هناك علاقة معاشرة وحب وشوق موجودة منذ الأزل بين السماء أي المطر وبين الأرض اليابسة والإنسان لما فيه العيش والخير والعطاء , وهذا الحب الجامح والشوق الكبير يربط بعهد مقدس التزم به الإنسان والأرض إلى الأبد , وهذه.. (المطره ) بكت مرا وحاولت بدموعها أن تغسل الغبار ودخان المفخخات وتغسل وجوه بعض البشر المنافق وتغسل وجه الحياة الكئيبة وان تمنح بغداد حالها حال بقية المدن شيئا من بريق ولكن لا رجاء يبدو في هذه الأرض –بغداد – الطائفة بطفح المجاري الثقيلة الممزوجة بمطر السماء, ازدادت دموع السماء وعلى نحيب الرياح عندما جاءها خبر أن ميزانية بغداد لسنة 2013 (تريلون و500 مليار) وهي ما يعادل ميزانية – طهران –عمان –بيروت – دمشق أي أربع بلديات وان الانجازات صفر على الشمال وان نسبة انجاز المشاريع خلال 4 سنوات الماضية هي 11% وعلى سبيل المثال لا الحصر(مشروع ماء الرشيد –تصميم بغداد–تأهيل مجاري الكرخ –تجديد مشاريع الماء الصافي-مياه الصرف الصحي ) وغيرها من عشرات المشاريع المعطلة وهذا ما قاله شاهد من أهلها وعلى لسان السيدة ايفان دخيل رئيسة لجنة الخدمات في مجلس النواب.إن مغبة تردي أداء أمانة بغداد وتقصيرها في توفير الخدمات من صيانة مشاريع صرف مياه الأمطار ومشاريع الصرف الصحي بات واضحا للعيان في شوارع بغداد وأحيائها وأزقتها دليلا واضحا على الفشل مقارنة بمدن الجوار على اقل تقدير,وحيث إن تكرار نفس المأساة والكارثة التي حلت في العام الفائت وعدم اتخاذ أية إجراءات كفيلة لمواجهة الأمطار لا يمكن تفسير ذلك سوى بأنه إصرار على الفشل والتقصير المتعمد والاستهانة بممتلكات المواطنين ومعاناتهم المؤلمة وخصوصا الطلبة وكبار السن وطبقات العمال والكسبة وهل نفتخر بتصنيف مدينة بغداد ثالث أسوء مدينة في العالم حسب تقرير رابطة الشفافية العالمية بعد أن كان الشعراء يتغنون بها وبعدما كانت قبلة الأنظار في الشرق الأوسط وكانت ميزانية بغداد بالآلاف وليس بالتريلونات كما هو الآن وهل أن العجلة تسير إلى الوراء ( زمن الخمط) وزمن تصدير 900 ألف برميل يوميا من النفط وبسعر 90 دولار أمريكي….والسبب بسيط جدا هو غياب الضمير ومخافة الله والفساد المالي والإداري والقومسيونات والمقاولين بطريقة (الأقربون أولى بالمعروف).
وعندما نتصفح ديوان السياب –مطر – وقصيدته المشهورة في عام 962:
مطر…مطر …مطر…سيعشب العراق بالمطر,ولكن للأسف أصبح المطر عندنا كارثة وشر لابد منه بسبب الفساد والنهب والسلب والإهمال المتعمد في خدمات الشعب المسكين.
وهذا اقتباس من الكاتب المبدع(فلاح المشعل) في ما كتبه,هيا بنا نغرق واصفا أهازيج المطر القديمة عند الناس وفرحتهم بالخير النازل من السماء واخضرارالأرض والعشب والمراعي وغسل القلوب إن صح التعبير وكان الناس يرددون لأولادهم:
مطر مطر حيل حيل ..عبر بنات الكحيل
مطر مطر ياشاشا…عبر بنات الباشا
مطر مطر ياحلبي…عبر بنات الجلبي
وبمطره متواضعة غرق الحاج عبعوب وبلديته وغرقت بغداد أيضا بالقاذورات الطائفية للعقول والإدارات الوسخة. ويا لها من كارثة ونحن في أول الموسم(وصار راس يطگ…..راس) فكيف لو حصل لا سامح الله مثل إعصار توسانامي مثلا لتحولت بغداد حاضرة الدنيا إلى قندوز أو قندهار مثلا!!.
لا نرى حلا جذريا شافيا واستعدادا لإجراءات جوهرية لموسم الأمطار والحل هو(تعطيل الدوام ) ليوم المطر ولا نسمع سوى بعض الأعذار الروتينية المملة (وقوانات مشخوطة) ونغمات الخريف التعبانة ,وفجأة امتزج من البلدية صوت خافت انتهت اليه زخة مطر عابرة إلى تلك الأرض المتعبة وسألها- الحجي -…- (هي وكتهه هسه تمطرين ..وتكشفين المستور…أجليهه شويه للأنتخابات الجايه …خلينه أنشوف دربنه) ,.
انتهت الزخة واخذ الناس يصنعون المشاحيف و(البلامه ) للمطر القادم بإذن الله, (ويابو المشحوف تانيني….غرگان وين تريد وديني.)….وسالت السماء حينها بشجن زخة مطر أيتها الأرض الحزينة المتعبة….أيتها الأرض وماذا عن ذنوبهم وإسرافهم وتبذيرهم وتشيدهم للعمارات والمباني لأهلهم وذويهم ,ألا تخافوا الله ؟ فالله عين لا تنام ولولاه لما أمطرت عليك….!!
هل كانت بغداد هكذا عند المطر..إنها ملتقى العلماء والدارسين والفن والفنانين لعدة قرون من الزمن ولها أسماء كالمدينة المدورة والزوراء ودار السلام ومدينة ألف ليلة وليلة وتعرضت المدينة لغزوات المغول والصفويين والعثمانيين والانگيز حيث عانت المدينة الأمريين خلال فترة احتلالها والتي كان آخرها الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 …….وعاش الحجي …عاش عاش…..!!