23 ديسمبر، 2024 10:31 م

الحج السياسي الى مکة القتل والدم والنكبات

الحج السياسي الى مکة القتل والدم والنكبات

عرف الأقتصاد على أنه تدبير أمور البيت وبتدخل الدولة فيه سمي (الاقتصاد السياسي) كذلك الحج إلى مكة الذي منذ تنظيمه من قبل الدولة فآستغلا له من جانب الأسلام السياسي، فأنه اصبح بحق (الحج السياسي) وفي كل موسم حج تحشد الدول جواسيسها وشعاراتها السياسية وفرقها الاعلامية لأجل توظيف الحج والحجاج لتحقيق مراميها، لذا لا غرابة ان يتسلل الفساد والأنحطاط الملازمين لسياسة النظم الفاسدة في العالم الاسلامي الى موسم الحج ايضاً على غرار تسلله إلى الحكومات والاحزاب. وتستفيد الحكومات الاسلامية ايما استفادة من تخلف الحجاج الذي في معظمهم جهلة، ولو لم يكونوا كذلك لما تدافعوا في منى تدافع الابقار في افلام الكاوبوي، ويقتل ويجرح ويفقد على أثره المئات. فحسب اسيوشيتدبريس قتل 1100 حاج علماً ان مواسم حج سابقة كانت قد شهدت اندفاعات مميتة ايضا. ولو لم يكن الحجاج شريحة رخيصة في اعين الحكام المسلمين، لما كانت الجرافات السعودية تجمعهم، مثل جمع الأزبال والنفايات و القاذورات وجثث الكلاب والقطط من الشوارع. واللافت ان الانظمة الاسلامية رغم خلافاتها الكبيرة ومعاداتها للحريات والديمقراطية وحقوق الانسان والشعوب لكنها متفقة في مسألة الحج والسبب في ذلك انها تمكنت من تسييس الحج ووضعه في خدمتها وليس لخدمة الشعوب او اداءا لفريضة الحج.

( الحاج ابخس رأسمال)

وقفت على أحصائية دقيقة، احتفظ بها، تظهر أنه بين عامي 1975 و2015 قتل في مكة 4732 حاجاً وجرح 3357 حاجاً وذلك خلال (40) سنة الماضية فقط، أي بمعدل مقتل 119 حاجاً وجرح 83 منهم في السنة الواحدة.

وهكذا فأن الحجاج لجهلهم بأمور دينهم ودنياهم فضلاً عن استهتار ولا أبالية حكامهم وحكوماتهم بما يجري من نكبات في كل موسم حج، تراهم لا يضعون الأحداث المكية المؤملة امام أعينهم ويكررون الاخطاء ابداً، ما يعني عمق وسعة أميتهم وطغيان الحكام.

ان مكة التي توصف بالمكرمة وببيت الله الحرام اي تحريم القتل فيها، اسم على غير مسمى للاسف جراء فساد وهمجية الحكام وجهل الحجاج، لأن أعمال القتل واراقة الدماء والاستغلال والتعامل مع الحجيج وكأنهم حيوانات وبهائم في هذه المدينة المقدسة، لا مثيل لها أبداً في المدن المقدسة في العالم وفي دور العبادة كافة سواء للمسلمين أو لغير المسلمين، فهي المدينة الأشد ابتلاءً بأعمال القتل والأعتداء والخطف والمظالم من أية مدينة مقدسة أخرى في العالم. ولم يكن وضع مكة الأمني عند صدر الأسلام والقرون التي تلته بافضل من وضعها في العصور الحديثة و على وجه الخصوص العصر الحالي، فعلى سبيل المثال: (هاجم قرامطة البحرين في سنة 317 هجرية مكة في موسم الحج واعملوا السيف في رقاب الجميع وآستحلوا حرمة البيت الحرام فخلعوا باب الكعبة وسلبوا كسوتها الشريفة و اقتلعوا الحجر الأسود من مكانه وحملوه إلى بلادهم واعملوا السلب والنهب في البلد الحرام وقتلوا زهاء (30) الف شخص من اهل البلد ومن الحجاج وسبوا النساء والذراري)..الخ

النص بين القوسين اعلاه منقول من كتب التأريخ

عدا ما اوردته على سبيل المثال طبعاً، هنالك أمثلة اخرى على حصول اعمال بربرية في مكة وعلى يد المسلمين بعد ظهور الاسلام مثل قصفها على يد الحصين ابن النميرسنة 64 هجرية ثم على يد جيش الحجاج من يوسف الثقفي 73 هجرية بالمنجنيق وحرقها وتنفيذ مذابح بحق اهلها..الخ من الأفعال والجرائم الشنيعة التي تقشعر لها الابدان وينتصب لهولها شعر الرأس التي نالت من كرامة وحرمة المدينة المقدسة، وبالمناسبة أذكر قولاً للأمام الخميني سبق وان ورد في أكثر من مقال لي، وهو ان العرب والفرس قبل دخولهما

