كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنذاك في العهود السابقة تحت حكم نظام إستبدادي وطاغية ودكتاتوري، يمارس أبشع الجرائم ضد الإنسانية وقمع الحريات وتحركاتها، مدعوما من الولايات المتحدة الإميركية، تحت سلطة الشاه محمد رضا بهلوي، ويعرف إن إيران هي إمبراطورية الفرس وحضارة كبيرة وعريقة، وكان فيها نشوء الدولة الصفوية التي دعت للمذهب الجعفري، وإقامته والتثقيف لمعتقداته والعمل على نشره والتوعية له، حيث قامت الدولة الصفوية ببناء وإعادة إعمار جميع الأضرحة والمقدسات التي يعتقد بها المذهب الجعفري، وبدءت الدولة الصفوية بالنشوء والإنتشار ودعم المذهب الجعفري، حتى جعلت من إيران حكما ودستورا إسلاميا يقام فيها حتى الأن، وجعلت نظام الدولة الرسمي إسلاميا جعفريا.
وعند مجيء الشاه بهلوي وولده محمد رضا، بدءت علامات الغرب واضحة في التغيير بنظام الدولة الإيرانية، وصار يعمل بدكتاتورية وإستبداد، حتى كان يؤمر على الجميع ممن في الدولة أن يقبل في الصباح الباكر يد زوجته، ومن يتخاذل عن ذلك يقتص منه بعقوبة تصل للإعدام، وعمل على تقليص الحوزات العلمية في قم المقدسة، ونفي كثير من العلماء وأساتذة الحوزة العلمية إلى خارج إيران، وعمل على إصدار قوانين وتشريعات ضمن القانون والدستور تنص على محاربة الحجاب وخاصة في الجامعات والكليات، وكان مدعوما من حكام الخليج والولايات المتحدة الإميركية وإسرائيل، وأمر أن لا يرتدي العمامة الدينية غير المجتهدين وممن حصلوا على لقب آية الله حصرا، وكان من ضمن دستور الدولة أن لا يعدم المجتهد مهما كانت الأسباب والمسببات.
كان السيد الامام الخميني ممن يؤمن بولاية الفقية المطلقة، مما أدى إلى سجنه والحكم عليه بالإعدام لولا أن شهد له بالإجتهاد وهو في السجن، فتم أنذاك الإفراج عنه ونفي إلى تركيا ثم إلى العراق، حيث ينص الدستور الإيراني بواحدة من فقراته عن عدم جواز إعدام الفقيه المجتهد تحت أي سببا كان، وممن سعوا بذلك في طليعتهم السيد الراحل آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي والسيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي،
بعد نفيه إلى تركيا التي لم يقيم فيها طوالا، رجع الإمام الخميني إلى العراق، وسكن في النجف الأشرف في شارع الرسول، وإلى الآن منزله موجود كما هو عليه، ويزار من قبل المحبين والموالين له، وقد زرته مرات عديدة.
بدء الإمام الخميني في النجف الأشرف بالتدريس في الحوزة العلمية في الفقة والأصول، وأعد وقتا خاصا لشرح نظرية ولاية الفقية التي يؤمن بها، حتى صار محاربا من قبل بعض مشايخ وأساتذة الحوزة العلمية النجفية، وذلك خشية من إنتشار ولاية الفقية التي يدعو إليها وكسب الشارع والناس إليه، فواجه بعض الضغوطات عليه من قبل علماء النجف الأشرف، مما تعرقلت حياته العملية ونهضته وحركته الفكرية التي كان بوده أن يحققها، ولم ينصره أحدا من حوزة النجف الأشرف وأيد نظريته في ولاية الفقية التي يعتقد بها غير السيد محمد باقر الصدر، الذي قال فيه:
ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام.
وصارت الضغوطات تزداد على السيد الإمام الخميني، وصار يعاني معاناة شديدة من علماء النجف الأشرف حتى قال من بعد معاناتهم:
“لست أدري أي ذنب أرتكبته حتى أبتليت في آخر عمري بالنجف ، كلما خطوت خطوة واجهت معارضة وكسراً من عدة من مشايخ النجف ، أننا في النجف مبتلون بأناس يعتقدون أن بريطانيا وأمريكا ملجأ الأسلام وحماه وأنه اذا زالت هاتان القدرتان فالاسلام سيزول”
حتى أختار أخيرا النفي إلى فرنسا في مدينة نوفل لوشاتو عبر تركيا، وباتت محاربته في النجف الأشرف من المعممين نفسهم، بظنهم إنه أخذ مكانهم وكسب الناس إليه وصارت له الشعبية والشهرة بين الناس، حتى قال حينما رحل من النجف إلى فرنسا:
إنَّ الضربات التي تلقيتها من مدعيِّ القداسة والمعممين -الذين يرتدون الزي الديني- السُذّج، كانت أشد وقعاً عليَّ مما تلقيته من أميركا وإسرائيل..
بدءت ملامح إعلان الثورة تقترب منه لتغيير الحكم في الجمهورية الإسلامية، وبمساعدة الشهيدين مرتضى مطهري وعلي شريعتي عمل على إصدار خطابات وتوجيهات للشعب الإيراني عبر الكاسيت من منفاه في نوفل لوشاتو، مما أدى بالإطاحة كاملة بنظام الشاه بهلوي، ثم أتى فنزل في طهران على متن طائرة خاصة، في حينها هرب الشاه إلى الولايات المتحدة الإميركية، فدخل الإمام أولا إلى مقبرة الشهداء “جنة الزهراء” وأعلن منها إنتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 1979، المصادف في 22 بهمن، وقال بينما هو في المقبرة:
أنا سأشكل الحكومة… أنا سأشكل الحكومة..
