18 ديسمبر، 2024 10:58 م

الحرب القادمة الصين-امريكا حرب الهيمنة على العالم

الحرب القادمة الصين-امريكا حرب الهيمنة على العالم

أن التصعيد الكلامي والعقوبات المتبادلة في ملفات التنافس التجاري بين الصين والولايات المتحدة الامريكية قد بلغ ذروته مع صعود إدارة ترامب ووصوله الى سدة الحكم في البيت الأبيض وقد شهدت علاقات هذين البلدين تحولا سلبيا بعد ان اقتنعت امريكا بما لا يقبل الشك بأن كل السياسات السابق التي بذلتها الدولة الامريكية في التعامل مع الصين لم تعد ناجحه وان الصين قادمة الى القمة لا محال.
اذ ترى امريكا ان لها الحق في الدفاع عن نفسها كبلد قائد للعالم ومن حقها ان تبقى هي الاقتصاد الاول في العالم والقوه العسكرية الاولى في العالم بينما نجد اطراف اخرى كثيرة واعده ان لها الحق في بلوغ القمة وازاحة القوه الاولى عن المنصه وابرزهم الصين طبعا بعد ان بدا على امريكا التعب والترهل بكثرة صراعاتها وعربدتها الدولية وزيادة انفاقها العسكري اللامحدود مما حمل الخزينة الأمريكية المزيد من الديون التي لاطاقة لها بها.
واذا اردنا ان نفهم حقيقة الخلاف الصيني الامريكي لابد ان نعرف ان النظام العالمي كان مبني قبل صعود الصين الاخير على نظام قطبي واحد مهيمن بشكل مطلق اسمه امريكا مدعوم من حلفائها الغربيين بالاضافة الى استراليا وكندا مبني على قوه عسكرية واقتصادية مطلقة.
لقد كانت الولايات المتحدة الامريكية تنتج وحدها 40% من الانتاج العالمي الكلي ومن هنا كانت قوة امريكا المطلقة لكن الشي الجديد في النظام انه بدأ يتصدع وينهار ويتراجع بشكل كبير حتى انخفض الناتج الامريكي الى 20% من الناتج العالمي الكلي او بمعنى اخر انه خسر 50% حجمه الكلي لصالح القوى الصاعدة الجدية الصين وروسيا والبرازيل اضافتا الى جنوب افريقيا.
لقد تضاعف الاقتصاد الصيني عام 2016 بمقدار 15 مرة عما كان علية في نهاية الثمانينات بينما تراجع الاقتصاد الامريكي.
الصين التي حققت معدلات عالية في الانتاج خلال العشرين سنة الاخيرة واصبحت اليوم الاقتصاد الثاني في العالم وهو في صعود مستمر وبات قريبا جدا من الاقتصاد الاول في العالم بل ان الصعود الى قمة الهرم ماهي الا مسألة وقت ومسلم بها، بالاضافة الى ذلك فان الصين اليوم هي اكبر مصدر عالمي وبفارق كبير جدا عن اقرب منافسيها الاخرين بفضل قدرتها الكبيرة على الانتاج.
بينما نجد الطرف الاخر الامريكي قد انفق الكثير من الاموال على حروبه العسكرية في كل ارجاء المعمورة مما جعله الطرف المتسيد والمستبد خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبالتاكيد لابد لهذا الانفاق ان يكون اثر كبيرا في انحدار الاقتصاد الامريكي حتى تحولت الاقتصاد الامريكي في العشرين سنه الاخيرة من البلد المصدر الاول في العالم الى البلد المستورد الاول في العالم.

