على السواء, لأنها تبعث في النفس والروح دفعاً جديداً يحدد نشاط الأفـراد نمـواً صاعداً أو ضموراً, والشائعة عادةً تسري في ضعفاء النفوس والأعصاب كسريان النار في الهشيم.
وتعتـبر الشائعة من الوسائل الأساسية للضغط التي تسبق مرحلة إعلان الحرب بين جيشين, إذ يرى فيها طرفا النزاع خير وسيط لإحباط خصمه ومحاصرته ليصبح عاجزاً عن التقدم وفي حالة خضوع تام. وأكثر, تتدخل الشائعة تدخلاً مباشراً في توجيه دفة سياسة الدولة, وتسدد طعناتها الى صميم المؤسسات من دون إستثناء. ومما لا شك فيه, أن الهدف الأساسي من الشائعة, هو هدف شخصي, نفعي وآني, ودائـماً يكون لمصلحة فريـق أو طبـقة معيـنة. ويرى “شارلز أتندال” أن الشائعـة تستـخدم كستار لإخفـاء حقيـقـة معينة وتكوين صورة بعيدة كل البعد عن الواقـع, ومن أهدافها, وضع الخـصم في حالـة نفسـية متدنية, والتأثير على نمـط العلاقات وتعكير الأجواء الى درجة مخيفة.. وأيضـاً, السيطـرة علـى قدرات الخصـم لتسـديد الضـربة القاضيـة في اللحظـة الحاسمـة.
كما تتعمد الشائعة ترويج الأخبار التي تشيع الرعب في نفوس المقاتلين وتعزز فيهم حالة التشاؤم, طمعاً من مروّجيها بمنع الخصم من تنفيذ خططه العسكرية وتحقيق الطموحات المقررة قيادياً.
الشائعة والتاريخ Rumors and History
لا يستطيع الانسان ان يتخيل مجتمعا منذ بدء الخليقة يخلو من الشائعات ، فهذه كغيرها من احاديث الانسان ظاهرة اجتماعية لازمة . والواقع ان في التاريخ البشرية امثلة واضحة تبين ان الشائعة وجدت على الارض مع الانسان ، بل انها عاشت وتبلورت وترعرعت في احضان كل حضارة وثقافة ، وكثيرا ما يحدث ان يظل موضوع شائعة معينة كانما هو غير قابل للاستنفاد ، وان كان ياخذ اشكالا متنوعة في اوقات مختلفة ، بل قد يحدث ان يتبلور احد هذه الاشكال ليصبح اسطورة لا تموت . ان الشائعات المختلفة سواء كانت قصيرة العمر او طويلة ، معادية او مدمرة تعتبر من اخطر الاسلحة الفتاكة للمجتمعات البشرية . ويمكن ان نشبهها بسم الخنجر السام الذي يطعن الابرياء من الخلف مستغلا احط صفات الانسان من جبن ونذالة ، وغالبا ما يعصف هذا السلاح بكيان مجتمع او اصول حضارة . لقد اقلقت الشائعات الحكام منذ فجر التاريخ بدرجة جعلت بعضهم يتجسس على رعاياه بموظفين متخصصين ينقلون اليهم ما يهمس به الناس من الشائعات ، وكانت قصص كل يوم تعتبر ” بارومـتـرا ” للشعور العام . وعند الضرورة كان هؤلاء الموظفون يقومون بترويج الشائعات المضادة ، ومعنى هذا ان الحرب النفسية ليست شيئا جديدا.
ولقد اشار القرأن الكريم الى كثير من الشائعات التي روجها ضعاف النفوس والمغرضون من اليهود والكفار
1 – وفي قصة مريم حينما انجبت عيسى من غير أب نشر اليهود حولها شائعات تمس الشرف وتشكك في المسيح . لقد كان الابن رمزا للمعجزة الالهية . تكلم في المهد ، وابرأ الاكمه والابرص : واحيا الموتى بأذن الله ، وكان نبيا ورسولا الى بني اسرائيل يعلمهم الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل .
2 – وفي قصة امرأة العزيز ومن منازلتها لفتاها يوسف حينما راودته عن نفسه صورة اخرى من اثر الشائعات على الابرياء ولقد اراد الله سبحانه وتعالى ان يعصم نبي المستقبل في مصر من اقاويل السوء والشائعات التي حاول المغرضون الصاقها به فهيأ له دخول السجن بضع سنين حتى يقضي على الشائعات التي حوله وهومنها برئ.
3 – ولقد ارسلت الشائعة سقراط الى موته بتهمة انه كان يفسد اخلاق الشبان في اثينا ويدفعهم الى التمرد والعصيان وقامت الحروب في القرون الوسطى نتيجة للمغالاة في رواية قصص المعجزات والجرائم والاسلاب . وبعد ذلك بقليل بدأ المكتشفون ينتشرون في الارض بحثا عن كنوز الاساطير وعن اكسير الشباب ، او لالقاء نظرة على الوحوش البحار التي نسمع عنها في الشائعات ، ومهدت احوال الكنيسة البابوية وحياة رجال الدين الخاصة الطريق لظهور قصص لاتنتهي ساعد بعضها على التمهيد لحركة الاصلاح الديني .
لانطلق أشاعه من فراغ بل
The Rumors Will Not Launched From Void, but: –
اولاً :- قبل إطلاقها يتم قياس اتجاهات الراى العام في الشارع ( حيث انه سريع التغير والتبدل من مرحله لأخرى ومن وقت لآخر ) وبناءا على هذا القياس يتم تنظيم الشائعة الواجب نشرها في كل مرحله لتغيير الاتجاهات وتحويلها أو تبديلها من حب شيء الى كراهيته أو العكس ، وقد تستخدم أيضا في تدعيم الاتجاهات الموجودة أصلا أو لتحيدها .
ثانياً :- بناءاً على قياس اتجاهات الراى العام يتم صياغة منطوق الاشاعه وطرح عده مضامين متنوعة ومتعددة يتم انتقاء واحده أو اثنان أو أكثر حسب ما تقرره لجنه استشارية.
ثالثاً :- يتم توزيعها على الموزعين الذين يقومون بنشرها و يتم تحديد الوسائل التي سيتم بها انتشارها هل عن طريق العملاء المجندون الذين ينتشرون على المقاهي أو سائقي التاكسي أو الحلاقين والكوافير و موزعي المياه الغازية والسجائر ، وقد تستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الموبيل والانتر نت والقنوات الفضائية ، كما تعتبر الجرائد الصفراء المحلية من اكبر الوسائل التي تشارك بكل قوه بكل مالها من تأثير ونفوذ لتدعيم الإشاعات وتحولها وكأنها حقيقة فعليه بديهية غير قابله لاى جدل أو نقاش ، كما أن هناك وسائل أخرى متعددة لنشر الاشاعه ( مثل قاده الراى الطبيعيين في المؤسسات الدينية والانديه الرياضية والمؤسسات الحكومية………الخ).
رابعاً :- يتم قياس أولي لمدى تصديق الناس لها ( مدى قوتها في التاثير عليهم) ومدى سرعة انتشارها بينهم
خامساً :- بناءا على هذا القياس الأولي يتم الاستمرار في نشر الاشاعه أو تقويمها أو تعديلها – والاشاعه قد تكون على مستوى ( البشر أو المكان أو الزمان ) أو على مستوى فردي أو على مستوى الاسره أو على مستوى الجماعه أو المحافظة أو الدولة أو الإقليم آو العالم كله ، وقد تكون أشاعه ثابتة أو متطورة تنمو ببطء أو بسرعه وقد تتحور وتتحول وتتبدل ، وقد لا يمكن السيطرة عليها في بعض الأحيان لأضافه إضافات عليها متعددة من المقتنعين بها والمروجين لها كما يتم تحديد الوقت المناسب لبثها ، و الفترة الزمنية الملائمة لإطلاقها و التي قد تكون بين أشاعه وأخرى تليها ، سادساً :- كما يتم قياس الاشاعه وتحديد درجه قوتها من مقدار تأثر الجمهور المستهدف بها ، ودرجه تعلقها في ذهنهم ودرجه تذكرهم لها وقياس رد الفعل الانطباعي والسلوكي نحوها اي :-
1 – هناك شائعات قصيرة المدى الزمني في تاثيرها = إشاعات سريعة الزوال
2 – وأخرى متوسطه المدى= بطيئة الزوال
3 – وثالثه طويلة المدى = لا تزول مع كثره مرور الأيام .
