17 نوفمبر، 2024 11:26 م
Search
Close this search box.

الحرب اللامتماثلة…كلنا صحافا

الحرب اللامتماثلة…كلنا صحافا

لم لا يصدر حيدر العبادي قانونا يشجع فيه المواطنين و يساعدهم على مغادرة المدن الرئيسية و اتخاذ البراري و ضفاف الانهار مأوى آمنا بدل التكدس في بغداد و غيرها طعما لهمجية الحرب المتصاعدة في العراق فتتعاظم فرص نجاتهم لو حصل الاسوأ و انقلبت الآية ضد الدولة؟

لنكن واقعيين و نعترف ان حماية السكان المدنيين في العراق اليوم فوق قدرات الدولة، صدام عجز عن ذلك في عهد كان فيه الجيش و نظامه مختلفين و اكثر انضباطا، المالكي عجز في حماية الموصل و غيرها و العبادي عجز في حماية الانبار.

دعك من الحشد الشعبي، العشائر، الجيش، الشرطة الاتحادية، المليشيات الايرانية و ما الى ذلك.

داعش ستدخل بغداد حتما عاجلا ام اجلا، انه مخطط دولي سينفذ رغما عن الجميع.

في ليلتها، ستجد المصدات في تخوم بغداد منشغلة بالطيق و الطاق بينما طلائع ارتال داعش تدخل المنطقة الخضراء و الرايات السود خفاقة.

هذا الاسلوب الامريكي الاسرائيلي اصبح منهجا، و ان كنت نسيت كيف يطبق على الارض شاهد على يوتيوب الصحاف يخطب في واد بينما الدبابة الامريكية على مبعدة امتار منه، في واد آخر.

اثنى بوش على الصحاف بعدئذ (و الله العظيم و التسجيل تراه على اليوتيوب) لدوره الثمين في انجاز صفحة سقوط بغداد: ايهام السكان ان الامور مسيطر عليها و لا داعي للخوف – فاطلق سراح الرجل فورا من قبل القوات الامريكية بعد سقوط العاصمة، ربما تكريما له على ما ابداه من مساعدة للمحتل و هو لا يدري، مشوشا يتملكه الوهم من رأسه الى اخمص قدميه.

حيدر العبادي و العراق بمجمله اليوم ليسوا احسن من الصحاف، انهم مشوشون لا يعرفون اين يقفون من المشهد فينخدع السكان ان الامور مسيطر عليها و هم في مأمن من الهلاك.

داعش هي بلاك ووتر سيئة الصيت تراها في المرآة و الحرب التي تخوضها هي حرب من نوع جديد يدعى بالحرب اللامتماثلة، الادهى مما ابتكره الانسان من طرز الحروب اطلاقا على مدى التاريخ.

اللئامة في هذه الحرب هي ان الضحية يتم تشويشها فتترك لا تعرف رأسها من قدميها قبل ساعة الصفر بمسافة.

يقف ألغرب وعيا او باللاوعي بثقله كله و امكاناته العظمى خلف داعش، دعما و ترويجا و اسنادا.

الغرب بحاجة ماسة الى داعش تخفض في حربها من عدد سكان الشرق الاوسط و دوله المصدرة للنفط بالذات الى الربع، و على نحو عاجل من هنا حتى حلول عام 2020.

هذا المنطق مرده نضوب نفوط العالم سهلة الاستخراج على نحو اضطرادي بينما لا يتحمل الاقتصاد العالمي سعراا للبترول اكثر من البلاش. لذا فالحل الذي تقرر هو تقليل عدد السكان المتنافسين على استهلاكه في ارجاء العالم. اول الذين عليهم التوقف عن استهلاك النفط، و لو بالابادة، هي الشعوب الساكنة قرب آباره للميزة التي يؤهلهم لها قربهم من النفط في النمو و الازدهار و ما يجر ذلك من المزيد من استهلاك النفط تصاعديا في خط بياني لا ينتهي.

انظر الى مهجري جسر بزبير، انظر الى من يستهلك في تكريت، بيجي، الموصل او الرمادي نفطا اليوم؟ ما من احد!

