18 ديسمبر، 2024 8:35 م

الحرب الاقتصادية التي يقودها ترامب ضد الجميع

الحرب الاقتصادية التي يقودها ترامب ضد الجميع

منذ تنصيب ترامب رئيسًا وهو يضع نصب عينيه تفريغ الكيانات الاقتصادية والسياسية في العالم من مضمونها خاصة تلك التي تتمتع بشيء من الاستقلالية عن القرار الأمريكي، فكانت السياسة العدائية التي تبناها ترامب هي المنهج والعقيدة التي تشكل ملامح السياسة الخارجية لواشنطن خلال العام الأخير. يسعى ترامب الذي حوّل موقع تويتر إلى وسيلة تواصل دبلوماسي إلى إجبار إيران على الخضوع لأمريكا كما هو الحال بالنسبة إلى كوريا الجنوبية، والهدف الرئيس من ذلك هو إجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي الذي تخلّت عنه واشنطن في سنة 2015 واستمر في ظل إدارة بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا.

كذلك تحركت الحكومة الإيرانية في اتجاه تسويق صادراتها النفطية، والتعويل على شركاء دوليين لها كـ«تركيا» والتي أعلنت استمرار استيراد النفط الإيراني، إضافة إلى روسيا، والتي تجري معها مشاورات لضمان استمرار وصول صادراتها للأسواق، بموجب اتفاق يقضي بتزويد إيران بالسلع مقابل النفط، على غرار صفقة مماثلة لم يتم تنفيذها بين الطرفين بقيمة 20 مليار دولار في عام 2014، كذلك حزمة استثمارات روسية قد تصل إلى 50 مليار دولار في قطاع النفط والغاز، مع السماح للشركات الخاصة الإيرانية بتصدير النفط الخام من خلال البورصة السلعية في طهران. إن كل الاحتمالات واردة، والضغوط ستستمر وخيار اللجوء إلى الحرب أو التصعيد الميداني وارد من قبل الطرفين (أمريكا أو إيران). التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الامريكية وكوريا الشمالية حول البرنامج النووي للاخيرة قد اثرت على قرار ترامب هذا ، حيث ان الرئيس الامريكي لم يستطع فعل شئ تجاه البرنامج النووي لكوريا الشمالية . وبالتالي فانه ربما لن يستطع فعل شئ تجاه ايران في حال نقضه للاتفاق النووي معها . . كما ان المانيا وفرنسا وبريطانيا اوضحوا ان الاتفاق النووي مع ايران يحقق مصالحهم الحيوية وانهم لايعتزمون الغاءه . كما اعلنت كل من روسيا والصين مواقف متشابهة من هذا الاتفاق . وبذلك اصبح ترامب في موقف صعب للبت في هذا الاتفاق . . وقد احاله الى الكونغرس للنظر في مدى التزام ايران ببنوده ، وعندئذ يقرر مدى الاستمرار بالعقوبات على ايران من عدمه .

على الصعيد السياسي الدولي الخاص بالولايات المتحدة، سيعزل السلوك الامريكي تجاه الحليف التركي، واشنطن دولياً، لعدة اعتبارات أهمها أن واشنطن وتحديداً في عهد الإدارة الحالية، قامت بإستخدام المواجهة مع عدة دول كروسيا والصين وحلف الناتو وألمانيا و.. لأسباب سياسية داخلية خاصة بهذه الدول، ما خلق أزمة ثقة أضرَّت بالعلاقة بين أمريكا وحلفائها.

إذاً، ينتقد الكثيرون اليوم، سياسات الرئيس التركي التي يرونها غير واقعية. رفع أسعار الفائدة، والسياسات الجديدة للبنك المركزي، وتراجع الثقة بالنظام القضائي، مشكلات راكمها النظام الحالي على الصعيد الداخلي. فشل الرهان على الحرب السورية، وضع السياسة الخارجية التركية في خطر. تأتي الحرب الإقتصادية الأمريكية اليوم، لترفع من مستوى الأزمة التي يعيشها النظام الحالي. يرى البعض أنها أزمة قد تتغلب عليها المصالح المشستركة بين الطرفين حيث قد يشفع الموقع الجيوسياسي والجيوعسكري لأنقرة. في حين يتشاءم آخرون، في ظل إدارة أمريكية يحكمها دونالد ترامب، صاحب القرارات الدولية المجنونة.

وكانت واشنطن قد أعلنت مضاعفة الرسوم الجمركية على أنقرة، بعدما رفضت تركيا تسليم القس الأمريكي أندرو برانسون المحتجز لديها منذ عامين. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده سوف تقاطع المنتجات الإلكترونية الأمريكية. وفي هذا الشأن فرضت تركيا زيادات كبيرة على الجمارك المفروضة على الواردات الأمريكية بما فيها السيارات والمشروبات الكحولية والتبغ. ووفق مرسوم صادر عن الرئيس التركي رجب طيب أردغان، تقرر زيادة الجمارك على السيارات إلى 120 في المئة، والمشروبات الكحولية إلى 140 في المئة والتبغ الخام إلى 60 في المئة. وساعدت هذه الزيادة في انتعاش الليرة، العملة التركية، حيث استعادت 3 في المئة من قيمتها. إذن، نحن أمام مقاربات جديدة في مواجهة الحرب الاقتصادية الأمريكية على تركيا وإيران. وبدلا من أن تقوم كل دولة بمواجهة هذه الحرب لوحدها، فإن الخيار الوحيد البحث عن مشروع تكاملي وتحويل المنطقة المشرقية، والتي تضم تركيا وإيران وسوريا والعراق والأردن، إلى منطقة اقتصادية مفتوحة ومشتركة، والعمل لإعادة ترتيب العلاقات مع مصر ودول المغرب العربي، إضافة للتواصل مع دول الخليج المستعدة لكي تدعم هذا المشروع.. وبموازة ذلك، يتم تعزيز التعاون مع القوى الدولية التي تعارض السياسات الأمريكية الترامبية، سواء في أوروبا أو الصين أو روسيا أو باكستان، وتعزيز مشروع دول البريكيس اقتصاديا وسياسيا، وكل ذلك يساهم في بلورة محور دولي – إقليمي جديد، يستطيع أن يضع حدا للسياسات الترامبية القاتلة، والتي تهدف ليس فقط لتركيع تركيا وإيران، بل لإخضاع العالم مجددا للهيمنة الأمريكية.

فمنذ نهاية الحرب الباردة راجت أطروحات عديدة بشأن تراجع الأهمية الإستراتيجية لتركيا، خاصة من المنظور الغربي، وذلك عطفًا على انتهاء التهديد الشيوعي وعدم الحاجة لسياسة”سد المنافذ” التي وفرت لها دورًا مهما طيلة الحرب الباردة. بيد أن التاريخ أثبت لاحقًا عدم صحة هذه الأطروحات، فعلى سبيل المثال كانت هناك فرص اقتصادية جديدة، وأهداف مشتركة لتركيا في قطاع الطاقة، خاصة في منطقة آسيا الوسطى، تلك التي خضعت لسيادة الاتحاد السوفييتي، إلا أن تركيا لم تستغل هذه الفرص، وذلك على الرغم من أنها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي قد مرت بأزمات اقتصادية وسياسية، فقد استمرت في تعاونها مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبعد عام 2000م بدأت تركيا تتعافى من مشكلاتها السياسية والاقتصادية وبدأت في تحديد مصالحها وفقًا لمصالحها. وقد سعت الدولة التركية في ظل حكومة العدالة والتنمية إلى تأطير علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقًا من المصالح المشتركة بينهما، وليس كدولة “متعهدة تقديم خدمات” لها، لذلك برزت تصدعات في السياسة الخارجية أخذت في الظهور بين الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” والرئيس” باراك أوباما” وتركيا في عهد حكومة العدالة والتنمية”؛ حيث كان لكل منهما وجهات نظر مختلفة بشأن النهج الأمثل في حل المشكلات والقضايا الإقليمية.

لكن من الصعوبة بمكان أن تقدم الولايات المتحدة الامريكية على معالجة خلافاتها مع تركيا على ذلك النحو. لأنها لا تزال تحتاج إلىها، ولا تقتصر هذه الحاجة على حل مشكلات الشرق الأوسط، بل تتعدى ذلك إلى إدراكها الدور التركي في مناطق أخرى وقضايا أخرى كآسيا الوسطى، والقوقاز، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب. هذه الأهمية الإستراتيجية لتركيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تعود لثلاثة أسباب رئيسة؛ الأول: يكمن في موقعها الجيوبوليتيكي المتميز الواقع وسط القارات الثلاث: ( أوروبا وآسيا وأفريقيا)، والذي يربط تركيا بالعديد من المناطق التي تقع صلب المصالح الأمريكية فيها ، فتركيا ترتبط بمناطق الشرق الأوسط، والبلقان، والقوقاز، والبحر الأسود، وآسيا الوسطى، بروابط اقتصادية وثقافية وتاريخية. إلى جانب تحكمها في الممرات البحرية في البوسفور والدردنيل، وكونها معبرًا لخطوط النفط والغاز من آسيا الوسطى، وبحر قزوين إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.