22 نوفمبر، 2024 12:19 ص
Search
Close this search box.

الحراك المدني الشعبي في العراق ومفاهيم الاصلاح !!!

الحراك المدني الشعبي في العراق ومفاهيم الاصلاح !!!

تتفق تقريبا أغلب المعاجم العربية والدولية والهيئات المختصة في تحديد الملامح العامة لمفهوم الاصلاح الاجتماعي بما يعنيه أزالة الفساد وتحسين الحياة العامة وتحقيق التقدم والتحديث للبنى السياسية والاقتصادية والاحتماعية والقضاء على الخلل الوظيفي الذي ينشأ فيها جراء استشراء وتمفصل الفساد الذي يضر بعموم الحياة العامة ومفاصلها. كما أن حركة الاصلاح تنشأ انعكاس لاحتياجات عامة الشعب للحياة الطبيعية, وبالتالي فأن الاصلاح مطلب شعبي ولاتفرضه نخبة ما.

“ويلعب الاصلاح السياسي دورا مهما في أزالة الفساد والاستبداد لترسيخ الحكم الصالح, والذي من اهم مظاهره سيادة القانون والشفافية والمشاركة الشعبية الحقيقية في اتخاذ القرار والعدل وفعالية الانجاز وكفاءة الادارة والمحاسبة والمسائلة والرؤية الاستراتيجية, وهو تجديد للحياة السياسية, وتصحيح لمسارتها, ولصيغها الدستورية والقانونية, بما يضمن توافقا عاما للدستور, وسيادة للقانون, وفصلا للسلطات, وتحديدا للعلاقات فيما بيتهما”. كما ورد في قاموس “وبستر” للمصطلحات السياسية ويتبناه برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في البلاد العربية !!!.

لقد قطع العالم المتقدم شوطاً كبيراً في أجندة الإصلاح، وتجاوز عقبات كبيرة وكثيرة في تحقيق طموحاته ورهاناته الملحة، ومع ما يعايش من أزمات دورية ومشاكل مزمنة إلا أنه استطاع تسجيل مكاسب ميدانية هائلة في الأجندة الحداثتيه، ليكون أقدر على الانطلاق والتقدم في المجالات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية والمهنية والاقتصادية، ولولا مساعيه الدائمة للإصلاح لتوقفت عجلة انتاجاته واكتشافاته، وعطائه الفكري في البعد الإنساني، بل أنه يقوم على إخضاع وسائله وآلياته للدراسة والمسائلة والتقويم والبحث، ليقوم على تطويرها وتفعيلها حسب ما يتفق وينسجم مع متطلبات الواقع والحياة والبقاء، إضافة إلى رفدها بالمستجدات اللازمة. فالعقل الانساني الفردي والمجتمعي لا يبدع ولا يصمد أمام الازمات إلا من خلال ممارسة النقد والنقد الذاتي لمساراته المتعددة وعلى مختلف الاصعدة, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ولا يوجد إعفاء من مهمة النقد على مختلف المستويات, ففي النقد والتقويم واعادة البناء يكمن بقاء الحياة صالحة للجميع ومتسلحة بالجديد الايجابي دوما !!!.

في العراق كان يفترض على الحكومات المتعاقبة ما بعد 2003 أن تحمل أجندة تفصيلية لحركة أصلاح شاملة تستهدف في برامجها أعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية ـ الاجتماعية المدمرة والتي ورثتها من النظام الدكتاتوري السابق جراء الحروب الكارثية التي ارتكبها النظام والتي استنزفت موارد البلاد ودمرت بنيته التحتية, ثم الدمار الذي سببه الاحتلال الامريكي. وبحكم طبيعة النظام الجديد الذي كان يفترض أن يكون ديمقراطيا من خلال إضفاء شرعية نسبية عليه بأعتباره

منتخبا ودستوريا, أن تقوم الحكومات بتعبئة كافة الجهود اللازمة وزجها في حركة أصلاح شاملة تستهدف إعادة بناء الحياة من جديد على أسس من العصرنة والتحديث لكل مرافق الحياة والاستجابة لمطالب الناس الملحة !!!.

بعد أكثر من عقد من الزمن أثبتت الحكومات المتعاقبة ذات المسحة الاسلاموية والمحاصصاتية إنها لا تحمل في حقائبها أي مشروع للاصلاح والتنمية والنهضة الحضارية, بل أثبتت العكس إنها حكومات متخصصة في الفساد الاداري والمالي وسرقة المال العام وتفكيك وتدمير ما تبقى من بنية اقتصادية واجتماعية وثقافية, وإفلاسا تاما لخزينة الدولة, وقد حولت العراق الى بيئة صالحة لانتعاش الارهاب والبعث ومفككا من شماله الى جنوبه, كما أسهمت بخلق حالة من ضعف الولاء للوطن يقابلها ولاء أشد للطائفية والقومية والاثنية وللمليشيات المسلحة المنتشرة في العراق كله, مما أضعف عملية بناء اجهزة أمنية ودفاعية وأستخباراتية مهنية ومحايدة, وتركت هذه الحكومات العراق عرضة لمحتلف الوصايا والتدخلات الخارجية ومفتقدا الى السيادة الوطنية الحقيقية والمستقلة !!!.

