4 نوفمبر، 2024 9:30 م
Search
Close this search box.

الحراك العربي الاسلامي وغياب الادوار الكبيرة

الحراك العربي الاسلامي وغياب الادوار الكبيرة

لقد ادى تراجع الدور السعودية ومحاصرة الدور الايراني وانحسار الدور المصري الى ارباكات اشبه بالاورام الخبيثة التي اذا ما استفحلت ستطيح بالمنطقة ، فقد كان الدور السعودي على الرغم من تقليديته المفرطه يتمتع بقدر من العقلانية التي تصلح الامور في اللحظة الاخيرة ، خاصة فيما يتعلق بالحساسية البالغة من اي اختراق اسرائيلي ، وهذا ما سلمت بها امريكا نفسها الحليف التقليدي للنظام السعودي ولم تقف عقبة امام التوجه السعودي الذي يقطع الطريق على اسرائيل المترصد لاوضاع المنطقة العربية لكي تنزلق الى غمارها في اللحظة المناسبة ، لكن الربيع العربي الذي افقد نظام الرياض رشده في لحظة من اللحظات ، رسم مسارات سياسية لم تكن ضمن سياق التوجهات السعودية ، ربما يكون الامر متعلقا بضغوط بعض القوى الدينية المؤثرة داخل التركيبة الاجتماعية السعودية ، او بتوازنات اقليمية فرضتها لحظة انفراط عقد المنطقة برمتها امام فصل عربي لا يشبه الربيع بشئ ومن الاجحاف تسميته بالخريف ، فهو فصل خلط الاوراق بين ربيع تتوق له شعوب المنطقة الغارقة في ممارسة الطغيان لما يزيد عن نصف قرن وبين خريف يوجه المنطقة العربية في اتجاه الفوضى الخلاقة ، التي يراد منها ان ترسم المنطقة بطريقة تخرج اسرائيل الرابح الاكبر من هذا الحراك الذي كان وقوده دماء عربية غزيرة .
وقد كانت العلامة الفارقة في هذا المناخ هو بروز قطر كقوة مالية وظفت اقتصادها في اتجاه الربيع الخريفي ، ولا شك ان تحرك قطر ينبئ عن تحرك اسرائيل فهناك الكثير من الشواهد التي تثبت باليقين القاطع قوة العلاقة بين اسرائيل وقطر كالعلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية ، وان من اهم تلك الشواهد منظري هو وجود قناة الجزيرة التي تعتبر بوابة العبريين الاولى الى الاعلام العربي ، فقبل انطلاقة هذه القناة لم تكن هناك قناة عربية تدعي العروبة والاسلام تتجرا على مقابلة المسؤولين الاسرائيلين ونقل وجهة النظر الاسرائيلية الى الشارع العربي بطريقة قد تخلق مناخا للتعاطف مع هذه الدولة المعتدية ، وايضا ببروز تركيا الدولة التي عرفت بعلاقتها الوثيقة مع اسرائيل كدولة داعية الى الربيع العربي في سوريا دون غيرها ، فلا احد يجهل ان تركيا اللاهثة وراء الاتحاد الاوربي تبالغ في كسب وده ورضاه بكل الوسائل ، وان اردوغان الطامح الى زعامة الاخوان المسلمين في المنطقة قد الغى الكثير من التشريعات ذات الصبغة الاسلامية في تركيا ارضاءا للاوربيين لكي تقبل عضوية تركيا في الاتحاد الاوربي من اجل قبولها عضوا فيه بمباركة امريكية ، وان هذه المباركة لا تصطدم باي توجه اسرائيلي بل انها مباركة اسرائيلية ايضا ، فان اسرائيل حريصة على تكريس الهيمنة الامريكية على القرار الاوربي لتتخلص من المعارضة التقليدية لدى قطاع حكومي واوربي للسياسة الاسرائلية ، هي حريصة ايضا على الاجهاز على خط تقليدي ما زال يؤكد على مقاومة المشروع الصهيوني ، وان سوريا من ابرز الذين لم يغادروا هذا الخط بعد ، فالربيع في سوريا هو ربيع اسرائيلي بامتياز ، وارجو ان لا يفهم هذا الكلام على انني مؤيد للنظام في دمشق ، فانا كعراقي اكتويت بنار الدكتاتورية والطغيان