هؤلاء، و العراق برمته غدا، و الكويت و السعودية بعدهم على الارجح، لن يتمتعوا في نفط من نفطهم الوطني يضعونه في سياراتهم او كهربائهم او دوائهم حتى نضوب الحقول تماما.

علي حسن المجيد كان عريفا لا اكثر، لكنه صرح يوما تصريحا عجيبا غريبا لم يعرف احد كنهه او سر توقيته حتى ان صدام ذاته لم يقله، وعلى الاغلب كان قد اوحت للرجل بفحواه دوائر المخابرات الرسمية بينما مصدره الاصلي دوائر قرار غربية عليمة – في ان نظام الرئيس صدام سيحكم العراق ولو لم يتبق الا مليونين من السكان.

لم يدر علي حسن المجيد انه ذاته سيكون من بين المبادين، لكن رقم المليونين عددا اقصى لسكان العراق هو بالضبط ما نذهب اليه في معمعة داعش.

لا جدوى ان يركب العبادي طائرته و يذهب لهذه العاصمة او تلك يهدر مليارات العراق على السلاح التقليدي من امريكا و روسيا و غيرها.

داعش هي بالدرجة الاولى اسلوب اكثر مما هي سلاح ناري ضارب.

ان يحشد جيشا امامها باسلوب الحرب العراقية الايرانية او حرب الكويت، هو الانتحار بعينه، بل في احسن الاحوال، سينتهي حال العراق نفسه حال سوريا لا يقف فيها حجر على حجر و شعبها يسكن الخيام في دول الجوار.

ايهام المواطنين ان العراق له جيشا يستطيع وقف داعش هي جريمة، فالعراق ليس له اليوم جيشا.

ايهام المواطنين ان الحشد الشعبي، و هي الفصائل العشوائية سنا و لياقة بدنية و ادراكا تربويا، التي لم يتسن لها التدرب على القتال لاكثر من اسابيع – تستطيع وقف داعش و الغرب بثقله وراء داعش – هو تفاؤل خطر اساسه العبط شبيه بما تملك الصحاف من وهم يوم الغزو الامريكي – و الاصرار عليه يرقى لمستوى الجريمة الكبرى.

إقرأ كتاب فن الحرب، الاطروحة الصينية الخالدة التي يدرسها كل من انخرط في دورات الاركان او حقول قيادة المال او التجارة او السياسة – تفهم بعضا مما الذي يجري في العراق.

من مبادئ فن الحرب ان تعرف نفسك و تعرف عدوك، و العبادي لا يعرف نفسه و من في معيته – انه مخترق، فريقة مخترق، الجيش مخترق، الحكومة مخترقة، الوزارة مخترقة، الحشد الشعبي مخترق، الشرطة الاتحادية مخترقة، سوات مخترقة، العشائر مخترقة و جميعهم للعظم.

بعد نصف قرن من الحروب و تقلب الاحوال، غدا الشعب العراقي اليوم متعبا معوزا محروما يجافيه الرشد و لا يحترم او يثق باحد من قادته سياسيين و عسكريين و دينيين، لذا فانه لن ينبري للتضحية بنفسه ضد داعش، و هذا الوضع هو نتاج الحرب اللامتماثلة بالضبط.

المخطط الدولي الموضوع للشرق الاوسط غايته الرئيسية الابادة و مقياس نجاحه بالنسبة لمنهدس الامم هو عدد المبادين من السكان بغض النظر عن كون هذا و ذاك شيعي، سني او خلافه – و هذه واحدة من اسرار قوة داعش الاولى و هي ما تتفاخر به و يصورها الاعلام على انها المنتصرة فيه.

اشاعة الخراب و القتل سهلة و يمكن انجازها في اسابيع، بينما تحقيق الازدهار هو ما يحتاج لعقود من كد الامم، ثرواتها و جهادها.

لم يفت العبادي كل الوقت بعد فيصحو على حقيقة انه ضائع و ستضيعنا جميعا و العراق كله طبيعة الحرب اللامتماثلة المفروضة علينا.

