19 ديسمبر، 2024 12:19 ص

الحرب الاهلية القادمة

الحرب الاهلية القادمة

بداية اتمنى ان مخطئاً في ما سأقول ولكنه هاجس يراودني منذ مدة وارتأيت ان اشارككم اياه عسى ان نضع حلول لمشاكل عويصة قادمة ونستبق الاحداث بخطوة بدل ان نكون متأخرين في التحليل والرد عشرات الخطوات كالعادة. يعلم الجميع ان العراق اليوم ومنذ 2003 يعاني ما لم يعانيه اي بلد في العصر الحديث فمن احتلال الى عمليات انتقامية الى ارهاب وقاعدة وداعش الى مؤامرات اقليمية ودولية الى سياسيين فاسدين وغير مؤهلين لمناصب حصلوا عليها بجهل الشعب وتمسكوا بها بقوانين وضعوها لتبقيهم في السلطة اطول مدة ممكنة الى مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية لا عد لها. ولكن ما برز الى السطح حديثاً والذي اعتقد انه سيكون محرك الاحداث في المستقبل القريب هو ظاهرة الالحاد والرفض لكل ما يمت الى الدين بصلة والتي انتشرت بين شبابنا بشكل كبير في الاونة الاخيرة.
اما كيف ظهرت هذه الامور في مجتمع يعتز بتدينه واسلاميته فالاسباب كثيرة اولها الانفتاح على العالم الخارجي والبدء بأعتناق مباديء حرية التفكير والتعبير حيث لم يعد الدين الموروث يلبي طموح الكثيرين اضافة الى كون الكثير من هؤلاء الملحدين هربوا من الدين بسبب المتدينين انفسهم ومن يدعون تمثيل الدين من رجال دين لا يفقهون شيئاً الى احزاب اسلامية شوهت الاسلام وتطبيقه كما لم يفعل اعدى اعدائه على مر التاريخ فولدت اجيال من العراقيين الذين يرون ان الدين هو لطم وبكاء واحزاب فاسدة من جهة وقتل واغتصاب وسبي نساء واجرام من جهة اخرى وبدلاً من البحث عن الحقيقة (لأنها معقدة وتحتاج الكثير من التنقيب والبحث للعثور عليها اليوم تحت ركام افساد هؤلاء وهؤلاء) اتجه الكثيرون الى اقصر الطرق وبعملية تفكير مستندة الى ما يوردونه في ادناه:
“اذا كان الاسلام قد جعل اتباعه يقتل احدهم الاخر ويسب ويلعن احدهم الاخر بل وجعل الكثير من اتباعه كالوحوش التي تقتل كل من لا يتفق معهم فهو ليس بدين يستحق اعتناقه كمنهج للحياة. واذا كان الاسلام قد اوصل معتنقيه الى اسفل سافلين في كل نواحي الحياة المادية والمعنوية والاخلاقية والاقتصادية (لأنهم ينضرون الى العراق فقط والحديث عن العراق بشكل خاص) والذي يتربع اليوم على عرش الفساد العالمي ونسبة القتل والتهجير والتفجير التي سبب كل منها يرتبط بشكل مباشر او غير مباشر بالاسلام فهكذا دين لا يستحق بذل الحياة من اجله لأنه لا يبني حياة ولا انسان ولا بلد مستقر”
ما ورد اعلاه يمثل مختصر مفيد لما يعتقده الكثيرون اليوم للأسف بسبب خلل منطقي صغير وهو انهم ربطوا الدين بتصرفات اتباعه وبدل ان يبحثوا عن حقيقته اتجه الكثيرون بعيداً عنه لأنهم تعبوا من كثرة الضوضاء والصياح والكوارث التي تحصل من قبل اتباع هذا الدين فقط لأن كل جماعة منهم تدعي انها الحق المطلق والبقية كلهم خطأ.
ولكن ما المشكلة؟ فالكثير من بلدان العالم الاخرى مرت بمراحل الحاد وتدين متعاقبة وهو ديدن الحياة منذ الازل؟
الجواب ان اغلب الدول الاخرى التي مرت بمراحل كالتي نمر بها الان كانت تمتلك الى حد كبير حرية في التعبير وتقبلاً للرأي الاخر ولذا سواء الحد الملحدون او تدينوا او اعتنقوا اي دين فلا ضير في ذلك فحرية التعبير والتفكير مكفولة للجميع ولا احد يخاف على نفسه وماله واهله ان اعلن انه لم يعد يدين بدين ابائه واجداده ولكن كل ذلك غير متاح في العراق على الاقل للفترة الحالية والفترة القادمة طبعاً.
لذا فأني اخاف من السيناريو التالي:
بعد ان تنتهي الحرب مع داعش وتعود الامر الى “طبيعتها” علماً انها لم تكن طبيعية يوماً في العراق ولكن على ايه حال ان عادت الامور الى سابق عهدها فستبدأ الناس بالبحث عن مشكلة جديدة يقضون وقتهم فيها واخوف ما اخاف ان تكون قضية الالحاد والايمان هي ما سيقع عليه الاختيار كوسيلة لألهاء الناس عن المطالبة بحقوقهم في بناء دولة كريمة تحترم الانسان وترعى مصالحه وفي وقتها ستقوم احزاب السلطة ومن خلال عصاباتها بعمليات ممنهجة لتطبيق “احكام الاسلام” بحق “المرتدين” فمن المعروف ان التارك للأسلام يعتبر مرتد وعندها ستبدأ فوضى من نوع اخر حيث ستكون “الردة” تهمة جاهزة لكل من لا يرغب اصحاب النفوذ بسماع صوته وستستخدم لأسكات وارهاب وارعاب كل من تسول له نفسه المطالبة بشيء حتى وان كان ما يقوله لا يمت الى الدين بصلة وهذا لعمري متوقع جداً وسهل جداً تطبيقه من قبل مجرمين محترفين رأينا خلال
اكثر من 13 سنة كيف نجحوا في الهاء الشعب وتدجينه ليرضى بأي شيء في حين سرقوا البلد وخيراته وبنوا القصور وارصدوا المليارات في حساباتهم البنكية حول العالم.
ولكن ما الذي يمكن عمله لوقف فوضى محتملة كهذه؟
بداية خطابي الى الاباء والامهات ليمارسوا دورهم في خلق القدوة الحسنة لأبنائهم لأيقاف تسرب الشباب والنشيء الجديد وهروبهم من الدين لأنعدام القدوة الصالحة فالله تعالى قد اوصانا بالاهل والعوائل خيراً والكل يعرف ان وظيفة الاباء والامهات لا تقتصر على توفير الطعام والشراب واللباس ودفع اجور الدراسة والتعليم خصوصاً في عصر الانترنت والمعلوماتية حيث تتنوع مصادر المعرفة ويجب تحصين الاطفال والشباب بقدر الامكان قبل تركهم في غابة الافكار الشرقية والغربية في عالم اليوم فالله تعالى يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ). وهذا سيخلق الى حد كبير حائط ردع وصد لأنتشار الافكار الالحادية بين الشباب وعسى ان يساهم في تقليل المشكلة او الحد منها ولو قليلاً.
خطابي الاخر الى رجال الدين في ان يقوموا بدورهم في ابراز صورة الاسلام الحقيقية البعيدة عن روح القتل والاغتصاب والافساد والسرقة. تلك الصورة التي جعلت الملايين من سكان الارض تدخل الاسلام طواعية هرباً من قسوة وظلم الانظمة الاخرى في وقتها. تلك الصورة التي ضاعت اليوم بين غال وقال وبين متعصب يشوه الاسلام ومنحل يدعي الاسلام وتصرفاته لا تمت للأسلام بصلة. كذلك من واجب رجال الدين ان يوضحوا للناس ان حرية التعبير عن الرأي والمعتقد يجب ان تكون مكفولة للجميع وان لا احد يمتلك كتاباً من الله يأمره بقتل فلان وعلان وان الناس احرار في اعمالهم وافكارهم ما دامت لا تؤذي الاخرين فالله تعالى يقول (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) والا فالحديث عن احكام الردة والالحاد بفقه القرون الوسطى سيخلق فوضى اكبر بكثير مما نشهده الان فالله الله في الاسلام وصورته وفي خلق الله وحرمتهم وفي البلد واستقراره.
خطابي الاخير الى المثقفين ودعاة وناشطي المجتمع المدني ان لا يصبوا الزيت فوق النار ويستغلوا كل فشل من قبل احزاب السلطة ويلصقوه بالاسلام وان لا يستغلوا قلة حصانة النشيء الجديد ويبثوا فيهم افكارهم بلا وعي لعواقب هكذا افكار فالجميع يعلم ان للكلمات والافكار تاريخ وجغرافيا فرب كلمة سببت ثورة ونهضة في بلد ما ولكنها قد تخلق فوضى وفساد في بلد اخر او في زمان اخر فأختيار الخطاب المناسب في الوقت المناسب من اهم مسؤوليات المثقفين اليوم والذي يمكن ان يساهموا في العبور بالمجتمع الى ضفة الامان وقد يفعلون العكس بالانحدار الى حروب جانبية بينهم وبين المؤسسات الدينية واحزاب السلطة تشعل البلد وتعطل اي فرصة لأستقراره ونهوضه.
مرة اخرى، اتمنى ان اكون مخطأ وان تكون كل مخاوفي مبالغ فيها وان الامور افضل بكثير مما اتصور واتمنى ان ينعم بلدنا بالامن والامان والاستقرار بعد هذه القرون العجاف والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.