23 ديسمبر، 2024 12:39 ص

الحراك الشعبي وبوصلة الاصلاحات الجذرية 1

الحراك الشعبي وبوصلة الاصلاحات الجذرية 1

الجزء الاول
خرج العراقيون الى ساحات التظاهر والاحتجاج والاعتصام لتغير اوضاعهم الانسانية والاجتماعية والمعاشية واصلاح مشهدهم الوطني المضطرب، وانتزاع حقوقهم من اجل حياة حرة كريمة وبكل الطرق التي كفلها لهم الدستور، مطالبين جميع القادة والمعنيين بادارة العملية السياسية واصحاب القرار بضرورة العمل وفق مشروع اصلاح منهجي علمي مدروس متكامل للنظام السياسي وادارة الدولة عبر اتفاق جميع هؤلاء القادة والسياسيين لمراجعة (بشجاعة وموضوعية عملية) سلوكياتهم ومسيرتهم وقراراتهم التي اوصلت الحال في العراق الى ماهي عليه الان، وتشخيص اخطائهم والاعتراف بها لانصاف العراقيين بالاستجابة لتحقيق مطالبهم المشروعة التي اصبحت لا تقبل التاجيل والتسويف والشعارات والتزويق.
وهنا كان لابد على اصحاب الايادي البيضاء من الموجودين في العملية السياسية ومراكز السلطة (على قلتهم)، ان يصطفوا مع رغبات الناس ومطالبهم من اجل التغير ومن الضرورة بمكان قول حقيقة ان اكثر الموجودين في قيادة الدولة والعملية السياسية لا يمثلوا صوت الناس ورغباتهم ومطالبهم، وان كانوا منتخبين.. والنتائج اظهرت ذلك من خلال الحراك الشعبي الجماهيري، بعد ان تمكن الشارع العراقي من فرض رأيه في هذا المجال، وهذا ما حصل باستقالة الحكومة بعد ان ظاق العراقيون ذرعا بسبب الفساد السياسي والمحاصصة والطائفية العنصرية المذهبية.
لقد خرج الناس منتفضين لانتزاع عصب الطائفية من واقعهم واسقاط شعارات السياسيين.. وبات الناس اليوم يقولون ان اخر من يتحدث عن الاصلاح والتغير هم السياسيون، اذ بعد اكثر من عقد ونيف من الحكم لم يتمكن هؤلاء( السياسيون) من ادخال الاصلاحات على برامجهم ومشاريعهم الوطنية، وطرد ومحاسبة الفاسدين من احزابهم وتطوير اليات اتصالها وعملها مع الجماهير.. والعمل على حماية وتحسين الاقتصاد الوطني وتعزيز بنية المجتمع، وحماية العراق المهدد بين حين واخر بالتقسيم والاحتراب والاقتتال، وفي كل يوم يخرج علينا احد قادة الكتل اواحد السياسيين يهدد او يبشر بوقوع حرب اهلية بمجرد الاختلاف على محاصصة سلطات الدولة ، وتشكيل الحكومة الان اكبر دليل على كل هذه الخلافات المحاصصاتية والولاءات التي لا تمت لبناء الدولة والوطن والوطنية بصلة.كل هذه المؤشرات تدلل على عدم قدرة هذه الاحزاب وكتلها وقياداتها من التجديد والتطوير في برامجها ومناهجها السياسية مع الجماهير، ما ادى الى فشل بناء عملية سياسية وطنية دمقراطية سليمة بقواعدها ومنطلقاتها وثوابتها الوطنية الدستورية بكل تقاليدها واعرافها.