طيلة حكم صدام وحزبه اشعر بما يشعر به شقيقي السوري ، واتالم عميقا لمشهد سوريا الحزين الغارق بداء شعبها وتشردهم في دول الشتات لاجئين يسامون كل اشكال القهر ، فانا متعاطف مع كل سوري افقده هذا العنف الاعمى بيته وامنه واستقراره ، متعاطف مع اطفال سوريا الذين ارى فيهم اطفالي مع نساء سوريا ومع شيوخها ، ولن اكون في لحظة من اللحظات مع من يفعل هذا سوا اكان من النظام او المعارضة المسلحة ، ولكن ما انا متخوف منه هو ان يحدث التغيير في سوريا بارادة اسرائلية خفية ، فان التلويح بالحرب الاهلية والصراع الطائفي مشروع صهيوني ، ليس في سوريا فحسب وانما في المنطقة كلها .
قد وقفت السعودية اول الامر مذهولة خائفة من وقع ما يحدث ، فقد تحترق ان هي انخرطت في تاجيج نار الربيع ، وقد تفقد دورها الاقليمي ان هي وقفت على التل ، فايدت هنا وعارضت هناك ، فبدت متخبطة الى ان استفاقت على هول ما يدور حولها من حراك قطري امتد الى الامارات والكويت عندها استعادت توازنها وارسلت بعض رسائل التطمين الى بعض الدول ذات الادوار المهمة
اما ايران المحاصرة التي يزيدها الحصار وحدة وتلاحما فهي الان غارقة بهمها يتمحور نشاطها حول اسباب الخروج مما هي فيه ، وفي اعتقادي ان التهويل الاسرائيلي حول المشروع النووي الايراني والتهديد المستمر بتوجيه ضربة للمفاعل النووي الايراني هو ضغط من اجل تعطيل الدور الايراني كما عطل الدور السعودي لاعطاء الفرصة لقطر التي لا تستطيع ان تنجز دورها بحضور ايران والسعودية
بالنسبة للدور المصري الذي انتظر على انه الدور المحوري لاسباب يعرفها الجميع والذي افرز بعض ملامح محوريته بفتح المعابر مع فلسطين المحتلة والغاء اتفاقية تصدير الغاز المصري الى اسرائيل ، وئد هذا الدور بالسياسات غير الصائبة للاخوان المسلمين الذين ارادوا ان يستحوذوا على السلطة كلها وكانهم بتصرفهم هذا متعطشين فقط الى سلطة اطاحت بهم جيلا بعد جيل فما وصلوا اليها حتى استسخوا ممارسة نظام مبارك بل زادوا عليه عندما اعتبروا معارضيهم فلولا افتى بعض الملتحين بقتلهم ، انا لا اريد ان اسمي هؤلاء الملتحين بالسلفيين ، فالسلف الصالح كانوا حكماء في التعاطي مع الظروف اضافة الى وازع الدين الذي يعصمهم عن الخوض في دماء الناس
غابت الادوار اذاً لا السعودية ولا ايران ولا مصر فسكتت اصوات الكبار ، عندها ارتفع الاصوات الصغيرة ، ولكنها اصوات لا تستطيع ان تعطي النبرات الكبيرة التي يعول عليها في هكذا مخاض ، وعليه لا بد من تضخيمها فبدت اصوات كبيرة لا تشبه اصحابها الصغار ، فهي اشبه بزئير اسد ولكنه يصدر عن قطة
وخلاصة ما اود قوله ، انه لا يمكن ان تستقر المنطقة ويصحح هذا الحراك الذي بدا صحيحا ولكنه دخل في متاهات الا بتوافق سعودي ايراني مصري يكون البداية لاستعادة المنطقة عافيتها ، لينخرط العراق كطرف رابع في هذا التوازن الثلاثي عندها ترجع تركيا عن احلامها العثمانية وتعود قطر الى حجمها الطبيعي ويفاوض الشعب السوري مدعوما بكل الارادات الخيرة لتاسيس دولته المدنية الديمقراطية التي تعانق فيها مآذن المسجد الاموي مآذن مسجد السيدة زينب ، وتكف اسرائيل عن هذا الحلم الكابوس ــــ فهو حلمها وكابوسنا ـــــــ فهي لا يمكن ان تقبل في المنطقة بشروطها العنصرية العدوانية ، وهي شروط لا تنفك عنها لانها تمثل جوهرها الصهيوني .

أحدث المقالات