كلما أرى المشهد السياسي في العراق أمام عينيه , يتبين لي إن للدين دور ايجابي أو سلبي في معترك السياسي.
لا شك إن تشكيل الكتل السياسية قام على خلفيات دينية أو مذهبية أو أثنية. وهنا يلعب العامل الديني دور ممتاز في هذه العملية ابتداء من انتخابات مرورا بتشكيل الحكومة وأخيرا في استتباب الأمن وتوفير الخدمات.
إن الإشكالية الموجودة في الساحة ما هو الحد الفاصل بين الدين والسياسة .هل هما منفصلان تمام ، ام هما ملتقيان تمام ، إما ثمة حدود الالتقاء بينهما ومن يحدد حدود الالتقاء رجال الدين أم السياسة.
في هذا الصدد ، تذكرت مقطع في احد صفحات كتاب اسمه” الحد الفاصل بين الدين والسياسة ” لكاتب الإيراني مهدي بازركان .وبرغم من أنني قرأته عشرات المرات ، فكلما اقرأه يتجلى لي معناه وخصوصا ونحن في هذا الوقت وسوف اذكرها لكم
“السياسة الملعونة : في الواقع أننا جميعا نتمنى أن لا ندخل معمعات السياسة ومشاكلها ، أن لا نتورط في مناصبها ومفاسدها ، وأن لا ننال من ورائها السجون والحرمان والقمع ، ونحن نحلم بأن ندع أرواحنا وأجسادنا في راحة من كل هذا العناء ، وأن نتفرغ لشؤون الدنيا ولعبادة الله بكل الهدوء وصفاء الذهن والاحترام اللائق بذلك. وهكذا سنكون مثل العباد المتقين في عهد الإمام علي (ع) الذين تجنبوا (الفتنة) ولجأوا إلى المدينة هربا من نارها ، فنعتصم نحن أيضا بالأماكن المقدسة ولا نتورط في صراعات الدنيا !! وإذا كان هذا الأمر غير ممكن ، وإذا كان وضع القطن في آذاننا لم يمنعنا من أن نرى ما يجري أمام أعيننا هذه الأيام، فنحاول على الأقل أن نعقد اتفاقا مع السياسة وأهلها ، يمتنع بموجبه كل طرف عن التدخل في شؤون الآخر، أي أن الدين والمتدينين لا يقحموا أنوفهم في أمور الدولة والسياسة ، وفي المقابل تتعهد الدولة والسياسيين بأن لا يمنعونا من الصلاة والصيام والحج والقيام بكل الفروض والواجبات ، إن كثيرا من الناس قد عقدوا في الواقع اتفاقا ضمنيا بهذا المعنى ، وقرروا عدم التعرض للسياسة وشؤون الحكم ، ولكن لنر : هل الطرف الآخر يفي بالتزامه ويحترم الاتفاق الضمني ؟هل يترك الدين وأهل الدين لحالهم ؟ أي إننا إذا تركناه بسلام ، فهل يتركنا هو الآخر بسلام؟! هناك مفهومان للدين : الأول بمعنى المراسيم والتعاليم ، التي تخص كل فرد كالصلاة والصيام وأداء صلاة الجمعة وزيارة الأماكن المقدسة وضرب الصدور بالسلاسل .. وغيرها، والثاني بمعنى الأفكار والعقائد والأخلاق والأعمال والتربية ، أي تحديد شؤون الأمة وما يتعلق بمصيرها في الدنيا والآخر. من ناحية مفهوم الأول للدين ، أي جانب الأحكام الفردية والمراسم التقليدية والصورية فإن عديد من الحكومات والسياسات احترمت هذه الأمور ولم تضيق على المؤمنين فيها، بل إنها أحيانا أولتها اهتمامها وساهمت في إجلالها ورفع شأنها سواء أكان ذلك حقيقة أم من باب التظاهر. أما من الناحية الثانية فيجب القول بأننا ، نحن المؤمنين والمتدينين . لو تركنا الدولة والسياسة لحالها ، فهي لنا تتركنا أحرارا بأي شكل من الأشكال ، بل وبالعكس فأنكم كما تعلمون وكما سأبينه فإن الدولة والسياسة تتدخلان بشكل كامل في عمق شؤون ديننا ودنيانا . وكلما تراجعنا وأعراضنا عن الحكم والسياسة فإن الحكم يدعي لنفسه حقوقا أكثر ويثبت إقدامه “.