أولُ الغيثِ قَطْرَةُ مَاءْ … وأولُ الحَربِ قَطْرَةُ دم
ثامناً : موقف العُلماء والقادة الأكراد على مَرْ التأريخ من الوطن القومي للكُورد :
بعد إن إستعرضنا الآلية التي تم بموجبها إفراغ محافظة نينوى ومدينة الموصل من فسيفساؤها وتفتيت وشائج نسيجها الإجتماعي بدأت التصفيات تطال أكراد الموصل الذين يُسمونهم في كُردستان (أكراد البالة) فضلاً عن المنشورات التي تهدد كُل أبناء القومية الكُردية المتواجدين في بيوتهم داخل الموصل بالتصفية الجسدية ورغم أن ( التنظيمات الإسلامية ) على إختلاف مشاربها وزعت المنشورات في الجوامع والمساجد وفي الأسواق والأحياء ببرائتها من الأمر إلاّ أن ذلك لم يكن ليوقف هجرة أكراد الموصل إلى الإقليم في ظل سياسة (عفا الله عما سلف) التي أطلقها رئيس إقليم كُردستان (بصدد الأكراد الذين انخرطوا في وحدات أو أفواج الدفاع الخفيفة المُسماة الفرسان والذين يُطلَق عليهم في كُردستان مفردة الجحوش) وهكذا تم إفراغ الموصل من الشيعة والشبك والتركمان والأكراد والمسيح و… وإن بقيَّ فيها من هذه المكونات فهم النزر اليسير وأرقام لا جدوى إعتبارية منها ، وإزاء هذه التداعيات سطع نجم (أثيل النجيفي) وقائمة الحدباء وكذا الحال مع قائمة العدل والإصلاح التي يتزعمها (عبد الله الياور) الذي صَدّع رؤوس أهل الموصل بالعداء للأحزاب الكردية ووعده بطردهم من آخر شبر من نينوى وقطع الوعودٍ الإنتخابية التي داعبت شغاف القلب بإعادة نينوى إلى سابق عهدها ومجدها التليد ووضع حدٍ للأطماع القومية الكُردية التي أتت على الأخضر واليابس فكانت النتائج وفق ما تمنى أهل الموصل واكتسحت قائمة الحدباء والعدل والإصلاح وشكلت مجلس المحافظة ليكون أثيل محافظاً لنينوى و13 عضواً من قائمة الياور أعضاء مجلس المحافظة فضلاً عن منصب نائب المحافظ ولكن ما الذي فعله المحافظ ومجلس المحافظة هي إستعداء الحكومة المركزية أو الحكومة الإتحادية في بغداد ليُصبح أهل الموصل بين فكي رحى ما بين قتيلٍ وشهيد وهاربٍ وشريدٍ وطريد ومُهّجرٍ ونازحٍ ومهاجر وغائبٍ ومُغيبٍ ومعتقل لتكون تلك المعتقلات مدارس للفكر المتشدد المتطرف والنتيجة داعش ….. وسرعان ما انقلب ساسة نينوى على أهدافهم ونكلوا وعودهم وأصبحوا جُزءاً لا يتجزء من سياسة إقليم كردستان وها هو أثيل على رأس (10,000) عشرة آلاف مقاتل من أبناء الموصل تم إعتبارهم (لواء يتبع البيشمركة) لتحرير الموصل من داعش ويقيناً أن هؤلاء سيكونوا رأس الحربة في مواجهة تنظيم داعش فيكون الحال كما وصفه المثل الشعبي ( الطعن لحريث والصيت لمحمد أمين) والثمن الذي سيُدفع ربما ستكون الموصل نفسها …؟؟؟!!!
ونستعرض هنا موقف العلماء الأكراد والقادة الأكراد على مَرّ التأريخ من إنشاء وطنٍ على أساسٍ قومي كُردي وكما يأتي :
1 . صلاح الدين الأيوبي :
هو الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شذب بن مروان بن يعقوب الدويني التكريتي (الكُردي) وُلِد (532ه – 1138م) وتوفي (589ه – 1193م ) حكم مصر وقضى على الخلافة أو (الدولة الفاطمية) وحرر بيت المقدس وفلسطين ولبنان وأسس الدولة الأيوبية التي وحّدْت مصر والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية إستمرت هذه الدولة 262 عاماً ولم تتطرق سيرته إلى نزعةِ عرقٍ قومية ولذا يسميه بعض متعصبي القومية الكُردية بــ(خراب الدين الأيوبي) كونه لم يُنشيء دولة ً كُردية آنذاك .