رؤى وتعقيدات مركبة
ان كل ما نعيشه ونلمسه من صراعات وتعقيدات مركبة في العملية السياسية، هي بسبب ضعف اوعدم وجود رؤى واضحة وبرامج عمل او مشاريع وطنية سياسية اقتصادية اجتماعية تتناغم مع الواقع الوطني المترنح بسبب الفشل في مواجهة تحديات غاية في الخطورة وهذه العوامل ادت الى بعثرة وتعقيد الاوضاع في العراق، وفي ضل وجود نحو المائة والثلاثون حزب حسب البيانات والتسجيلات الرسمية لمفوضية الانتخابات انتجت خلل كبيرا في البيئة السياسية والتنظمية وخلل في القيادة بسبب ما تعيشه هذه الاحزاب من فساد اداري ومالي وضعف تنظيمي وثقافي، وما تعيشه من تقاطعات وانقسامات وانشقاقات خير دليل على ذلك.. ما دفع بالناس للنزول الى الشارع للمطالبة بالاصلاح والتغير واستحداث نسق جديد ومعاير واليات جديدة للحكم، وتغليب المصالح الوطنية والمجتمعية على المصالح الطائفية والعنصرية والمذهبية، وليست من اجل الانتقام من احد، والمجئ بحكومة لها القدره على اقناع الناس من خلال الوقوف والاستجابه لمطالبهم بقرارات ومشاريع تنبع من الداخل الوطني وتصاغ ببصمات وطنية صرفة لتحقيق التغير الشامل في الدولة والمجتمع وعلى مراحل وليس على الفور لتكون قرارات واصلاحات وتغيرات مدروسة غير ارتجالية بالرغم من ان هؤلاء القادة والسياسيين لم يتمكنوا (منذ الاحتلال و حتى الان) من صناعة حكومة بمقدورها اصلاح مفصل الخدمات او تحسينه وبخاصة قطاعات الكهرباء والصحة والخدمات البلدية، والمطلوب العمل على اعادة هيبة الدولة بتطبيق الانظمة والقوانين على الجميع ولا امتياز لاحد على الاخر، فالجميع متساوون امام الانظمة والقوانين ولابد من رفع الامتيازات وبعض الخصوصيات التي يتمتع بها الكثير وتحت كل العناوين والمسميات لان مثل هذه الامتيازات والخصوصيات غير الشرعية او التي شرعنت وفصلت على مقاسات معينة هي من اوصلت البلاد والحياة العامة في العراق الى اسوء حال، حيث كبرت وترعرعت افة الفساد وتجذرة بسبب المحاصصات الطائفية والمذهبية والعنصرية عوامل واسباب ادت الى تراجع دور الانظمة والقوانين و التجاوز على الدستور ادت بالنتيجة الى اضعاف سلطات الدولة وهذا يعني كسر صمام الامان العام.
ان ما عاشه العراقيين من خراب ودمار وحرمان من الامان والاستقرار والحياة الكريمة وتخريب عيشهم المشترك كان احد اهم اسبابه هي المحاصصة سيئة الصيت وما لعبته من دور في اشاعة الفساد وتخريب الدولة والمجتمع، والتهديد بتقسيم العراق، واكرر القول انها السبب الاساسي في اشاعة الفساد واسقاط هيبة الدولة والتجاوز على الانظمه والقوانين و حرق الهوية الوطنية التي تعتبر القسم المشترك الاهم في وحدة العراق ارضا وشعبا ومن هنا جاءت مطالب المتظاهرين بالذهاب الى انتخابات مبكره للمجيئ بحكومة اختصاص وكفاءات ترتقي بمسؤولياتها لمواجهة التحديات والمخاطر وتحقيق مطالب ورغبات الناس واحترام ارادتهم في بناء عملية سياسية سليمة لتحقيق اصلاحات حقيقية، وليس ان تخرج علينا الحكومة بقرارات توزيع قطع الاراضي وبعض التعينات فهي ليست الحل الجوهري والاساسي، ناهيك عن العجز الموجود في الميزانية العامة للدولة والديون الصعبة وبنى تحتية مدمرة واقتصاد شبه منهار ومال عام يوصف بالسائب ومليارات من الدولارات مفقوده، يبحث ويتسائل الناس عن مصيرها.