أن الاسلامويين الذين أتوا للسلطة مستفيدين من زخم كراهية شعبنا للنظام الدكتاتوري السابق ومندفع انفعاليا للخلاص من الفقر والقمع والحروب ومرتميا في احضان الاسلام السياسي من خلال خطاب مموه وكاذب في البحث عن عوامل السعادة والرفاه في عالم وهمي يسهم في ديمومة المعاناة واعادة انتاجها, ادرك شعبنا اليوم من خلال تجربة اثني عشر عاما من الاحباط, إن الاسلامويين لا يمكن أن يكونوا هم الحل, بل هم المشكلة, ولا يمكن للديمقراطية أن تبنى في المجتمع في ظل حضور زائد عن الحاجة لهم, تلك هي تجربة العراق اليوم وتجارب الامم التي سبقتنا !!!.

لقد انطلق الحراك المدني الشعبي منذ نهاية تموز والى اليوم متجسدا في المظاهرات الدورية الاسبوعية وذات الطابع المطلبي والحق القانوني والدستوري, وكانت النشأة الاولى على خلفية استعصاء الخدمات في ميدان الكهرباء والماء والصحة والتعليم وظروف العيش المتردية عموما, ولكن مسار هذا الحراك تبلور لاحقا في حالة من الوعي في فهم أسباب الفقر الحقيقية بفعل تأثير بعض من شرائح الانتلجنسيا العراقية الوطنية, مما ساهم في رفع سقف المطالبة المشروعة من المطالب الانية الى البحث في جذور الازمة ذات الطابع العصي على الحل لأكثر من عقد من الزمن, وبالتالي ساهم في نقل المطالب الانية الى مستوى المطالبة في الاصلاح الشامل للعملية السياسية, في ابعادها الدستورية والقضائية والتنفيذية, والتي تعيد النظر جذريا بالنظام المحاصصاتي الطائفي والاثني !!!.

لقد ساهم هذا الحراك في الوعي العراقي نسبيا الى تبني خطابا وطنيا خرج عن الاطر التقليدية في تصريف الازمات والتي كان الاسلام السياسي فيها الدور الفاعل حيث يعيد انتاج خطابه المعسول وسط الجماهير بمزيدا من الافراط في الطقوس الدينية والعزاءات وتحويل حالة الاستياء العام الى إحساس بالأثم وشعور بالذنب يعقبها مزيدا من القنوط والاحباط, وتحميل الناس مسؤولية ما يحل بهم من مصائب !!!.

أن الارتقاء بوعي الحراك المدني الى مستويات أكثر نضجا تستجيب لمطالب الاصلاح الشامل يستدعي دعما وحضورا مكثفا من مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب والنقابات المختلفة وجماهير شعبنا ذات المصلحة الحقيقية في الاصلاح الشامل للعملية السياسية وضمان قوة دفع لحركة الاصلاح الشامل ومنعها من الارتداد وعدم تحويلها الى حركة انتقائية ترقيعية, ممكن أن يتم التراجع فيها عن أي انجاز قد يتحقق, أو امتصاص نقمة الحراك المدني من خلال الوعود الكاذبة وتسويف مطالبها, كما هي محاولات البرلمان والحكومة والقضاء الآن لايجاد مخرج غير نزيه للازمة العامة في البلاد !!!.

ومن هنا يجري الحدبث المشروع عن توفير بيئة دستورية وقانونية وقضائية وتنفيذية تحمي حركة الاصلاح الشامل في البلاد وفي كافة المجالات, وإلا يبقى الحديث عن الاصلاح ودوافعه ونوايا المصلحين أمر مشكوك فيه كما يحس به شعبنا الآن من خلال الالتفاف على حزم الاصلاح والمماطلة بأتخاذ أي خطوة من شأنها أن تعيد النظر بالنظام الطائفي والاثني البغيض.

ومن هنا تأتي مطالبة شعبنا الواضحة في حراكه الشعبي بتوفير مقومات تلك البيئة والمتمثلة في: الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية, وهذا يعني اجراء تعديلات جوهرية على الدستور, واعادة النظر بقانون الانتخابات, واصدار قانون الاحزاب والذي يمنع تشكيل الاحزاب على أسس دينية وطائفية وقومية, الى جانب تشريع قانون النقابات والاتحادات, وقانون النفط والغاز, وقانون حرية التعبير, وقانون المحكمة الدستورية, وقانون مجلس الاتحاد, واعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهه, واعادة تشكيل مجلس القضاء الاعلى بما يضمن من نزاهته حقا. أن التأسيس لذلك والشروع بالعمل فيه هو الضمانة الاكيدة لمستقبل العراق وحماية مستقبل أبنائه وثرواته ودرء خطر الارهاب. وهي بداية التأسيس لوطن معافى يتعايش فيه الجميع بأختلاف دينه وقوميته وطائفته وجنسه وثقافته, وعندها يكون الدين لله والوطن للجميع !!!.

أحدث المقالات