22 ديسمبر، 2024 9:28 م

لم تعد الحرب تحمل معنى محددا , و لم تعد تتوقف تسميتها عند المنظور المتعارف عليه , فالحرب مثل كل الاشياء باتت عرضة للتطور و التغيير و التنوع  ,و ترفض الجمود و الثبات في ظل المتغيرات العديدة التي تحصل في العالم , حتى ان نهاياتها ظلت مفتوحة على عوامل التقدم الفكري و التكنولوجي بما يجبر القائمين عليها على البحث عن ابعاد جديدة تنسجم مع حركة المجتمعات التي لا تحتمل الركود او الركون .
و من خلال نظرة سطحية على تجارب التأريخ نجد ان البلاد تخوض في العادة حربا واحدة , و تجيش كل طاقاتها و تحشد قدراتها العسكرية و تعد اقتصادها و اموالها , و تستنفر قواها الاجتماعية لمواجهة تلك الحرب , لكن نادرا ما نجد بلدا واحدا يخوض غمار حروب متعددة في آن واحد .
و عادة ما تخوض البلاد حروبا معلنة , اي انها تعرف تماما اسبابها و ذرائعها , و من هي الجهة التي تقاتلها , و ما هي المواقف المحيطة بها , بمعنى وجود صورة كاملة الصفاء لا تلبدها اية غيوم او شكوك , بما يفضي الى مشهد جلي يصنع رؤية واضحة , و لكن قلما سمعنا عن بلد يخوض حروبا خفية و هو النوع الثاني من الحروب و الذي يتجسد بأفتقاد الرؤية او العمى احيانا في تشخيص العدو , عندها تتحول المعركة الى مقاتلة اشباح و مجهولين , و هذا يعد من اصعب انواع المواجهات .
و امام هذه التوصيفات فأن العراق اليوم يحسب من البلدان القليلة جدا التي تتعامل مع هذين النوعين من الحروب  في وقت واحد, الاول يتمثل في مقاتلة عدو معروف بنواياه الشريرة و نزعته التوسعية هو تنظيم (داعش) الارهابي التي استعدت الحكومة  لتوفير كل مستلزمات و مقومات مواجهته من عدد و عدة و اقتصاد و من منظومة اجتماعية , و بالتالي امكانية تحديد من هو العدو و من هو الصديق , الا ان الصورة الحقيقة ما عادت متكاملة الابعاد , بحيث تلاشت القدرة على تشخيص اطراف النزاع بعد ان تداخلت الخنادق و ارتبكت المواقف و الاتجاهات .
هذا جانب معروف و محدد في العراق , اما الجانب الاخر الاكثر قسوة و تدميرا فهو الحرب الخفية و الذي توقفت الحكومة عند نقاط محددة لم تستطع تجاوزها على الاكل في هذه المرحلة نظرا لأتساع اطراف هذه الحرب , و كبر حجمها و تغلغلها في اغلب مفاصل الدولة , مما يجعل عملية الاستعداد للأجهاز عليها و مقاومتها امرا في غاية الصعوبة لأن الحروب الخفية تحتاج الى معالجات خاصة و لا يمكن مواجهتها بنفس الادوات التي يمكن بها مواجهة الحروب المعلنة و التقليدية .
و ربما استطيع ايجاز اذرع الحرب الخفية و التي تتمثل بالطائفية , الامن و الفساد الاداري و المالي , التدخلات الخارجية , الخدمات و البطالة , تدني اسعار النفط , النازحين , بؤر النفوذ , نظرية التوازن الاداري , كلها حروب خفية تفرخ اخرى اشد سطوة على حاضر العراق و مستقبله .