كنتيجة لثورة الحداثة الشعرية في مقابل تلك النتيجة المادية التي سادت المجتمعات الأوربية ، كانَ لابد من أن تتغير مرتكزات القصيدة التقليدية والتي كانت من أبرز مميزاتها (الإيحائية ) التي تستند الى الجانب الوصفي في التعامل مع المحيط الخارجي ومع الجزء المحسوس من الذات ، ليُطغي على بنية القصيدة
الحديثة شكلٌ من أشكال التوتر تتصارع فيه الإسرار واللغة للتلويح بذاتية المنتج ،
وهو رد فعل للهروب الذي حدث في المجتمعات من الروح إلى العالم المادي المحسوس نتيجة الإنتقال إلى عصر التكنولوجيا،
لقد هيأت الموجودات الجديدة و التي دخلت الحياة مع الدخول الى العالم الجديد مثل (الكآبة – السخرية – الغموض – التمزق – العدم ) قاعدة للإنطلاق الى الرؤية الجديدة في القصيدة وظهر ذلك جليا عند أبولينير وشار في فرنسا ، وريلكة في ألمانيا ،وأليوت في إنكلترا وكذلك الحال عند الشعراء الإسبان والإيطاليين ،
وقطعا فقد إنسحب هذا الإتجاه الجديد على القصيدة العربية وأيضا ظهر جليا فيما قدمه (أدونيس – يوسف الخال ، أنسي الحاج – سعدي يوسف – البياتي – سامي مهدي- صلاح عبد الصبور – محمد الماغوط ) رغم تباين حجم تلك الحداثة بالنظرة إلى مفاهيمها من شاعرلأخر، حيث أصبح المألوف في الشعر شيئا مكررا وقبيحا ،،
وأصبح التراث شيئا نفعيا عقيما ،،
والأسطورة ترتيبا قصديا ،،
وأصيبت بالشلل المفاهيم القديمة وحدثت القطيعة والإنفصال مع الواقع بشكله المرئي المكشوف وجرى البحث عن بديله ،، بديله الذي يوجد في الحلم أو الخيال وتم البحث عن لغة جديدة يتمكن الشاعر من خلالها الوصول الى النواحي الكونية والروحية ليستطع من تقصي الأشياء المجهولة وإقامة المشتركات بين الأشياء الغائبة ومزاولة العبث والتدمير ضمن مساحات غير محددة لإشباع النظرة الفلسفية مما تحتاج إليه من حاجات لإدامة زخمها للسعي إلى الإكتمال والتحول حسب مقتنيات وحاجة الشاعر منها لتختف جزئة النظرة إلى الكون وتتسع عين الشمولية ولينبلج الإحساس عن إحساس عال لايفرق بين الصحيح والزائف إلا بمقدار الإستجابة للإنفعال وقواه المحركة والخالقة للوهم الخلاق لتقدم هذه القوى الفعل الشعري الذي لاصلة له بتاريخ أو مكانية ، بقدر صلته بنتائج متغيرات التجربة الشعرية التي تمتلئ بالصور والرموز والأصوات والألوان والموسيقى الخفية ،،
كل تلك المجتمعات هيأت للشاعر ميدانه الجدي للخروج من الصنعة إلى عالم الإلهام ،،
وأرتباط الشعر بسحر اللغة وتدفقات مفرداتها ضمن ماينسجم مع المخيلة والقدرات الإنفعالية أي قدرة خلق الإحساس من غير المحسوس ومحاولة معالجة المرئي بغير المرئي وبذلك يكون الشعر مجهودا كبيرا ليس للوحي علاقة فيه ،،