7 أبريل، 2024 5:52 م
Search
Close this search box.

الحداثة السياسية في العراق : قراءة في اشكالية الثقة المفقودة

Facebook
Twitter
LinkedIn

تؤكد الدراسات الافتراضية المفسرة لنشوء الدولة او المجتمع السياسي الحديث بان احدى الاسس المهمة  لنشوء الدولة  هي اتفاق افراد المجتمع فيما بينهم من اجل انشاء الدولة او المجتمع السياسي ،وهذا الاتفاق في ذاته معبر عن توفر الثقة العالية بينهم ، هذه الثقة التي من خلالها يمكن للمجتمع الانتقال من مجتمع ما قبل الدولة حيث تنعدم الثقة وتسود حالة الشك والتصارع بين اطراف المجتمع الواحد الى مرحلة الدولة التي لابد ان تكون العلاقة بين المكونات والانتماءات والطبقات والمصالح المختلفة فيها  مبنية على الثقة.
فعندما يشعر افراد المجتمع  الواحد بحالة من الامن الاجتماعي ولايكون هنالك شك اوانعدام الثقة المتمثلة في سعي البعض من اجل تحقيق مصالحه الذاتية وممارسة الاقصاء  تجاه الاخرين ، فان المجتمع  يكون مجتمع يتسم بالحداثة و يمكنه تحقيق التنمية والتحديث في مختلف مجالات الحياة كون موارد البلاد المادية والبشرية سوف توظف لتحقيق ذلك و لاتحرق في صراع  الداخلي نتيجة انعدام الثقة بين الاطراف وسعي كل طرف الى محاولة الاستحواذ على اكبر قدر من موارد البلاد  والعمل على توظيف القدرات البشرية فيه من اجل ذلك.
  ومن خلال بناء  مجتمع الثقة سوف  نشهد مجتمع القانون وحكم القضاء يتقدم على  صوت  السلاح  والعنف ، والسلطة سوف لايتم احتكارها من طرف  معين بحيث لايكون طريق الوصول لها الا العنف وسوف نشهد عملية سياسية تتسم بالتداول السلمي للسلطة  ، ومع بناء الثقة سوف نجد مجتمع تكون فيه المعارضة السياسية جزء من النظام  او الدولة  تسهم في تحقيق المصالح السياسية العليا للبلاد  وليس معارضة من خارج النظام او الدولة  تهدف  الى تغيير النظام او الدولة ،ومع بناء الثقة سوف نجد الاطراف السياسية في عملية شد نحو الداخل من خلال اقناع افراد المجتمع ببرنامجها السياسي  وليس  نحو الخارج من خلال الارتباط بقوة خارجية لتعزيز قوتها في الداخل.
  هذه البعض من المكاسب التي يمكن للمجتمع  تحقيقها عندما تسود حالة من الثقة بين اطرافه، لكن من يدرس مشروع الحداثة السياسية المتمثل في بناء دولة حديثة في العراق اليوم سوف يصطدم بواقع يؤكد يوما بعد يوم انعدام الثقة بكل اشكالها بين المكونات السياسية، لابل نجد فقدان الثقة قد اصبح بين المكونات الاجتماعية المختلفة في العراق، حيث نلاحظ القوى السياسية لايوجد بينها  الثقة المطلوبة للخروج بالبلاد من الحالة المأساوية التي يعيشها حيث يسعى كل طرف  من الاطراف المتصارعة الى  سلوك مختلف السبل للحصول على اكبر قدر من مكونات القوة على حساب الطرف الاخر لابل نجد عدم اتفاق على أبسط المشتركات المطلوبة لبناء حالة من الثقة  المطلوبة لاقامة مشروع حداثوي في العراق ، هذا ما فسح المجال امام الخارج لتحقيق اجندته في العراق ،حيث لاتزال  الاطراف السياسية تجد في الدعم الخارجي ظالتها  في تعزيز موقفها في الداخل،هذا ماجعل البلاد لايعرف الاستقرار وسوف لايعرفه اذا لم يتم بناء حالة من الثقة بين مختلف الاطراف السياسية، ومن اجل تحقيق ذلك لابد من اعتماد على فضاءات اخرى لتكون حاضنة لبناء حالة من الثقة  وذلك من خلال اعطاء السلطة القضائية المجال للعمل بعيد عن الصراعات السياسية واعتمادها كمرجع محايد في البت في الصراعات بين الاطراف ،وفسح المجال امام الاعلام ليكون فضاء يبرز الحقيقة ولايصنعها ،والعمل على توزيع عادل للثروات البلاد بين جميع افراد المجتمع ،   وايضا فسح المجال امام الجامعات والاكاديميين ومراكز الابحاث لتكون فضاءات مفتوحة لبناء الثقافة العقلانية والعلمية ،وتعزيز دور الشخصيات العلميةو الرياضية والفنية .الخ التي لها قبول وطني من مختلف مكونات المجتمع العراقي لتكون مرجعية لبناء الثقة بين مكونات المجتمع العراقي ،والسعي من جانب اخر الى تعزيز ثقافة الثقة في المجتمع  بدلا من ثقافة الشك والتصارع التي اخذت تشكل جزء من السلوك الانساني في العراق .

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب