الحرب الإسرائيلية الايرانية.. اليد الطولي فيها لمن ؟!

الحرب الإسرائيلية الايرانية.. اليد الطولي فيها لمن ؟!

من المعروف هناك عدة عوامل تساعد بتحقيق النصر في الحروب، ومنها مساحة الارض وطبيعتها , القوة البشرية , القوة العسكرية ، القوة الاقتصادية ، التكنولوجيا المتقدمة، التحالفات الاستراتيجية ، المطاولة والقدرة على التكيف (الصبر وتحمل الالم).. سنعرض باقتضاب بعض هذه العوامل ولنرى الارجحية لمن فيها بالنسبة للحرب الدائرة بين ايران واسرائيل ؟!

يبلغ عدد نفوس ايران 88.6 مليون نسمه وهو ما يعادلاكثر من 9 اضعاف لتعداد سكان إسرائيل 9.757  مليون نسمه , منهم 10 ملايين عربي .

ان تفوق ايران بعدد السكان بالسنبة لإسرائيل يعطيها ميزة نسبية ، فطبيعي جدا ان خسائر الحرب يقل اثرها في المجتمع الكبير ويزداد الاثر في المجتمع القليل , فمثلا في الحرب  مع العراق 1980 1988 كان القادة الايرانيون يدفعون 10- 20 ألف مقاتل ضد موقع صغير فيه  100 جندي عراقي أو أقل ، ولا أحد يكترث لإبادة تلك الاعداد سواء احتلت الهدف العراقي او لم تحتله, فهل تستطيع إسرائيل ان تضحي بهذا العدد ؟ وهل يمكن ان تعمل اسرائيل على وفق هذه النظرية؟

اما مساحة ايران الكلية فهي 1,648,195 كم²، بالمقابل مساحة إسرائيل 21.145 كم²، أي أن مساحة ايران تساوي تقريبا 77 ضعفاً مساحة إسرائيل , ومن المعلوم ان المساحة الكبيرة تجعل العدو ليس باستطاعته ان ينال كل الاهداف المحددة , وهذا ما اشر من التجارب السابقة, ففي الحرب العراقية الايرانية  بقيت مدن بعيدة عن مجريات الاحداث , بل قد لا تسمع بها , فلم تطلها القوات البرية العراقية , ولم تقصف من قبل الطائرات الحربية , ولأهمية المساحة الكبيرة للبلد تمناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل بقوله: إن “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها.

ان ايران تمتلك 320 طائرة منها اف 4 واف 14وميزانيتها السنوية للاغراض العسكرية 7.4 ملياردولار , بينما اسرائيل تمتلك 350 طائرة اف 16 واف 35 وميزانيتها السنوية 19 مليار دولار, ويعَد نظامَالقبة الحديدية والسهم بمثابة العمود الفقري للدفاع الجوي فيها والذي اصبح اليوم يشك في قدرته لمواجهة الصواريخ الايرانية , بينما في ايران يعتبر برنامج الصواريخ والمسيرات ، الأضخم والأكثر تنوّعاً في الشرق الأوسط , وان الصواريخُ والمسيرات الطريقةَ الوحيدة التي تعتمدها ايران في حربها ضد اسرائيل في الوقت الحاضر يتخطى أنظمة الدفاع الإسرائيلية، ويسبب أضرارا وخسائر بشرية واسعة النطاق., ووفقا لتقديرات الاستخبارات الأمريكية، تمتلك إيران حوالي 2000 صاروخ باليستي برؤوس حربية قادرة على حمل طن من المتفجرات، ويمكنها الوصول إلى جميع أنحاء إسرائيل , لذا تدرك امريكا واسرائيل معا ان قدرات إيران الصاروخية هو تهديد وجودي لا يقل خطورة عن التهديد النووي.

في الجانب الاقتصادي , إيران تعاني حصارا قاسياوارتفاع البطالة وانخفاض العملة وزيادة التضخم , بالمقابل  الاقتصاد الإسرائيلي يعاني العجز المالي التراكمي حوالي 108 مليار ، وسجل أبطأ وتيرة نمو له منذ أكثر من عقدين , وفشلت اسرائيل سياسيا , فحكومة نتنياهو لم تستطع من نزع سلاح حماس، وفشلت في إعادة الرهائن الأحياء منهم أو ما تبقى من جثث إلى ذويهم.

من حيث التحالفات الدولية , فإسرائيل البنت المدللة لأمريكا واخوالها واعمامها بريطانيا وفرنسا وربما المانيا , ومن المعروف ان امريكا وفية لحلفائها كما حصل مع الكويت فقد اخرجت صدام عنوة منها عام 1991 واسقطت حكمه عام 2003 لكونه غزا الكويت , بينما ايران تعتمد في علاقتها على روسيا والصين , والمعروف عن روسيا بتخليها عن حلفاءها في وقت الازمة , وهذا ما حصل مع صدام والقذافي وبشار الاسد , فرغم أن روسيا زودت ايران بأنظمة دفاع جوي متطورة , لكنها تباطأت موسكو من تسليم اسلحة اخرى , على ما يبدو استجابة للمخاوف الإسرائيلية، وأخرت موسكو تسليم مقاتلات متقدمة من طراز سوخوي-35 التي ترغب بها إيران لتحديث أسطولها المتقادم , وقد وقعت روسيا وإيران معاهدة “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” التي تنص على علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية لم تستفد منها ايران كثيرا.