على العبادي و الشرفاء بالوعي لا بالنوايا حسب، افشال امكانية استغلال دخول داعش لبغداد او كربلاء لاستجرار الجيش الايراني النظامي او الحرس الثوري في احتلال صريح للعراق يتبعه اجتياح سعودي من الجهة الاخرى – الصراع الذي يمكن ان يستغله العالم في تفريغ كل اليورانيوم المنضب و كمياويات و بيولوجيات تجارب المختبرات الغربية المحرمة في اجساد العراقيين وبيئتهم و لا احد يدري.

ان حربا بين ايران و السعودية على ارض العراق ستكون ام النكبات بل و لعلها تتحول الى مواجهة تتساقط فيها القنابل النووية على رؤوسنا لاحقا حيث ستستغرق الحرب عقدين او اكثر.

و لعل من باب اهون الشرين لو ان الشعب العراقي فضل نير داعش الغاشم على الوقوع في براثن هكذا حرب كارثية لن تنتهي إلا بنفاذ اخر قطرة بترول في الشرق الاوسط و موت غالبية سكانه.

نتمنى على الدكتور العبادي تفريغ نفسه ليوم او يومين للتأمل و الخلوة و القراءة يعزف فيها عن الاستماع الى نفس الوجوه من معيته و خطاب الحكومة الدعائي المكرور الذي تجاوزته المرحلة و ينصت الى رؤى مختلفة في كيفية ادارة الصراع و الحرب مع داعش.

رؤى مختلفة تزن الحكمة في مصارحة السكان بحقيقة الامور و طبيعة الحرب الفريدة اللئيمة التي نشهدها و سبل نجاتهم في حال انهيار الدولة، تأمين المتحف العراقي و ايداع موجوداته امانة لدى المتحف البريطاني او اقرانه، بدل سقوطه حطاما بيد داعش، تامين مجمعات سكنية سريعة للاجئين في مناطق العراق قليلة الكثافة السكانية ذات المياه و القدر الادنى من الزراعة يهاجر اليها سكان بغداد، تأمين امدادات الغذاء و الدواء و المحروقات، تأمين نسخ رقمية في مستودعات دولية آمنة للمصارف، ودائع البنوك، المكتبات النفيسة، الاعمال الفنية التاريخية، وثائق دوائر تسجيل العقار، النفوس، المحاكم، المصارف، الوزارات و ما شابهها….

حيدر العبادي مطالب ان يتحلى بذهنية قائد لا يخاف او يستحي التخطيط و تنفيذ قتال تراجعي باجراءات مدنية ذكية شجاعة حتى و داعش لازالت لم تصل الى ابو غريب بعد. روسيا فعلتها مرتين، امام نابليون و من ثم هتلر و نجحت في المرتين ايما نجاح.

نتوسم فيك ان لا تقلبك الحرب اللامتماثلة رادودا او درويشا بل تتمسك برفعة درجتك في العلم، التحليل و التقييم الذكيين و ثاقب البصيرة. الرجاء الاستئناس برأي خبراء في طرز الحرب المتبكرة اللامتماثلة الجديدة التي يسلطها الغرب علينا و كيفية خوضها من غير افواه المستشارين الاجانب في المنطقة الخضراء، و خلاف من يسيئونك النصح من اهل العمولات في الحكومة و الاحزاب يروجون لسلاح سحري تنفق عليه مليارات الدولارات و هو خردة و احلام يقظة في الاقتدار و وضع الشارع في الحضيض بينما تذاكر الطائرات المغادرة مطار بغداد في جيوبهم الملأى بالدولارات الحرام.

اسأل عن المشورة اليقظة النيرة المتبصرة الدارية الملمة و المواكبة لبحوث الغرب و حداثته في كيفية حماية المدنين العزل و تراث و ثروة المجتمع، فالمدنيون، اهلك، برقبتك انت هذه المرة، و نحن برسم الخدمة.

[email protected]

أحدث المقالات