2 . إبن الصلاح :
هو أبو عمرو عثمان صلاح الدين بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكُردي الشهرزوي الموصلي المعروف بإبن الصلاح ولد (577ه ) في شرخان قرب شهرزور في (السليمانية) وانتقل إلى الموصل ثم خراسان فبيت المقدس ، كان أحد فُضلاء عصره في علم الحديث والتفسير والفقه وأسماء الرجال توفي في سحر الأربعاء الموافق ربيع الثاني سنة (643ه) الموافق (19 سبتمبر 1245م) لم يَدُر في خلده حُلم الدولة الكُردية ولم تشهد سيرته حتى وفاته أي شيء من قبيل النزعة القومية الكُردية أو الدعوة لوطن على أساسٍ قومي .
3 . إبنُ تيمية :
هو تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين (الكُردي) ، حَمَلَ لقب (شيخ الإسلام) ولد يوم الإثنين 10 ربيع الأول سنة (661ه) الموافق 22 يناير (1263م ) في حَرّان في الجزيرة الفُراتية بين الخابور والفرات في الأقاليم السورية الشمالية على مقربة من الحدود التركية ومن يّطلع على سيرة حياته يُدرك تشدده وعدم المحاباة حيث بلغت مؤلفاته 330 مؤلفاً أما فتاوى إبن تيمية فتقع في أكثر من 300 مجلد ، توفي في الحبس ليلة الإثنين 20 ذي الحجة سنة (728ه) الموافق سنة (1328م) ، لم يتطرق ولو بكلمة واحدة عن وطن قومي للأكراد أو الإشارة إليه ولعل الجميع يُدرك أحكام التكفير التي تناولها إبن تيمية حتى حبس بسبب إحدى الفتاوى ومات في سجنه فلماذا لم يذكر أي شيءٍ من قبيل دولةٍ على أساسٍ قومي للأكراد .
4 . بديع الزمان النورسي :
هو بديع الزمان نور الدين النورسي (الكُردي) ولد في قرية نورس التابعة إلى تُركيا (1294ه ) الموافق (1877م) وتوفي ( 23 آذار 1960م) أحد أبرز عُلماء الإصلاح الديني والإجتماعي ، ظهرت النورسية في تركيا أواخر العشرينات من القرن الماضي ولعل رسائل النور غنية عن التعريف ، تأثر بأفكاره الكثير من الساسة الأتراك أمثال سُليمان ديميرل ونجم الدين أربكان وأحمد داؤد أوغلو ورجب طيب أردوغان الذين يعتبرون من طلاب المدرسة النورسية ، يقول النورسي : (إن لسان العرب واجِب – أي اللغة العربية- ولسان الكُرد جائز ولسان التُرك لازم) وننقل هنا ما ورد في بحث الأستاذ طالب ألب الموسوم (بديع الزمان والحركة النورسية) الذي ألقي باللغة الإنكليزية في ندوة إتجاهات الفكر وترجمة الهلباوي حيث نقل نص ما قاله بديع الزمان النورسي : ( وأنتم يا أمة العرب العظيمة التي إسيقظت أو ستستيقظ حالاً ، أولاً وقبل كُلِ شيء أود أن أخاطبكم بهذه الكلمات : لقد كُنتم أساتذة المجتمعات الإسلامية وقادتها ، وكنتم المجاهدين في سبيل الإسلام ثُم أتت أمةُ الأتراك العظام وأمدّتكم بالمساعدة اللازمة لتحقيق مهمتكم ولهذا السبب فإن خطأكم بسبب الكسل عظيم كما أن جزاؤكم جزاءٌ عظيم كذلك ، إننا نرجو الرحمة والعناية الآلهية أن تجعل من العرب قوة عُظمى لتحرير الإسلام من الأسر ولنشر حكم الإسلام في معظم أجزاء الكُرة الأرضية وستشهد الأجيال المُستقبلية هذا إن إمتد أجلُ العالم ولم تحِل نهايته بعد ) علماً أن النورسي كان له الفضل في الحفاظ على حدود الدولة التركية الحالية وأوشك أن يدفع حياته ثمناً أكثر من مرة وحكم بالإعدام في الأسر في منفى بارلا …. توفي النورسي عام 1960 م ولم يتطرق إلى الدولة الكُردية أو الدولة على أساسٍ قومي ….
