لا شك في أن دول الخليج تعيش حالة من التوتر والترقب الممزوج بالخوف حول ما آلت أليه الأمور والأحداث التي عصفت بالمنطقة وهي تمر بأشرس التحديات على الاطلاق منذ أن نشأت تلك الدويلات وفق سايكس بيكو القديم عام 1916 ، في وقت تتراكم فيه مخاوف تلك الدويلات بسبب تنامي قوة إيران وتمددها في المنطقة ، بل تصل تلك المخاوف حتى من أيديولوجيتها المبنية على أسس ثورية ونظامها السياسي الأكثر رصانة من حيث بناؤه المؤسساتي فضلا عن إتفاقها النووي الاخير مع دول الغرب. إذ سعت إيران ولا تزال لبسط نفوذهافي المنطقة بشكل يبعث حتما ًعلى قلق خليجي متزايد ، فها هي تدعم وتقوي نظام بشار الاسد في سوريا وتدعم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والمعارضة في البحرين مع دعم واضح للنظام السياسي والتجربة العراقية منذ عام 2003 يصل الى حد التدخل في صناعة القرار العراقي أحيانا بما يتوافق ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة . وكما هو معروف للجميع فأن دول الخليج تتمحور كلها حول النظام في السعودية وتدور في فلكه فالسعودية هي الدولة الخليجية الأقوى عسكرياً والأكبر مساحة والأكثر عددا ً من حيث السكان فهي اليوم تخوض مواجهات على أكثر من جبهة، خاصة منذ تولي الملك سلمان الحكم وتسخر قدراتها للدفاع عن وجودها أمنياً خصوصا بعد أن أصبح وضع المنطقة الأمني هشا ً ، ما حدا بباقي دول الخليج الى أن تصطف ورائها دون أي تردد مؤكدة للجميع إن أمن دول مجلس التعاون الخليجي هو أمن مشترك وعلى كل أعضاءه التخندق في المعسكر السعودي حفاظاً على مستقبل تلك الكيانات .
فدول الخليج اليوم تواجه أكثر من تهديد ، إيران من جهة، ثم تنظيم «داعش» الجاذب لشريحة واسعة من الشباب السعودي والذي يستند على أرضية دينية فاسدة تتشابه في الكثير من أبعادها مع ذات الأرضية الرسمية الدينية في المملكة السعودية ، وتزايد التوتر الطائفي مع الشيعة في دول الخليج والذي هو في جانب منه يعد إنعكاساً للصراع السعودي الإيراني وفي جانب آخر منه هو نتاج لضعف آليات العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان في سياسات الدولة إزاء شريحة معينة من المجتمع فالتهميش والتمييز الطائفي كان ولازال للاسف ثقافة عامة في الواقع الخليجي . وفي ظل كل التحديات التي أسلفت فأن نظام آل سعود يسعى جاهدا وبإصرار لا يخلو من عناد وغباء الى السعي بأتجاه تغيير موازين القوى في المنطقة وإيقاف المد الإيراني (الشيعي) فها هو تحالفها الدولي الذي أخذ بعدا أعلاميا كبيرا في حينه لم ينجح في تحقيق أدنى أهدافه التي رسُمت له ولم يعي رجالات البلاط السعودي إن اليمن لم تكن سوى مستنقعا لهم لتشغيل شركات السلاح الغربية وسط ركود اقتصادي هائل وازمة مالية دولية ضربت السوق العالمية فضلا عن انهيار أسعار البترول.كما تقف اليوم في خندق واحد مع تركيا لبناء جبهة عريضة في مواجهة التمدد الايراني ولايمكن أن نجد تسمية لذلك الخندق سوى إنه خندق طائفي قبالة كيان عقائدي شيعي يتمثل بإيران. كما أنها نسيت إن سعيها لإعادة التوازن الإستراتيجي للمنطقة على ما كان عليه قبل ثورات الربيع
العربي سعي محفوف بالتحديات الداخلية والإقليمية والدولية ولم يأخذ بعين الإعتبار حجم التغيير الذي وقع في العالم العربي وما أصاب شعوب المنطقة من إنفلات وتمزق غيرَت الكثير من المفاهيم والانطباعات المآلوفة عن طبيعة هذا المجتمع أو ذاك. إن الحرب الباردة بين إيران والسعودية ليست إلا إنعكاسا ً للوضع الراهن الذي تعيشه دول المنطقة وتجسيدا عمليا ً للإختلاف المذهبي بين الطرفين ، ولو كانت هناك أدنى درجات من الحكمة والعقل الرشيد لدى القيادة السعودية لعملت بجد ومثابرة وبروح الحوار البنَاء على إزالة كل ما من شأنه إشعال فتيل تلك المواجهة التي ستكون ساخنة جداً بكل تأكيد ومحسومة النتائج بلا شك وسط مطالب شعبية خليجية تسعى للتغيير وبناء مجتمعات ونظم سياسية أكثر انفتاحاً وتوازناً ، مع المطالبة بحريات أوسع وضمانات العيش الكريم وان الجميع مواطنون من الدرجة الاولى ، وهذا العامل سيكون أحد أسباب عدم المقدرة على مواجهة إيران. لقد نسي آل سعود إن إيران اليوم ليست هي إيران الأمس ، بل عجز النظام السعودي حتى على فتح حوار مع إيران لتدارك المشاكل العالقة بين الطرفين وظلت العقلية السعودية للاسف مستندة في سياساتها على أسس طائفية فقط دون النظر الى باقي المصالح والمشتركات التي قد تنجم عن ربيع دائم يعم أجواء العلاقات بين الطرفين لو تجردت عن نزعتها الطائفية وأدركت أن إيران جارة مسلمة و باقية وأن الجغرافيا لن تتغير،وان الشيعة باقون ولن يختفوا من الوجود السياسي وان السنة باقون أيضا ولن يخرجوا من أية معادلة سياسية ، وأن هذا الصراع لن يقود إلا الى المساومات حول حقوق الشيعة والسنة كمواطنين في هذا المكان أو ذاك. وان يدركوا إن ما يهم المواطن الشيعي والسني على حد سواء هو العيش بكرامة في أحضان وطن يرفل بالعز لأبناءه كافة دون تمييز ويغدق عليهم بالخير والعطاء والأمن والأمان أينما كانوا في ظل حضور قوي لدولة القانون والمؤسسات الفاعلة ،عندها سيشعر السني والشيعي من أنهما في حضن وطن واحد يتسع للجميع .