السّلاح الفتاك اليوم قد لا يكون قنبلةً أو صاروخًا عابرًا للقارات أو سلاحًا نوويًا، كما نعتقد. ففيروس كورونا اليوم أشد فتكًا ورعبًا من أيِّ سلاح تقليدي مدمر، حيثُ تسبب بتوقف الحياة في مدن كاملة، وقتل الألاف، وأصاب مثلهم من البشر، ونشر الرّعب في كل مكان، وحوّل مدن كانت مكتضة في السابق إلى مدن أشباح، وبات النّاس يهربون من كلّ شخص ذي عينين ضيقتين؛ خوفًا من أن يكون صينيًا ناقلًا للفيروس المستجدّ القاتل. إن فوبيا العيون الضيقة(الصينية) بسبب كورونا أصبح يوازي الإسلاموفوبيا!
أن تحمل هذا الفيروس في جسدك وتصبح شبه منبوذ في العالم، لهو شعور محبط وقاتل ومؤلم. إنّه حمل ثقيل جدًا، قد يقتلك نفسيًا قبل أن يقتلك جسديًا، فيعطل وظائف جسمك، ثم توارى الثّرى. هذه الصورة المرعبة تشبه كثيرًا أفلام الزّومبي، التي تركز على الأمراض المعديّة، التي تنتقل بسهولة من شخص لآخر من دون رادع، ونتيجة لانتشار هذه الفيروسات يموت الملايين من البشر، قبل إيجاد علاج لها. فيروس صغير لا يُرى بالعين المجرّدة أدخل كوكب الأرض في حالة طوارئ. وتكاد الأرض كلها تدخل الحجر الصحي، وهذا يبرهن لنا أنّ العلم البشري مهما تقدم وتتطور فهو ضعيف جدًا أمام أسرار وعظمة الكون وخالقه.
إنّ وحش كورونا، بفضل العولمة الحديثة، اخترق حدود الدول بسلاسة، و وصل إلى بابنا، ولم يطرق الباب، بل اقتحمه اقتحامًا، فما علينا إلا أن نواجهه بالوقاية، فهي خير من العلاج غير المتوفر حتى اللحظة . ولأن كورونا كالموت لا يستثني أحدًا، ولا يستأذن بشرًا أو حيوانًا، فقد انتقل من ووهان الصينية إلى معظم دول العالم . إنّه يخترق حدود الدول عنوة، فهو لا يحتاج إلى جواز سفر أو فيزة للدخول إلى هذه الدولة أو تلك ، وبدون إيجاد مصل مضاد لهذا الفيروس؛ فإنه لن يتوقف عن التوسع، وقضم مزيد من الأجساد البريئة وغير البريئة.
ولو استمرَّ اِنتشار فيروس كورونا بهذه الوتيرة المتسارعة، واحتلّ أراض واسعة، وتسبب بإغلاق الحدود والمطارات، وإيقاف الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والدينية؛ فإنه لن يسبب كارثة صحيّة عالميّة وحسب، بل سيسبب أزمة اقتصاديّة خانقة أيضًا، وهنا ستبرز أهمِّيَّة وقيمة الاكتفاء الذاتي الذي تتميز به بعض الحكومات أو الدول، وتفتقر إليه دول أخرى، تحديدا تلك التي تعتمد على الاقتصاد الرّيعي. و بعد الاجراءات الوقائية الصارمة التي اتخذتها معظم دول العالم لمنع تفشي وباء كورونا في مجتمعاتها؛ فإنّ ملايين العمّال والموظفين سيفقدون وظائفهم بسبب تلك الاجراءات. لا شك أن حقوق هؤلاء ستكون محفوظة في الدول المتقدمة المحترمة، وسيتم تعويضهم بشكل وآخر. لكنهم سيعانون الأمرين في الدول المتخلفة الفوضوية !
لقد أحدث فيروس كورونا ثقوبًا في إطارات عصر السرعة، وأجبره على التوقف في مكانه إلى حين صيانة إطاراته. إنّ البشرية تخوض اليوم حربًا شرسة ضد هذا الفيروس، ويمكننا القول إنها الحرب العالمية الثالثة الفعلية، لكن بدون أسلحة نارية. والانتصار سيكون من نصيب الأذكى. إنّ الخسائر البشرية والاقتصادية في هذه الحرب، حتى هذه اللحظة، لا تقل عن الخسائر التي وقعت في الحرب العالمية الأولى والثانية.
إنّنا حينما ننظر إلى تعامل الدولة الصينية مع أزمة فيروس كورونا، نشعر أن الحكومة الصينية والشعب كانا مستعدين لمثل هذا الخطر. فالحكومة تعرف واجباتها، والشعب يعرف دوره في هذه الأزمة. لا تشعر بقرارات ارتجالية فوضوية كما هو الحال في معظم دول الشرق الأوسط و أوربا. وهذا يدل على أنّها في قمّة الانضباط والتنظيم والاستعداد لأيّ طارئ؛ لهذا نرى أن نسبة الوفيات في الصين التي هي بؤرة الفيروس قليلة جدا مقارنة بإيطاليا وإيران. ليس عيبًا أن تأخذ الحكومات الأخرى الأقل خبرة المشورة من الصين؛ لتقليل الخسائر البشرية في مجتمعاتها. ويمكن نقل التجربة الصينية في مواجهة هذا الفيروس إلى دول العالم أجمع، لقد أظهرت الصين حنكة عظيمة في هذه المعركة التي اقتربت من الانتصار فيها.
إن الانتصار في هذه الحرب يتطلب تضامن وتكاتف وتعاون دول العالم مع بعضها بعضًا ، ورمي الخلافات والجشع والتنافس السياسي والاقتصادي والعلمي جانبًا، والتفرغ إلى هذا القاتل الذي لا ينام، ولا يكل، ولا يمل من إزهاق الأرواح، وتعطيل الحياة البشرية بالكامل. إنّه يشكل خطرًا وجوديًا على الجنس البشري. فهل تركن البشرية إلى العقل والمنطق في مواجهة هذه الجائحة، وتتعلم بعد ذلك من هذا الدرس القاسي، وتحترام قوانين الطبيعة؟ لا ريب أنّ العالم بعد كورونا لن يكون مثلما كان قبله.