معالجة جذور الازمات
لقد جاءت حزم الاصلاحات كردود افعال، والعمل بردود الافعال منقوص وغير مجدي لاسباب كثيرة يطول الحديث فيها، كونها لا تعالج جذور الازمات ومعاناة واحتياجات الناس الحقيقية لان مطالب الناس تحولت الى مناداة باصلاحات في النظام السياسي والعملية السياسية ككل واصلاح اشكاليات الدستور وسيادة ووحدة الوطن وبناء الهوية الوطنية والتحول الى بناء مشروع لانقاذ الدولة الذي يحقق ويستجيب لمطالب واحتياجات الناس ، فهناك شرائح من الناس تعيش تحت خط الفقر وكل ما يدور من حديث عما قدم من اصلاحات هي عباره عن ترقيعات ومسكنات لااكثر، اليوم نحن بحاجة الى ظهور مشاريع علمية وخطط وطنية تلامس حقيقة مطالب الناس واحتياجاتهم بعيدا عن طروحات وخطط وشعارات التنظير التي لا تجد لها طريق في الميدان و على ارض الواقع بل المطلوب ظهور خطط عمل وبرامج ومشاريع لها مكان تنفيذي ميداني، اذ ان كل هذه الاخفاقات والانحسار والتراجع في اداء الدولة بسبب ضعف المنظومة السياسية وتراجع ادائها وما يشهده الواقع السياسي ما هو الا عباره عن صراعات سياسية تسقطية مستمرة بسبب الصراع على سلطات الدولة بشكل مستمر وبدون توقف منذ العام 2003 حتى الساعة، ومن هذا المنطلق يطالب المتظاهرون وكل الناس وبعض القوى السياسية الوطنية بضرورة تجاوز الوضع السياسي والاداء الحكومي الحالي و كل السلبيات والاشتباكات المستمرة داخل المؤسسات الدستورية والحكومية لان كل هذا المشهد السلبي المدان والمؤشر من قبل الشعب العراقي وقواه الوطنيه التي تطالب بالاصلاح انعكس سلبا على حياة الناس وامنهم واستقرارهم ومعيشتهم وعلى الخدمات العامه الرديئة بعد ان اصبحت شبه معدومة.

زلزال اجتماعي
الناس اليوم تطالب بدولة وسلطة تنفيذية ترتقي الى مسؤولياتها في محاسبة الفاسدين ومظلاتهم، وطرد كل المسؤولين الذين اثروا على حساب الفقراء والمحرومين ، والعراقيون يدركون وبوضوح ان هناك منظومة سياسية سيطرت على الدولة وفشلت، وبسبب هذا الفشل خرج الناس الى الشارع بعد ان فقدوا ثقتهم بهؤلاء الذين احكموا قبضتهم على الدولة التي دمرت كل بناها التحتية، كل هذا التعسف من قبل بعض القادة والسياسيين انتج هذا الزلزال الاجتماعي والحراك الشعبي وكل هذه التظاهرات العارمة التي قوبلت بقمع المتظاهرين حد الموت، كسرت هيبة القادة والسياسيين، واصبحت تلك الاحتجاجات غير محدودة وما زالت مستمرة وستستمر اذا ما اصلح القادة والسياسيين الاوضاع بزوال الاسباب التي ادت الى هذا الواقع المزري، بعد ان يزيلوا اسباب فشلهم التي ادت الى فشل الدولة برمتها.. وهم من يتحمل مسؤولية حراك الشارع وكل الدماء الطاهرة التي سالت من الاجل الاصلاح والتغير .
ان عمليات تحقيق فعل ايجابي وطني في ملفات مكافحة الفساد بحاجة الى ارادة حقيقية واعية وقادة وطنيين شجعان لتنفيذ هذه الاجراءات لان ملف مكافحة الفساد مرتبط بمافيات كبيرة لاقدرة للحكومة على حلها، كون القوى المؤسسة للفساد ومظلاته في مواقع متقدمة ولا يجرئ احد الى الوصول اليهم، وهنا قدم العراقيون عبر تظاهراتهم دافعا قويا لمساندة من يريد محاربة الفساد عبر كسر حاجز الخوف بكل اعتباراته، والايمان بضرورة استرجاع المال العام منهم، لان مشكلة العراقيين ليست مع الحكومة فقط بل مشكلتهم ايضا مع المنظومة السياسية والمعنين بادارتها، حتى بات (بعض السياسيين) في حيره من امرهم امام هذا الحراك الشعبي الكبير، لان العراقيين هم من يعيش في قلب الانهيار الذي انتجته لهم قياداتهم السياسيه بكل كتلها واحزابها والتي لم تنفعهم جيوشهم الالكترونية التي عمدت الى تزوير الحقائق والاكاذيب لتظليل الناس عن حقيقة ما يجري على الساحة الوطنية بكل تفاصيلها المعقدة والخطيرة من اجل دعم سياساتهم ومنافعهم الخاصة.

نهاية الجزء الاول