فدعا لعمل دستور وقوانين وأنظمة تقوم عليها حكومة الجمهورية الإسلامية، وعدم العمل بالقوانين العرفية والفوضى، وأشترط أن ينتخب الشعب نفسه الحكومة التي يرغب بها، في حينها رشح ابو الحسن بني صدر نفسه لتسنم زمام الحكم، وكان السيد الإمام يعلم جيدا إن بني صدر هو فاسد وفاسق وعميل، ولم يعترض على ترشيحه، حيث كان يؤمن بالحرية والديمقراطية، والشعب هو من يختار الأنسب وما يوافقه ويرغبه، ولم يعترض على قرار ورأي الشعب وأن كانت هناك خلافات شخصية، في حينها فاز بني صدر في الإنتخابات التشريعية، وبدءت واضحة الملامح عليه بالسعي لتحقيق مآرب وطموح الغرب والخليج بعد إسقاط نظام الشاه، فقال الإمام الخميني في حينها مخاطبا الشعب:
لا تلوموا إلا أنفسكم، فأنتم من جئتم به فأنتم من يذهب به، فأنتم مصدر السلطات.
وخرجوا عليه الشعب مظاهرات في جميع أرجاء البلاد، وتمت الإطاحة به، مما دعي لإجراء إنتخابات مبكرة في البلاد، وشكل الإمام مجلس صياغة الدستور ومجلس الخبراء ومجمع تشخيص مصلحة النظام وأختيار ولي الفقية، وتعيين شروطه،
كان الإمام يتمتع بمميزات خاصة عن غيره، جعلته ينتصر وهن:
1- لا سمح لحواشي حوله.
2- لا سمح لشعارات له لذاته.
3- لا سمح لواحد من أولاده أن يتتدخل في شؤونه.
وكتب شارون في مذكراته: كان هناك ثلاث شخصيات يشكلون خطرا على إسرائيل وهم: محمد باقر الصدر و موسى الصدر والخميني، وقضينا بالقذافي على الصدر موسى وبصدام على الصدر باقر، وفلت الخميني من أيدينا، وعوض عنهما بخطرا أكثر من خطرهم الذي كان متوقع منهما.
فصاروا كل من إميركا وإسرائيل والخليج يبحثون عن سبل للإطاحة بنظام الخميني، مما توجهوا بإقناع صدام بشن حرب مع إيران وبدعم 135 دولة، وساهمت كل من إميركا وإسرائيل والسعودية بدعم صدام إيان الحرب بجميع الضروريات والمستلزمات التي كانوا يحتملون بها إسقاط نظام الخميني في إيران، وأستغل صدام ذلك الدعم والتأييد، وكتب الملك السعودي فهد بن عبدالعزيز في مذكراته: إن المملكة قدمت 3 مليون تريلون دولار لصدام في الحرب ضد إيران، وذلك بضرب عصفورين بحجر واحد “شيعة بشيعة”، وكانوا الجنود الشيعة من الجيش العراقي مجبورين ومكرهين على القتال، بعدما كتب السيد الخوئي فتواه التي دعا فيها الشيعة من الجيش العراقي بتسليم أنفسهم للجيش الإيراني، وأفتى أنذاك الإمام الخميني للجيش الإيراني بأسرى جنود الجيش العراقي وعدم قتلهم، وبدءت قوة صدام تتوغل نحو إيران، فصار الإمام الخميني متخوفا على حكم الجمهورية الإسلامية من الإطاحة وتغيير النظام، وذلك من خلال الدعم الدولي الذي قدم لصدام وتلقاه أنذاك من عدة دول بما فيهم السعودية وإميركا، فأعلن الإمام الخميني بضرورة الدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية وعدم تحقيق مصالح الغرب والخليج بواسطة الإداة صدام، ومن مصالحهم التي كانت في نواياهم هي القضاء على شيعة البلدين وإسقاط نظام الخميني، فأستند الإمام الخميني لقوله تعالى:
((وأن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما فأن بغت إحداهم على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين))
فوجه الإمام الخميني أنذاك القوات الإيرانية المسلحة على ضرورة قتال الفئة والطائفة المؤمنة التي بغت، حفاظا على نظام الدولة القائم، وعدم تحقيق مصالح ومآرب الغرب الذين يسعون إلى تحقيقها بواسطة صدام، بعدما أصر صدام على إستمرارية الحرب وعدم توقفها، حتى أستسلام الإمام الخميني.
فلو سكت الإمام الخميني ولم يحرك ساكنا، لسقط نظام الدولة في إيران أنذاك، وتحققت مصالح الغرب والخليج، وأخذ ثأر إسقاط الشاه بهلوي بواسطة الإداة صدام، وبعدما أصبحوا أميركا والخليج بيأس من الإطاحة بنظام الخميني، أقترحت الجزائر بمعاهدة سلام سلمية، لوقف الحرب وإطلاق النار بين البلدين، مع إعمار ما خلفته الحرب من خراب ودمار في البلدين.
في حينها أفتى السيدين الخوئي والخميني بإعتبار القتلى من البلدين شهداء، لكون الطرف الأول العراقي مكره على القتال والحرب وكذلك دفاعا عن أرضهم وبلدهم، والطرف الثاني الإيراني لكونهم دافعوا عن أرضهم ونظام دولتهم من الإطاحة التي أرادتها وخططت ودبرت من قبل دول الخليج والغرب، والمؤامرة السياسية التي أفتعلت عليهم من أميركا والخليج.
وهكذا أطيح بنظام الشاه بهلوي وبدءت الثورة الإسلامية وأنتصرت وبدءت الحرب العراقية – الإيرانية وأنتهت بتبادل الأسرى بين البلدين الشقيقين وصارت المودة مدهشة بينهما.