وعلى أية حال فقد قال أسلافنا (الجار قبل الدار) ومن يسعى لإنشاء وطن عليه أن يكسب ود جيرانه بإعتبارهم الرئة التي يتنفس من خلالها ، ولعلنا لا نُذيع سِراً إن قُلنا أن السياسات التي إنتهجتها الأحزاب الكُردية قد أثارت حفيظة الجميع من العرب السُنة والشيعة والتركمان السُنّة والشيعة و… فضلاً عن تقاطعات دول الجوار الإقليمي أزاء هذا الأمر بدءاً من إيران ثم تُركيا فسوريا والعراق ، وكنا قد كتبنا في ما مضى أكثر من مقال يسهب في هذا الشأن وكما يلي : (حلم دولة كُردستان الكُبرى …. سباحةٌ في الدماء وسيرٌ على الأشلاء ) (الموصل تدفع الثمن) (نينوى بين هواجس التقسيم أو الإنضواء كولاية لداعش والتي نُشرت بتأريخ 8 تشرين الثاني 2013 ) نأمل الرجوع إليها على الروابط التالية :
http://kitabat.com/ar/print/43306.php
http://www.kitabat.com/ar/print/34981.php
http://www.kitabat.com/ar/print/18958.php
http://www.aliraqtimes.com/ar/print/19870.html
تاسعاً : حالة الّلا حرب والّلا سلم بين الأحزاب الكُردية :
من يعايش المجتمع الكُردي تترسخ لدية قناعةٌ مطلقة أن حالة الصراع في الظرف الراهن كما النار تحت الرماد خاصةً بين الحزبين الرئيسيين (حزب الإتحاد والحزب الديمقراطي) فضلاً عن الصراع الأيدلوجي مع الحركات الإسلامية الكُردية يُضاف إلى ذلك بروز (حركة التغيير أو كوران بزعامة القيادي نوشيروان مصطفى ) وقد أثبتت الأيام قدرة هذه الحركة الفتية على تحريك الشارع الكُردي لتصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية ، تتجلى حالة الإنقسام حتى من خلال متابعة الإعلام المرئي أو القنوات الفضائية فتجد أتباع حركة التغيير والمؤمنين بنهج الحركة من المتابعين لقناة (كي إن إن) القناة الرسمية للتغيير وأصحاب التوجه الإسلامي (قناة سبيدا) وأصحاب الميول الشيوعية (قناة ريكا التي تعني الطريق ) وهكذا (قنوات روداو ، كورد سات و….) كُلٌ وفق رؤيته وقد حدثني الكثير من أصدقائي الكُورد أنه وصل الحال أن يقتل الأب إبنه والعكس صحيح كون أحدهما (يكتي) والثاني (بارتي ) وما منصب رئيس الجمهورية الممنوح لحزب الإتحاد إلاّ وسيلة لإحتواء الأزمة وليبقى منصب رئاسة الإقليم للحزب الديمقراطي ورئاسة الجمهورية لحزب الإتحاد ، ولتحقيق حالة السلم فقد انصهرت جميع الأحزاب والحركات في بوتقة القومية الكُردية فهل سيفلح الأمر حتى النهاية …؟؟؟!!!