وتكشف بيانات مكتب الإحصاء الأميركي أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح الصين، إذ بلغت الواردات الأميركية من الصين خلال الربع الأول من العام 2019 نحو 106 مليارات دولار، فيما بلغت قيمة الصادرات الأميركية للصين بحدود 26 مليار دولار.
وبلغت قيمة الواردات الأميركية من الصين نحو 540 مليار دولار في 2018، أي أن الولايات المتحدة تستورد بضائع بما قيمته 1.5 مليار دولار يوميا من الصين، فيما كانت الصادرات الأميركية للصين أكثر من 120 مليار دولار وبنحو بضائع قيمتها 330 مليون دولار سنويا.
الصين التي كانت احد البلدان الفقيرة جدا والتي كان جل همها هو الوصول الى الاكتفاء الذاتي، تحول هذا البلد خلال ال40 سنه فقط الاخيرة الى اكبر قوه اقتصاديه عالمية.
وفي التسعينيات، بلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية وانضمت البلاد إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 مما منح اقتصادها دفعة اضافية وصارت سلعها التجارية تنتشر في في شتى البلدان وفي كل مكان.
ولو عدنا الى الوراء في عام 1978، بلغت قيمة صادرات الصين 10 مليارات دولار فقط، أي أقل من 1 في المئة من حجم التجارة العالمية. وفي عام 1985، بلغت قيمتها 25 مليار دولار، وبعد عقدين فقط ارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى 4,3 تريليون دولار مما جعل الصين أكبر دولة مصدرة للسلع في العالم.
وفي المقابل نرى الاقتصاد الامريكي والذي كان الاقتصاد الأكبر في العالم والمصدر الاول للسلع التجارية ينهار مع مرور الزمن، ليتحول هذا الاقتصاد الى المستورد الاول في العالم.
اليوم تجاوز الدين العام الأمريكي للمرة الأولى على الإطلاق 23 تريليون دولار ما اعتبره الخبراء دليلا على أن البلاد تسير في مسار مالي غير صحيح ويمكن أن يعرض الأمن الاقتصادي للخطر وان هذا الدين العام الذي في ذمه الاقتصاد الامريكي يعود إلى دول عالمية كثيرة، من أهمها الصين التي لها دين عند الحكومة الأمريكي يقدر بنحو 3.2 تريلون دولار.
ومن شأن مستوى الديون هذا أن يتسبب بزيادة تكاليف الاقتراض وأسعار الفائدة، وإثقال الميزانية.
ليس هذا فحسب بل ان الفوائد المادية التي تفرض على الدين العام مكلفة جدا، ورسوم “فوائد” على تأخير السداد، يضاف إلى الدين العام، وقد خصصت الحكومة مبلغ 376 مليار دولار لدفع أسعار الفائدة على الديون، علما بأن عجز الميزانية الأمريكية بلغ 984 مليار دولار في 2019.
ظهور الصين وروسيا وتراجع الاقتصاد الامريكي خلق واقع جديد جعل من الامريكان غير قادرين على اداء مهامهم كما كان في السابق وهذا جعلهم ان يفكروا بالانسحاب من الكثير من المهام التي كانوا يقوموا بها لانهم وببساطة اصبحوا غير قادرين على تحمل هذه التكاليف الباهضه بينما بدات الصين تنظر الى الامور بشكل اخر فهي اليوم تسعى ولاول مرة على بناء قواعد عسكريه خارج حدودها.
هذا هو الواقع الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن لنا أن نتصور كيف سيكون الانهيار قاسيا بحال أعلنت الحكومة الأمريكية عن إفلاسها، ولا أعتقد أن هذا اليوم سيكون ببعيد.
مع كل هذا الانهيار الاقتصادي الا ان الوضع العسكري للولايات الامريكية مازال في القمة
ومما لاشك أن سبب ما أصاب هذه الدولة الأمريكية من انهيار اقتصادي‘ وتمتعها بالقوه العسكرية الاعلى قد جعلها تتصرف وكانها دولة مارقة، ولهذا نرى اليوم امريكا كالوحش الكاسر حروب وعربدته في كل مكان ابتزاز وتهديد وعقوبات هنا وهناك.
ان عدم قدرة امريكا على مواكبة العصر جعل منها دولة تعمل على خلق حروب واضرابات هنا وهناك وفرض اتاوات هنا وهناك.
العربدة التي تمارسها الإدارة الأمريكية في اتجاهات الأرض الأربعة تشير إلى حالة انكسار وانحسار المد الأمريكي في ظل نمو أمم ودول وحضارات قديمة متجددة، فالبلطجة الأمريكية والتهديد بالقوة لم يعد يجدي نفعا بعد ان بدى واضحا ان هناك تغييرا في خارطة التوازن العالمي والعودة الى عالم ذو اقطاب متعدده.
ومع تزايد النفوذ الصيني في العالم وانحدار اقتصادي امريكي تزايدت مؤشرات الاحتكاك بين البلدين‘ ولا احد يستبعد أن تسير الأمور بين الولايات المتحدة والصين نحو الحرب، بل ان حتمية الحرب اليوم هي الاقرب من اي وقت مضى.
وإلى جانب خلافهما التجاري، يتواجه البلدان استراتيجيا بشأن تايوان وطريق الحرير
وبحر الصين الجنوبي اللذين تؤكد الصين سيادتها عليهما بعد ان كانت القوات الامريكية تسرح وتمرح هناك‘ وكذلك مشكلة الاضطرابات في هونغ كونغ يمكن أن تشكل «الشرارة» لهذه الحرب.
عندما حذر وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر من أن النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة يمكن أن يتحول إلى حرب فعلية بين البلدين العملاقين الواقعين على المحيط الهادي‘ لم ياتي هذا الكلام من فراغ بل ان كيسنجر يعي ما يقول ويعرف ما يدور.
العلاقة الأمريكية-الصينية تحولت من تنافس ناعم إلى شرس ومواجهة جديدة لم نعهدها من قبل وازداد التوتر بين البلدين ولم يعد هذا الخلاف هو مجرد خلاف تجاري‘ بل تطور الى ماهو ابعد من ذلك.
لكن هناك من يرى من الصعوبة في إمكانية وقوع حرب عالمية جديدة، وماهو نوع هذه الحرب، هل تبقى كما هي تجاريه أم أم تكنولوجي ام ستتحول الى حرب عسكريه.. وهل ستكون محدودة ام شاملة ؟
فلم تعد المسافة بين البلدين حاجزاً شاسعاً كما كان سابقاً‘ فبضغط أزرار على الكمبيوتر يمكن البدء بحرب وسيكون كل شي قريب وبمتناول اسلحتهم التكنلوجيه المتقدمة.

انتـــهـــى