لماذا تنتشر الشائعات ؟
Why are rumors spread?
والان يمكننا ان نتسائل . هل يصدق كل الناس الشائعة وهل يعمل اي فرد على ترديدها ونشرها ؟ الواقع ان الشائعات غالبا ما يرددها ويصدقها اغلب الناس حتى اولئك الذين لا يصدقون ما يحكيه غيرهم ، فعادة ما تخرج الشائعة بطابع التشويق ، لان الذين يعملون على خلقها وترويجها يبذلون اقصى جهدهم في صياغتها بشكل يحقق رواجها ونشرها مستغلين في ذلك ما يختلج نفوس الناس من خوف وشك وامال واحلام يقظة ونحو ذلك مما لايستطيعون النطق به مباشرة او التعبير عنه علانية .
فلو فرضنا ان موظفاً لا يحب مديرة المباشر لانه يعتقد انه يعامله بقسوة او انه غير عادل ، فان هذا الموظف لن يقوم بعمل مباشر ضد مديره ، ولن يتقدم لمهاجمته ولن يحاول ان يقول له رأيه فيه بصراحة . ولكن لو حدث ان سمع هذاالموظفٍ شائعة بأن المدير الذي يكرهه او يخشاه قد وبخ او عوقب من مسؤولة وان من المحتمل اعفاءه من مسئوليتة ، فأن غالبا ما يقوم بترديد هذه الشائعة دون ان يشعر بالذنب ، فهو يعتبر نفسه غير مسئول عن هذه القصة على اساس انها مجرد كلام يردده الاخرون . على انه من جهة اخرى فان انصاته لهذه الكلمات وفي نقله لها يحقق الرضا النفسي ، فهو يأمل ان تكون الاخبار حقيقة واقعة لانها تمس رغبة تكمن في داخله .
وشبيه بذلك يحدث في مختلف جوانب الحياة في اي مكان يلتقي فيه الناس لمجرد تبادل بعض الكلمات والاحاديث العابرة ، او لمناقشة بعض الامور التي تهمهم . فالعمال اوالجنود مثلا عندما يجتمعون في الاستراحة في فترة الظهيرة يتحدثون كثيرا عن مشكلاتهم او عن الاسلوب غير العادل الذي تسير به الاعمال ، والطوائف المختلفة عندما تجتمع في انديتهم تسري بينهم كثير من الشائعات عن امور تتعلق بمصالحهم ، او عن احداث جارية في المجتمع .
وتجب الاشارة هنا الى انه في بعض الاحوال تروج الشائعات وكأنها حقائق ، ولكن غالبا ما نجد البعض الذي ينشر الشائعة يرددها على انها شائعة فيقول مثلا ” الواقع انني لا اعتقد صحة هذه القصة ، ولكن هذا ما يتحدث عنه الناس في كل المدينة ” .ان مثل هذه الكلمات تعفي الرجل الذي ينقل الشائعة من الشعور بمسئوليته في هذ العمل ، كما ان ذلك يعطيه فرصة لتطوير الشائعة بان يزيد بعض التفاصيل التي تجعل قصته شيقة قابلة للتصديق .
صفات الشائعات
Characteristics of rumors
تتصف الشائعة بالصفات التالية:
1 – أنها رواية شفهية تقدم لغرض التصديق.
2 – إن صدقها غير أكيد، فقد تكون من نسيج الخيال أو تعتمد جزءاً من الحقيقة في بنيتها لخلق كيانها وترويجها.
3 – تحتمل الصدق بغض النظر عما تحمله من حقيقة.
4 – تتوافر لها ظروف الانتقال من شخص لآخر أو لأشخاص عديدين سواء عن طريق الاتصال الشخصي أم أدوات الاتصال الجماهيري.
5 – تكون مقسمة بصفة التناقض، فقد نبدأ على شكل حملات هامسة أو تهب كريح عاصفة عاتية.
