الجزء الثاني
تكمن المشكلة اليوم في من يصنع الحكومة الجديدة ويشكلها، والاشكال الاكبر في ان من ينفذ هذه الاصلاحات هي ذاتها الكتل السياسية واحزابها وقياداتها وشخصياتها التي خرج الناس بسببها الى الشارع منتفضين ومتظاهرين بسبب سوء ادائها !! وحكومة محمد توفيق علاوي الذي كلف بتشكيل الحكومة التي لم تر النور، الدليل القاطع على ذلك فالخلل ليس في الحكومة فقط بل كما اسلفت، بل بالنظام السياسي وبالكتل والشخصيات المتنفذة.
لابد من خروج عراق جديد من رحم هذه الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات ولابد من احترام صوت المواطنين وانهاء كل الاشكاليات السابقة، بعد ان انكسر المحضور واسقطت الحواجز وقطع العصب الطائفي الذي يحاول اليوم بعض القادة والسياسيين شده من جديد من خلال تشكيل الحكومة الانتقالية الجديده خلفا لحكومة عبد المهدي ،على الرغم من الضغوطات والتدخلات الدولية والاقليمية في القرارات السياسية والسيادية الوطنية مضافا لها تشرذم بعض القادة والسياسيين بأصطفافهم مع اصحاب هذه التدخلات الاقليمية والدولية التي اصبحت مرجع لمثل هذه القيادات السياسية.
ان الفترة التي حكم فيها الفساد طالت، وحان الوقت لفتح كل ملفات الفساد المالي والاداري والسياسي وعدم غلقها الا بتقديم اصحابها الى المحاكمة وتحقيق العدالة في كل ما ورد في هذه الملفات التي خلفت لنا جيل كامل يشحذ ببيع ( الكلينس ) ومسح زجاجات السيارات في الشوارع والطرقات وغيرها من الاعمال والممارسات التي يخجل العراقيون من ممارستها، وهذه نتيجة لسلبيات السلوكيات السياسية وعدم سماع صوت الفقراء بالاستجابة لمطالب الناس في تحقيق عدالة اجتماعية لانقاذ العراقيين والاجيال من هذا الوقع المزري.
الدولة المهابة
ان ما يجري من مناكفات وجدالات لوضع العراقيل والموانع امام تشكيل حكومة كفاءات بعيدة عن المحاصصات التي وقفت على طول الفترة الماضيه عائقا ومانعا حقيقيا في بناء الدولة وجميع مؤسساتها ومفاصلها، هي السبب والمعوق الاول في اصلاح حياة المواطنين والناس اليوم اصبحت بحاجة ماسة لدولة مهابة قوية بمؤسسات رصينة وليسوا بحاجة لتخندقات طائفية مذهبية عنصرية.. دولة وطنية قوية تفي بعهودها و بالتزاماتها تجاه شعبها ، حكومة ليست حكرا على الاحزاب والكتل السياسية وحواشيهم ، ولهذا السبب خرج الناس ليطالبوا بالقضاء على الفساد ورعاته، واصلاح كل مفاصل الدولة بدءا من الاقتصاد، اذ لاجود لحكومة في العالم تبيع عملتها الصعبة !! وهذا الملف هو واحد من مفاصل الفساد الكبيره في الدولة!! اما كان من الاجدر تحسين العملة الوطنية وزيادة رصانتها؟؟ والقضاء على هذا العدد الكبير من شركات تهريب العملة المدعومه من مافيات الفساد.. اما كان من الاجدر الغاء مفاصل ومحطات وحلقات الفساد كما حصل في الغاء مكاتب المفتشين العموميين لان الكثير من المجالس والمؤسسات والهيئات ما زالت تستعمل وتستغل كاداة للفساد وتبديد وضياع المال وهي مؤسسات ومجالس وهيئات اسهمت وبشكل فاعل في صناعة البطالة والفقر والتفاوت الطبقي في المجتمع العراقي بعد ان اصبحت ازمات الناس تكبر وتتضخم ادت الى انفجار الشارع..
الاستهتار بحقوق الشعب
لقد اخرج استهتار الفاسدين بحقوق الناس التظاهرات العارمة التي سالت من اجلها الدماء البريئة، واليوم كل الاطراف الحاكمة التي تقود العملية السياسية مسؤلة امام الشعب خاصة ان هناك من يتصرف بسلطات الدولة وكانها ملكية خاصه تعود له ولعائلته واقاربه كما يفعل بعض الوزراء اليوم، وهم يعتبرون الوزارات ضيعة من ضياعهم، وما نشهده من وقاحه واستهتار في البذخ الذي يحدث عند بعض عائلات وابناء المسؤولين، ماهي الا ممارسات تستفز الفقراء الذي اصبحوا يشكلون سواد الناس في العراق..
