23 ديسمبر، 2024 8:34 ص

الحراك السوداني إلى أين؟ قراءة تحليلية

الحراك السوداني إلى أين؟ قراءة تحليلية

مرة أخرى يعود الحراك الشعبي السوداني من جديد، الا ان هذه المرة وبرغم حالة التذبذب التي اصابته خلال الشهور الاولى من هذا العام، الا انه عاد هذه الايام وبقوة مدعوما بالزخم المعنوي للحراك الشعبي الجزائري الذي تمكن من خلع الرجل المريض من على كرسي حكمه ليكتفي بكرسي مرضه. الا انه وبرغم هذا التنامي للحراك الشعبي والاعتصامات الاخيرة التي باتت على مسافة امتر من القصر الرئاسي لاتمنح المراقب اي صورة واضحة يمكن ان يشاهد من خلالها خارطة طريق للازمة السودانية. اذ انه في بعض ملامح هذا الحراك يمكن ان نشاهد تكرار لتجارب الحركات الشعبية في المنطقة العربية مما يضع المراقب للمشهد السوداني امام قراءات متعددة.
وقبل الحديث عن قراءات المشهد السوداني وتقديم التصورات المحتملة التي يمكن أن ينتهي اليها هذا الحراك الشعبي نجد ان من المهم جدا الاحاطة ببعض مواقف الدول الاقليمية، فالصمت الاعلامي، وحالة الترقب الرسمية التي نشاهدها لدى العديد من دول الاقليم وخصوصا مصر والسعودية والامارات
فالموقف الرسمي للحكومة المصرية مايزال غير واضح بالرغم من حالة الدعم الظاهرية للرئيس السوداني الا اننا نجد بعض التصريحات والمواقف لشخصيات سياسية ــــ وان لم تكن في السلطة السياسية ــــ واضح جدا في دعمه للحراك الشعبي، الواقع المصري الان ربما يشهد درجة كبيرة من الخطورة اذ ان مصر باتت محاطة بدائرة من الازمات على طول حدودها البرية، ولو تجاوزنا حدودها مع فلسطين باعتبار ان الوضع فيها بات خاضع الى اتفاقيات دولية، فان حالة الانفلات التي تعيشها ليبيا ذات الحدود الاول مع جمهورية مصر العربية تشكل مصدر قلق لها، اذ انها تمثل ممرا امنا للجماعات الارهابية الداعمة للعنف في مصر، ومن ثم فان انفلات الوضع الامني في السودان وتكرار التجربة الليبية فيها يضع مصر في موقف من الصعوبة بمكان، موقف يستدعي منها زيادة في الانفاق العسكري لتحصين جبهتها الجنوبية.
واما على مستوى دول الخليج وخصوصا السعودية والامارات باعتبارها اكبر الدول الداعمة للفوضى في المنطقة، هذه الدول لاشك في انها الى وقت قريب كانت تقف صراحة بالضد من الرئيس السوداني خصوصا بعد صدور مذكرة التوقيف عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني، الا ان اعادة ترتيب الاوراق التي مارسها البشير، وقطع علاقاته مع ايران شكل حافزا للتقارب السوداني الخليجي، وجاءت استجابة الرئيس السوداني للطلب الخليجي للمشاركة في ( التحالف الاسلامي ) ضد اليمن جعل العلاقات الخليجية ـــ السودانية تستعيد بريقها من جديد، الا انه وبرغم هذه التنازلات التي قدمها البشير الا ان واقع الموقف الخليجي منه واضح انه لم يتغير، وان الموقف الحالي لدول الخليج اضافة لاى مصر لايعدو ان يكون موقفا تكتيكا بانتظار الترتيبات الامريكية للمشهد السودان.
وفي ضوء هذا الموقف الاقليمي، ودعم المؤسسة العسكرية للرئيس السوداني والذي ربما يبرره التعديلات الحكومية الاخيرة التي قام بها البشير والتي اعتبرها البعض انها مكافاة الى المؤسسة العسكرية مقابل الدفاع عنه، برغم كل هذا فان للحراك الشعبي السوداني عدة سيناريوهات ابرزها:
1- انقسام المؤسسة العسكرية تجاه هذا الحراك الشعبي مع احتفاظ الرئيس السوداني بمنصبه، ومن ثم تسير الامور باتجاه تكرار المشهد الليبي في صراع داخلي يزيد من تعقيد المشهد السوداني، ان تحقق هذا السيناريو سيجعل العالم امام مسؤولية انسانية تتمثل بعملية نزوح كبيرة تشكل ضغطا على دول الجوار السوداني، لاسيما وان بعض هذه الدول تعيش اوضاعا اقتصادية صعبة مثل ارتيريا وتشاد والجنوب السوداني.
2- دخول البلاد في حالة انفلات امني يجعل من السودان بيئة حاضنة للجماعات الارهابية ومن ثم تصبح السودان بلاد الهجرة الجديدة للجماعات الاسلامية وخصوصا داعش، عملية الانتقال لهذه الجماعات يمكن ان يخفف الضغط على ليبيا وسوريا الا انه في نفس الوقت يعيد المشهد السوري الى واجهة الاحداث ولكن بنسخة افريقية.
3- المشهد الثالث هو حصول الرئيس السوداني على ضمانات بعد ملاحقة المحكمة الجنائية له، ومن ثم يمكن ان نشاهد عملية تكرار للمشهد المصري الذي جاء بالسلطة الحالية، بمعنى ان المؤسسة العسكرية وبعد ترتيب الوضع مع الرئيس السوداني ستعلن وقوفها الى جانب الحراك الشعبي، واستلامها لزمام الامور في البلاد بعد استقالة البشير، وهذا السيناريو ربما سينتهي بنفس النهاية التي انتهى اليها الحراك الشعبي في جمهورية مصر العربية، ولكن ربما سيحتاج الى وقت اطول اذ ان شكل الحكومة الجديدة لابد ان يمتلك توازنا بين المصالح المصرية والمصالح الخليجية والتي ربما ستكون في بعض مراحلها متعارضة بالمستوى الذي يجعل عملية الاستقرار في هذه البلاد تحتاج الى وقت تتخللها العديد من المواجهات العسكرية بين الفصائل السودانية التي ربما ستكون مدعومة من هذا الطرف أو ذاك.
ان جميع هذه السيناريوهات بلا شك لن تكون بعيدة عن الارادة الدولية وخصوصا الامريكية، الا انه بعد التحول الذي شهدته السياسة الامريكية في تحقيق مصالحها في المنطقة من خلال اعتمادها على ادواتها المحلية من حكومات او جماعات مسلحة سوف لن تكون هذه الارادة الدولية واضحة جدا وانما ستكتفي بتوجيه هذا الطرف او ذلك بما ينسجم وعملية الاخراج الامريكية للمستقبل السودان.
ختاما نسال الله تعالى ان يحفظ السودان وشعبه، ويجعله اكثر حذرا وادراكا للمشروع الامريكي في المنطقة العربية، والحذر كل الحذر من الادوات المحلية التي باتت لا تتوانى عن تدمير البلدان والشعوب العربية التي يمكن ان تشكل عائقا امام سايكس بيكو القرن الواحد العشرين وتقسيم الذي يعتبر جزءا من صفقة القرن القادمة.