6 – قد تمس أحداثاً كالحرب والكوارث وارتفاع الأسعار أو تمس أشخاصاً ذوي مركز.
و هناك شائعات
1 – سهله الاكتشاف حتى من متوسطي الثقافة ويدركون بسهوله أنها مجرد أشاعه .
2 – متوسطه الاكتشاف ولا يتم اكتشافها إلا من طبقه ثقافية معينه .
3 – صعبه الاكتشاف .
4 – مستحيلة الاكتشاف حتى على من هم يتميزون بأنهم على أعلى درجات من العلم والثقافة وحتى ولو كانوا هم اقرب الناس من مصدر الاشاعه .
والاشاعه مثل كره الثلج التي تكبر كلما تدحرجت من فرد لأخر ، فمتى ما انتشرت الاشاعه فانها تنمو وتنتشر بقوه في ظل قله أو ندره المعلومات مستغله الحاجة الغريزية للمعرفة خوفا من المجهول ولذلك يكون :- 1 – وقت الحروب العسكرية ( حيت تكون سريه بعض المعلومات ضرورية لدواعي الأمن العام ) أو الحروب ألاعلاميه آو الاقتصادية. 2 -وقت الأزمات المجتمعية حيث يسود الخوف من المجهول.
قوه انتشار الشائعة تخضع إلى The RUMOR spreading force is subject to
درجه الغموض والجهل بحقائق الأمور ( انعدام المعلومات أو ندرتها او تضاربها آو عدم الثقة في مصدرها آو عدم القدرة على أقناع الجمهوربها كما وكيفا)
درجه أولويتها ودرجه أهميتها لدى الجمهور المستهدف فكلما كانت تتعلق بالصحة كانت أكثر انتشارا وسرعة في السريان ثم ياتى اللعب على أوتار الدين ويليه المشاعر الوطنية
الشائعة تنتشر بقوه عندما لا يكون هناك معلومات كافيه شافيه محدده مقنعه والاشاعه قد تشمل قصص أو نكات أو حكمه ما ثوره أو أخبار ، و قد تكون في السياسة أو الدين أو الاقتصاد أو الفن أو اى مجال من مجالات الحياة التي تشكل اهتمام جوهري وضروري لدى الإنسان ، وكلما مست أوتارا أكثر حساسية في حياه الناس كلما كانت أكثر وأسرع انتشارا
أهداف الشائعات؟
اولاً :- كونها جزءا مهما من اساليب الحرب النفسية اذن فهي تسعى الى تدمير القوى المعنوية وتقنياتها, وبث الشقاق والعداء ( حملات نفسية من التشكيك) والإرهاب وبث الرعب في النفوس ( الهجوم بالإشاعة)
ثانياً :-استخدامها كستار دخان لإخفاء حقيقة, وللحط من شأن مصادر الأنباء, وكطعم بقصد أظهار الحقيقة من جانب آخر.
ثالثاً :-تحطيم وتفتيت معنويات الجبهتين العسكرية والداخلية.
ماهي سمات الشائعات؟
What are the features of rumors?
اولا –
الإيجاز.
وسهولة التذكر.
وسهولة النقل والرواية.
والتناقض.
والأهمية والغموض
ثانيا – القانون الأساسي للشائعة هو “( قدر الإشاعة السارية يتغير تبعا لمدى أهمية الموضوع عند الأشخاص المعنيين وتبعا لمقدار الغموض المتعلق بالمسألة المعنية( والعلاقة بين الأهمية والغموض ليست علاقة أضافه وإنما علاقة تضاعفية) “.
ثالثا – تبدأ الشائعة من إيجاد خبر لا أساس له من الصحة, أو تلفيق خبر فيه أثر من الصحة, أو المبالغة في نقل خبر فيه شيء من الصحة.
رابعا – تزدهر الشائعة على الإخبار, وعندما تكون الإخبار في أقصى وفرتها وحينما يرتاب الأفراد في الإخبار.
خامسا – الشائعة تنفس عن المشاعر المكبوتة, وتشعر راويها بأنه رجل مهم ومتصل ببواطن الأمور.