كل هذه المفاسد افرزها النظام المحاصصاتي، لان الفساد لم يصنع نفسه، بل فساد النظام من صنع وضخم وجذر هذه الافة، والعراق اليوم امام مشهد غير مسبوق يتمثل بكل هذه التظاهرات والاحتجاجات السلميه المشروعة لم نشهدها منذ عقود طويلة وهي بحاجه ماسه دور كبير وفاعل من الرئاسات الثلاث، دورا استثنائيا نشطا لتحقيق مطالب الناخبين، لكن ما شهدناه من مواقف متباينة في تمرير حكومة محمد علاوي وافشال تشكيلها يبعث على القلق الشديد بسبب المحاولات من بعض الكتل السياسيه لتكريس المحاصصات الطائفية غيرال دستورية والنظامية لتقاسم سلطات الدولة بشكل غير مشروع وكأن الدولة غنيمة لهذه الكتل والاحزاب.. وهي مواقف تدور حولها الشبهات في ان تكون هناك حكومة مستقلة بعيدة عن المصالح والمزاجات الخاصة للسياسيين وتدخلاتهم بدل ان يتحلى هؤلاء السياسيين بالحكمة والعقلانية والشجاعة و السلوكيات والممارسات الوطنية في تشكيل الحكومة الانتقاليه لنعبر بها الى بر الامان في الاصلاح والتغير.. مطالب حكومة بعيدة عن الصفقات السياسية وغيرها متنازلين للعراق وملبين لمطالب الناس ورغباتهم وطموحاتهم في حياة حرة كريمة لان الاصلاح والتغير لا يتم من خلال ساحات الاعتصامات والتظاهرات فقط، بل عبر طريق تحقيق الاهداف الوطنية ومن خلال خطوات مهنية علمية لتجاوز الاخفاقات تعقبها خطوات محاسبة الفاسدين ووضع الحلول والخطط وارساء القواعد لمشاريع الاصلاح والخطط الميدانيه لتنفيذها من قبل اصحاب الخبرات والكفاءات.
القوم في السر والعلن !!
اليوم بات على المتظاهرين بل كل الوطنيين معرفة من يقف بوجه الاصلاح والتغير بشكل دقيق وحقيقي موثق.. لان هناك عدد من القادة والسياسيين والاحزاب والكتل يطرحون ويصرحون عن ضرورة الوقوف مع الاصلاح والتغير في العلن، ومن خلف الكواليس و في الغرف المغلقة يصرحون ويقومون بنشاطات تتقاطع مع مواقفهم وتصريحاتهم العلنية وتنسفها مواقف تتقاطع مع مشاعر الناس والمطالب الشعبية في الحفاظ على السيادة والقرارات الوطنية والحفاظ على المال العام( فالقوم في السر غير القوم في العلن).. و العراقيين يشهدون وامام اعينهم يفتت وطنهم ضمن المحاصصات غير الدستورية.
الكل يعرف الحقيقة والمشهد.. بما فيهم السياسيون ، يعرفون ان الاوان فات على الكذب والمماطلة والخداع بالشعارات من اجل التسويف والضحك على الذقون ، بل المطلوب اليوم من القيادات السياسية التسريع في كل ما هو جديد وتنفيذ كل ما اقر في البرلمان من اصلاحات في الميادين العملية لكسب ثقة الناس وتشكيل الحكومة الانتقالية باسرع ما يمكن، بعد ان وضعت العراقيل امام جهود رئيس الحكومة المكلف محمد توفيق علاوي وافشاله في تشكيل حكومته الانتقاليه، وهذا يعني عدم استجابة بعض القيادات السياسية لمطالبات الناس وفي مقدمتهم المتظاهرين بالاصلاح والتغير.. وان لا يتناسى احد ان الوطن والشعب اكبر من كل الاسماء والعناوين وان التغير والاصلاح يحتاج الى جرءة وشجاعة وطنية وان مطالب ورغبات الشعب اوامر تستوجب التسريع من قبل الحكومة والبرلمان لتحقيق التغير.
الاعلام المحايد
ومن الضرورة بمكان ان تلتفت الدولة بكل سلطاتها الى نقطة اساسية ومهمة، بل غاية الاهمية، الا وهي عدم اقحام وادخال المؤسسات الامنية، خاصة الجيش والشرطة وباقي تشكيلات القوى الامنية، في السياسة كونها وجدت لحماية الشعب والوطن والحفاظ على الامن العام والسلم الاهلي، بعيدا كل البعد عن السياسة، وهنا لابد لي ان اعرج على دور الاعلام المهني المحايد ان يقوم بتعبئة المواطنين بالاتجاهات الوطنية الامنة والسليمة ويصطف مع سلامة امن الدولة ومطالب الشعب والمتظاهرين المشروعة، ويقوم ببناء رأي عام وطني متوازن بعيدا عن الداعمين للاعلام الموجه صاحب الاجندات الخاصة التي تضر بوحدة الوطن والشعب والسلم الاهلي والعيش المشترك وبناء الهوية الوطنية ونحن نمر بظروف استثنائية عصيبة بحاجة للكلمة الحرة والاعلام الشريف الذي يفكك الازمات ويعالجها بمهنية ووطنية عالية بعيدا عن الدفاع عن الفاسدين الذين يقدمون الاموال لبعض الجهات الاعلامية المدفوعة الثمن.. وان يلعب الادباء والفنانون والمثقفون الدور الوطني المطلوب للحفاظ على مصالح العراق من اجل الاصطفاف جميعا لحقيق رغبات العراقيين في الاصلاح والتغير وتشكيل حكومة انتقالية بمقدورها تعبر بالناس الى الطرف الاخر.. طرف الاصلاح والتغير وتحقيق السيادة الوطنية والامن الوطني وتعيد ثقة الناس بالدولة واشاعة ثقافة احترام الانظمة والقوانين واداء الواجبات اولا ثم المطالبه بالحقوق..
نهاية الجزء الثاني