مما لا يخفى أن حزب الإتحاد الكُردستاني يدور في فلك السياسة الإيرانية أما الحزب الديمقراطي فيدور في فلك السياسة الأميركية واللوبي المهيمن على مركز صنع القرار الأميركي ، أما جغرافياً فحزب الإتحاد يحكم محافظة السليمانية ويُهيمن على كركوك فضلاً عن مُدن خانقين والسعدية وجلولاء و… في محافظة ديالى التي شهدت مدنها المُشار إليها الكثير من تجريف البيوت العربية ومنع عودة النازحين العرب وصولاً إلى التغيير القسري لديموغرافيتها كما هو الحال في تجريف أكثر من (1000) ألف وحدة سكنية مجمع برزان التابع إلى ناحية زُمّار وتسويتها بالأرض ومنع عودة أهلها العرب ، زُمّار التي تضم أغنى حقول النفط في (عين زالة وصفيّة والبُطمة) وهاهي مُدن مرسين وغازي عنتاب وأنقرة التركية وقد غصّت بأهل زُمّار العرب ، فكان تحريرها (تدميرها) وقد سمعنا الكثير من الكلام الذي راج عقب (تحرير زُمّار) عن كون الأمر صفقة تم إبرامها وما (تحرير) سنجار عنّا ببعيد .؟! وبغية تحقيق التوازن جغرافياً وإدارياً مع الديمقراطي فقد تم إعلان (حلبجة) محافظة كُردية رابعة ، أما الديمقراطي فيحكم أربيل ودهوك وأجزاء كبيرة جداً من نينوى كُنا قد أشرنا إليها ، وفي خضم سباق التسارع هذا فقد أعلن أنه سيتم إعلان قضاء سنجار محافظة خامسة تابعة لإقليم كُردستان ولن يُرفع العلم العراقي فوقها وهذا نص تصريح المقاتل الوطني الغيور(كما أسمته النائبة فيان دخيل) قاسم شّشّو… وسيأتي اليوم على الموصل الحدباء مدينة الأنبياء عاجلاً أم آجلاً (فالأرض لمن يُحررها والحدود ترسمها الدماء) …؟؟؟!!!
أما عن رؤيتنا لما سيؤول إليه حال الأحزاب في كُردستان فإننا نعتقد والعلم عند الله أن هذا التزاوج الهجين لن يدوم طويلاً إذ سيبدأ صراع المكاسب ومعه سينفرط عقد الصلح والوئام يُضاف إلى ما ذكرنا الصراع الأيدلوجي خاصة ونحن نسمع تصريحات وزير البيشمركة (جبار ياور) عبر الفضائيات وهو يقول : أصبح تعداد الأكراد المنخرطين والملتحقين بتنظيم داعش أكثر من (5000) خمسة آلاف كردي … ولعلنا نُدرك ميول الشعب الكُردي إلى الإسلام بنزعاته المعتدلة والمتطرفة فيا تُرى هل يحق لنا أن نقول : هذه بضاعتكم رُدت إليكم …؟؟؟!!!
وإزاء تلاطم الأحداث التي تموج بها محافظاتنا يبرز السؤال التالي : ما هو دور نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء أو ما هو دور الوزراء وأعضاء البرلمان وما هو دور المحافظين وأعضاء مجالس المحافظات من العرب السُنّة من أهل الموصل والأنبار وصلاح الدين وغيرهم ؟؟؟
جُلُ من ذكرتهم أصبحت إقامتهم في كُردستان إلاّ ما ندر ويعدون بأصابع اليد الواحدة بعد أن أضاعوا نينوى وموصلها الحدباء وأضاعوا أهلها وأضاعوا تأريخاً يمتد لأكثر من (6000) ستة آلاف عام … ولكنهم ربحوا مناصبهم وجيبوهم المتخمة وإنني هنا أبرء إلى الله منهم جميعاً وأنا خصمهم بين يدي الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون بل وأحمّلهم وزر كُلِ روح أزهقت وكلُ نفسٍ شُردتْ وكُل غصةٍ وزفرة سقم أو أنّة وجع أو حسرة ندم … فيا ترى من يعيش في كنف كُردستان كيف سينتصف لتأريخ نينوى وأهلها بل لابد من أن تكون الإقامة مدفوعة الثمن خاصة ونحن نعلم حالة الإذلال والإمتهان التي يعانيها العربي أو العراقي في دخوله إلى الإقليم …. وهنا أقول لساسة السُنّة هنيئاً لكم فقد بُئتم بعارها وشنارها بعد أن تسببتم في تشريدنا تحت نجوم السماء في أصقاع الأرض تغص بنا الفيافي والقفار والمخيمات والمواكب يقتلنا العوز والكمد والحسرة والندم كل ثانية ودقيقة وساعةٍ وحين وقد رأفت حبال الموت وأسلاك المنيّة التي طوق بها الكثير من النازحين أعناقهم ورقابهم لينهوا سفر حياتهم البائس الذي تسببتم به ……