23 ديسمبر، 2024 1:54 ص

الحرب الناعمة ونتائجها

الحرب الناعمة ونتائجها

تتبلور رؤى ومعتقدات جديدة لدى الافراد نتيجة الضخ والتكرار المتواصل لأفكار مضللة ومجافية للحقيقة فينعكس هذا التأثير المعرفي للأعلام الى واقع سلوكي يتجذر في أعماق الوعي البشري وعلى طريقة غوبلز ومقولته ذائعة الصيت وواسعة الأنتشار والأستخدام هذه الأيام (أكذب أكذب أكذب حتى تصدقك الناس )، هذه العملية تتم بأستخدام وسائل الجذب والأستمالة والتناغم مع حاجات المتلقي لا سيما بعد أن أصبح الوصول أليه سهلاً جداً ومتيسر للجميع من خلال الأنتشار الهائل والمخيف لأجهزة نقل الخبر والمعلومة عبر شبكة الأنترنت بواسطة هواتف نقالة وحواسيب سهلة الحمل والأقتناء والتي ترافق الفرد حتى في سريرنومه ناهيك عن الأجهزة السمعية والمرئية الألكترونية الأخرى .

هذا السيل المتدفق من المعلومات الموجهه تقف وراءه مؤسسات عملاقة تجند مئات الألاف من الأفراد لتحقيق ذلك وفق ستراتيجية طويلة الأمد ومنهاج معد سلفاً حتى غدت هذه الحيوش الألكترونية أكثر تأثيراً من الجيوش التقليدية في ساحات المعارك.

الحرب الناعمة تتعدد فيها المحاور وتتنوع ولكل محور غايات وأهداف مرسومة تعمل عليها فرق متخصصة منها من يعمل على تأجيج الغرائز وأثارة الشهوات لدى شريحة الشباب وهذا الخط يحقق أنتشار سريع وواسع يجعل من الفرد عبداً لغرائزه سهل أنقياده وأغرائه …محور ثاني مختص بعمليات غسل الأدمغة ودس السموم والأفكار المنحرفة والمتشددة محور ثالث يعمل على تسطيح الوعي الاجتماعي من خلال كم هائل من القصص والروايات والافلام والبرامج الهابطة والرخيصة .

كل ذلك يتم بحرفية عالية جداً الى الحد الذي يجعل تاثير الكلمة الواحدة في سياق الخبر أو الموضوع يفضي الى نتائج وغايات مختلفة تماماً عن واقع الحال حتى باتت الحيادية وعدم الأنحياز أمراً صعب التحقيق في عالم الصحافة والأعلام .

أن أمتلاك وسائل أعلام قوية ومؤثرة تشكل ثقلاً أساسياً في معادلة الصراع القائم بين الأطراف السياسية الساعية لمسك زمام الأمور وأدارة السلطة لاسيما أذا أقترنت مع قدرة مالية تدار بها دفة الأمور وكفيلة بشراء الذمم .

ومن الطبيعي مهما كان رأي الغالبية والسواد الأعظم من الشعب فهو مهزوم أمام قوة الطرف الأخر الذي يمتلك مقومات الأنتصار حتى ولو على حساب العدالة والحق وهذا ما جرى سابقاً عبر الحقب الزمنية المتعاقبة التي شهدت أنتصار الأقلية على الأكثرية ولغاية يومنا هذا فالنصر دائماً حليف المال والسلطة والأعلام القوي والمؤثر والأمر لا ينحصر في العراق فحسب بل يمتد الى المحيط العربي والعالمي وخيرمثال على ذلك ما حدث في مصر والنتائج التي أفضت اليها الانتخابات الأخيرة (مع تحفظنا على طبيعة الأحزاب التي حققت الفوز) تم قلب المعادلة لصالح الأقلية القوية . ومثال أخرعلى تراجع الأكثرية عن حقوقها ما حدث في تونس حيث أجبرت الحركة الدينية الفائزة (النهضة ) وأرغمت على قبول مشاركة الأقلية المتحكمة أدارة أمورالدولة وهذا ما يحدث هنا أيضاُ طالما أن الأكثرية لا تملك أدوات تقارع بها أعلام وسطوة المال الموظف لخدمة القضية مقابل تشرذم الرأي وصراع المكاسب الشخصية والحزبية وسرقة المال العام .