الأسلام كانا قد خاضا معركتين ضد بعضهما بعضاً وبعد دخولهما الاسلام خاضا (25) معركة ضد بعضهما بعضا وفي خلال (400) سنة فقط. احقا ان الاسلام الف بين القلوب وجعلهم كالبنيان المرصوص؟

تأسيساً على قول الامام الخميني، استطيع القول، أن مكة في عصر الجاهلية كانت هادئة مطمئنة مقارنة بمكة ما بعد الاسلام، ويتبين أنه بزوال ذلك العصر، وتحطيم اصنام مكة، فأن الاخيرة انتقلت الى ساحة حرب وصدامات دموية مسلحة وتصفية حسابات والى يومنا هذا، ويلاحظ ان مواسم الحج فيها ادت الى حصول مشاحنات طائفية بين السنة و الشيعة ودولية بين السعودية وايران.. الخ.

حيال النكبة التي حلت بالحجاج في موسم الحج لهذا العام 2015 وبالاخص بالحجاج الايرانيين، فان الكثيرين انتقدوا السعودية وحملوها مسؤولية ماحدث، وأن قلة طرحوا معالجات وحلول للحيلولة دون تكرار ما حدث في المواسم المقبلة، ومن المعالجات والحلول التي استرعت اهتمامي، وبعثت على التهكم في أن، مطالبة كاتب للسعودية بالأستعانة بالخبرات الالمانية التي نجحت بتنفيذ مهرجانات البيرة التي تفام في تشرين الاول من كل عام في ميونيخ وبرلين ويحضرها اكثر من (6) ملايين انسان، كل هذا من غير أن ينجم عنها تدافع أو موت للبشر تحت الاقدام. فتصور استعانة المسلمين بخبرات مهرجانات البيرة لأنجاح مراسيم الحج في مكة !

هناك اكثر من طرف يتحمل وزر ما جرى في موسم الحج لهذا العام، وليس السعودية وحدها، ومن هذه الاطراف: الحكومات الاسلامية كافة التي لم تفكر في يوم ما بفتح دورات تثقيفية وتأهيلية للحجاج من قبل توجههم الى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج. اما الحجاج أنفسهم، فبدورهم يتحملون الكثير من المسؤولية، حين يتوجهون الى الحج تاركين وراءهم الملايين من الجياع والمعوزين من اطفال يتامى وارامل ومقعدين. وفي كردستان لم يراعي حجاجها مئات الالاف من الموظفين الكرد الذين يواجهون ضائقة مالية خانقة بسبب حجب الرواتب عنهم من طرف الحكومة العراقية، ان الاولى بالحجاج اينما كانوا ان يعلموا ان مساعدة الفقراء من شعبهم والصرف عليهم حج بحد ذاته، أو يعلم هؤلاء الحجاج المجردين من الوطنية ان غضب شعوبهم يلاحقهم وهم في الطريق لأداء فريضة الحج، وفي كل موسم حج فان لسان الجمهور العريض من الشعوب اما كان الاحسن والاشرف ان يقدم الحجاج الاغنياء العون الى شعبهم الفقير والبائس ثم التوجه الى الحج. وبالمناسبة فأن كل من يؤمن بحرية العقيدة والفكر وممارسة الشعائر الدينية ليس ابداً ضد فريضة الحج اطلاقاً. وعلى المثقفين والمتنورين بدورهم ان يثقفوا الحجاج ويطرحوا امامهم محنة شعوبهم، وهو أمر لم نقف عليه قط ومما لاشك فيه ان الحلول كثيرة، ومن الحلول التي يتقدم بها صاحب المقال، فرض ضريبة على كل حاج وحاجة تقدر بنحو 1500 دولار الى 2000 دولار، على ان تخصص الضريبة لبناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس، واني لعلى يقين ان بمقدور الحجاج دفع هذه الضريبة، والاجر عند ذاك سيكون أعظم. قبل عقود من الان كانت ارباح بطاقات اليانصيب تخصص لبناء المتشفيات في العراق، لهذا أن الضريبة المقترحة اعلاه، منصفة، وسيعطي الحجاج لانفسهم أنذاك وجهاً مشرقاً وتفتخر بهم الاجيال والانسانية. ويكونوا عند رضى الله عز وجل.

[email protected]