اليوم نشهد حربا شرسة بين إسرائيل بالطائرات المتقدمة وإيران بالصواريخ المتطورة ،

فكثير من المراقبين يعتقدون أن الهجمات الإسرائيلية ستؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، ما سيساعد موسكو على تحقيق أرباح كبيرة. 

لقد كذبت اسرائيل عندما بررت حربها على ايران بانها على وشك امتلاك السلاح النووي , اذن لماذا هذا التحول الجذري في استراتيجيتها التي انتقلت فيها الى قتل العلماء واساتذة الجامعات والقادة العسكريين؟ اليس الهدف المخفي هو تدمير قدرات إيران العسكرية والنووية بشكل جذري؟ وليس مجرد إبطائها بل امتد العدوان الى التخريب الاقتصادي بقصف منشآت انتاج البترول أو تكريره، وضُرب محطات للطاقة الكهربائية., بل نتنياهو كان هدفه الأوسع يشمل تغيير النظام الايراني كما صرح به اعلاميا , ولكن هذا يثبت غباءه السياسي ,حيث لا يكون هناك زخم شعبي كبيرا في دعم اسقاط النظام رغم وجود معارضة في ايران ، كون أداة التغيير المباشرة إسرائيلية , حيث سيكون هناك رفض مطلق لهذا النوع من ادوات التغيير, وان خيار تغير النظام في ايران لا تدعمه الولايات المتحدة حتى الساعة، بل انها تدعو إيران للعودة الى طاولة المفاوضات باعتماد الدبلوماسية القائمة على القوة .

لقد كان تفكير القادة الإسرائيليون بان يظهروا قوتهم منذ الضربة الاولى ويلحقوا بإيران الخسائر البشرية من القادة العسكرين والعلماء النوويين , لكن قابلهم القادة الايرانيون بنفس طويل وحكيم بحيث ردوا تدريجيا بقوتهم شيئا فشيا وهذا الاسلوب هو الشائع عند الساسة الايرانيون , فقد كان الرد الإيراني المتواصل على اسرائيل المتدرج خلال أيام أدى لخسائر مادية ودمار لم يسبق أن شاهده الاسرائيلي خلال سنوات حروبه وحتى في العقود الثلاثة الأخيرة سواء بإطلاق الصواريخ من لبنان وغزة وغيرها لم تحدث مثل هذا الدمار والهلع , قد تكون ايران تلقت ضربة  قوية من اسرائيل، ولكنها نجحت في الرد بصفعة لا يستهان بها، فمع اقتراب الأهداف التي أمضوا شهورًا في إعدادها، تُعيد القوات الإيرانية تنظيم صفوفها بعد الضربات الأولية، وتصبح الصورة أكثر ديناميكية، لا سيما قد تعلمت الدول الغربية خلال صراعي عامي 1991، و2003 مع العراق أن منصات إطلاق الصواريخ المتنقلة المراوغة قد يصعب التعامل معها , فقد أمطرت ايران إسرائيل ب 370 صاروخاً و100 مسيّرة منذ بدء الحرب.

اليوم إسرائيل تلعب على حافة الهاوية وتحاول خلط الاوراق , بينما إيران ترفض حتى الآن زج المنطقة في أتون الحرب وتحصر المعركة على أراضيها وأراضي إسرائيل، ولم تطلب من أذرعها المساندة في مسعى لعدم توسيع رقعة الحرب لدول الجوار, بينما تحاول إسرائيل زج الولايات المتحدة بهذه الحرب متذرعة بعدم قدرتها على تدمير منشآت إيران النووية لوحدها.

اما من حيث الصبر وتحمل الالم , فالإسرائيليون لم يعتادوا أن يطلب منهم كل ليلة النزول الى الملاجئ أو البقاء قريبا منها. ولم يعتادوا سماع صفارات الانذار تنذرهم بأن موجة صواريخ قادمة من ايران , ولكن الإيرانيين صبورين ولديهم قدرة على تحمل المصاعب وهو ما يعرف بالعناد الفارسي , ويبقى التخوف قائما من منح الولايات المتحدة إسرائيل القنابل والذخيرة اللازمة لاختراق الدروع وتحصينات المفاعلات النووية الإيرانية مثل قنبلة “جي بي يو 28 التي يصل وزنها إلى نحو 6000 رطل، وقنابل بلو 10 التي يزيد وزنها على 2000 رطل

هناك اسئلة تحتاج اجابة ومنها

ماذا لو فشل الهجوم الإسرائيلي؟ وماذا لو كانت المنشآت النووية الإيرانية عميقة للغاية ومحميّة جيدًا؟ وماذا لو لم يتم تدمير 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%وهو الوقود النووي الذي لا يفصله عن درجة التخصيب اللازمة للأسلحة سوى خطوة صغيرة، وهو ما يكفي لصنع نحو عشر قنابل نووية حيث لا تزال هناك شكوك حول مدى فعالية إسرائيل في ضرب البرنامج النووي الإيراني، الذي يدفن جزءًا كبيرًا منه تحت الأرض، وتحتفظ إيران أيضًا بالمواد الانشطارية في مجمع تحت جبل في فوردو وفي خزائن في أصفهان، وقد تظاهرت إسرائيل بنجاح الضربات الأولية ضد موقع تخصيب اليورانيوم الرئيسي في نطنز، لكنها ضربات غير كافية لإجهاض المشروع النووي الإيراني ، فقد ذكر ذكره ايهودا باراك  من أن اسرائيل بإمكانها ضرب المفاعل النووي الايراني بنسبة 20% لكنها من خلال نسبة 80 % يمكنها إعادة تشغيله بطريقة متطورة أكثر.

السؤال الاخر ماذا لو حاولت إيران إغلاق مضيق هرمز، الم يكن شل الحياة الاقتصادية في العالم ؟ من ستحمل هذا ومن يقبل به ؟وماذا لو في الجهة الأخرى من شبه الجزيرة العربية كثّف الحوثيون في اليمن هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر؟ فهم آخر حلفاء إيران من الوكلاء، ولديهم تاريخ من السلوك غير المتوقع والاستعداد لتحمّل مخاطر عالية ..ماذا ستكون النتيجة؟!

ويبقى السؤال المهم الذي يطرحه الجميع في الوقت الحاضر هل تنخرط امريكا عسكرياً في الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟ والجواب من يراجع حقيقة موقف واشنطن يتأكد أنها داعمة لتل أبيب في مجال الاستخبارات والمعلومات، وتطبق في ذلك استراتيجية “القيادة من الخلف” دون أن تكون في صدارة العمليات العسكرية ضد إيران, لكن في حال فشل إسرائيل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ومقتل أمريكيين في ضربات إيرانية، ووجود ضغط من أعضاء الكونغرس؛ فإن ذلك يمكن أن يدفع ترامب إلى الدخول مباشرةً في الحرب لصالح إسرائيل , وبذلك يدخل العالم اجمع في هذه المعادلة المحفوفة بالخطر؛ لأنه في هذا السيناريو قد تتحول الحرب الثنائية بين تل أبيب وطهران إلى حرب إقليمية واسعة؛ بسبب تهديد إيران باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، وهذا خيار لا يريده ترامب.

والسؤال الاخير هل تستطيع اسرائيل تحمل  هذه الاعباء المالية بحيث كل صاروخ اعتراضي لصواريخ ايران يكلف 3 ملايين ونصف المليون دولار

وأنها تطلق صاروخين من نوع آرو مقابل كل صاروخ باليستي إيراني لضمان تدميره، حيث تكلفة الاعتراض تبلغ 7 ملايين دولار لتدمير الصاروخ الواحد,فلا يسبعدأن إسرائيل ستجد نفسها تحت وابل من الصواريخ الباليستية برؤوس حربية يصل وزنها إلى طن دون قدرة دفاعية كافية حيث إسرائيل لا تملك مخزونات كبيرة من الصواريخ الاعتراضية القادرة على مواجهة العدد الكبير من الصواريخ الباليستية التي في مخزون إيران , مع استمرار الحرب، ستشهد إسرائيل دمارا متزايدا للبنية التحتية والمنازل فيها , إضافة إلى ذلك، لن تتمكن إسرائيل من مواصلة الحرب طويلا بسبب شلل النشاط الاقتصادي فيها وانقطاعها عن العالم في مجالات الطيران والتجارة والأعمال، مما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي، سيؤثر سلبا في القدرة على مواصلة تحريك عجلة الحرب جوا وبرا, بالمقابل هذا الواقع ينطبق على ايران اضافة الى انها تعيش ظروف اقتصادية قد تكون اصعب مما تعانيه اسرائيل لانها تحت حصار اقتصادي صارم .

اخيرا الحرب بين ايران واسرائيل مستمرة فان من ينبئبالنتائج هي النتائج نفسها غير المعروفة والمتغيرة كل ساعة وفي كل غارة وصاروخ, لانه لا يمكن لاسرائيل(باعتراف كبار قادتها ومسؤوليها) انهاء البرنامج النووي الايراني بشكل كامل، كما لا يمكن لايران (باعتراف الجميع) ازالة اسرائيل من الوجود. هذا يعني حتمية انتهاء المواجهة بينهما في وقت ما , لذا ستكون هذه الحرب اشبه بحرب اوكرونيا وروسيا يطول مداها ويستفاد منها اقتصاديا امريكا وروسيا وهذا السيناريواالاول ، او حرب واسعة تتدخل فيها امريكا وحلفاءها لصالح اسرائيل من جهة واطراف دولية اخرى تتدخل لصالح ايران من جهة اخرى لينتج شرق اوسط جديد بقيادة إسرائيل أو بدونها وهذا السيناريو الثاني .

د. راجي العوادي

باحث اكاديمي وكاتب مستقل

https : // ORCID.org/0000-0002-0323-7957

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات