23 ديسمبر، 2024 8:54 ص

الحجيج متّهمون وإن حجّوا , هلا تقونن ذنوبهم ..

الحجيج متّهمون وإن حجّوا , هلا تقونن ذنوبهم ..

عمليّة الحجّ إذا ما أخضعت للفكر المدني المعاصر لا تُفهم ولا تُفسّر إلاّ ك< دليل اعتراف من “الحاج” بذنوب ارتكبها لم يبح بها طيلة حياته باح بها بعد عمر قصر أو طال الى الله > هذا التعليل كما أفهمه وفق المنطق وفق متطلّبات المدنية وقوانين المواطنة ؛ يستوجب مُسائلة مرتكبو نوع من الذنوب لا تُعرف نوعيّتها من ظاهرها وإلاّ لماذا يُشدّ الرحال إليها خاصّةً و “يُشدّ الرحال للاعتراف في مكان آخر غير المكان الّذي وقعت فيه الذنوب أو الاعتداءات !” , ولغسلها بماء زمزم وغيره من طقوس معروفة .. فبحسب ما نفهم من طبيعة الترحال مقارنةً بما نعرفه عن المجتمعات المستقرّة البسيطة كالمجتمع المكّي القديم , وبغضّ النظر عن الأجدى نفعا الترحال أم الاستقرار أنّ الكعبة كانت مكاناً لفظّ النزاعات بين الأفراد أو القبائل ولتقديم المتّهم أمام الكعبة للاعتراف أو للدفاع عن نفسه من تهمة ما يقسم بها أمام بيت الله مع أداء بعض الإجهاد البدني والدعاء واللهاث بنفس ما فعلته “هاجر” فاستجاب لها الله فسيُستجاب له كذلك , ومن تلك وُلدت ظاهرة الحجّ ما يعني أنّها تقاليد على خطى هاجر وإن كانت سنويّة صلحت لمثل تلك الظروف تطوّرت من محيط ضيّق ثمّ أبعد فأبعد لحين وصل الحجّ إلى ما وصل ولعلّ الأقرب لفهم تلك العمليّة ما يقوم به الشيعة اليوم من تقليد لخطوات المأساة الّتي مرّ بها الحسين الّتي أدّت لمقتله ركض وحرق خيم ولهاث تُؤدّى سنويّاً “فيُغفر لهم” مع شتّان ما بين تلك وهذه

 الحج بدايته ؛ < برّيّة فكر قانوني بسيط ينظّم لعلاقة مشتركة ما بين المجتمع وبين خطأ لأحد أفراده وبين “الخالق”> , جدلية صراع يعيشها المنتمون لمجتمع مدني بينما لا زال بعضهم متطبّعون بطبائع القبيلة ؛ بين الأعراف كقانون لا زال يعتلج في النفوس وبين قوانين مدنيّة ؛ ليس في الحجّ فقط , في متعلّقات الزواج كذلك لا زال الكثير لا يعترف به تحت سقف المحاكم الرسميّة بقدر اعترافه الكامل بالزواج خارجها ..

لو أرادت النخبة المثقّفة عندنا الحثّ على تمتين العلاقات الداخليّة أكثر تماسكاً بتمدين الطقوس مثلاً , “لربّما سعى بعضهم منذ تأسيس الدولة العراقيّة ك”الحَجّ” لإعادة فهمه” , لكن حالة عدم استقرار مستمر يصرف النخب تلك عن ذلك وعن الكثير من بحاجة “للتشذيب لغرض التمدين” ولمعالجة جذريّة  لكلّ ما هو لا زال “برّي” .. إذ حتّى الغرب لولا “الالتزام الدولي والمصالح” لربّما لوجدنا من سينبش في إمكانيّة “تقوين” الحجّ باستغلال وجود جاليات إسلاميّة بأعداد كبيرة ستدرّ على المحامون أرباح طائلة إذا ما أدرج هذا النوع من “الاعتراف” كمادّة مسائلة قانونيّة بعد تفهّم لمغزى الحجّ في أصله , وهي برأيي فرصة لإقحام التاريخ الهجري رسميّاً في أجندة الدول الغربيّة , قد يتفهمّوا الحجّ  أسباب “ضميريّة” بلا شك لكنّها أكيد مخالفة للقوانين المدنيّة , فبدل أن يدرك الحاج أنّ مشواره الدنيوي في طيّ النهاية فعزم الذهاب إلى “غرفة الاعتراف” بيت الله للبوح بما في نفسه “بعيداً عن المسائلة القانونيّة” فالأولى تسجيل تلك الذنوب لإيجاد المعالج لها على الأقلّ , ولا ننسى أنّ الكثير من القبائل البعيدة عن مكّة قبل الإسلام كانت تبني لها بيتاً لله خاصّاً بها لغرض حجّه سنويّاً والطواف حوله وهي برأيي أتت من معالجة فكريّة لأنّ الله بالنسبة للحجيج : <قانون برّي يضبط السلوكيّات البشريّة في زمن الرحيل والترحال> أو هكذا نستطيع أن نوضّح العلاقة بين أصل القانون وبين “ظروف” الكائن البشري .. وهنا نطرح تساؤلاً ؛ من أين لهذا الكائن ذنوب اقترفها , أليست هي ممارسات غير صحيحة مع الآخرين بما <لم تستطع الضحيّة حينها جمع أدلّة الإدانة فاستغلّها “المذنب” وسط مجريات في غير صالح الضحيّة أنّبت ضمير المعتدي فيما بعد فحاول التكفير عنها بأسلوب متوارث من ذات الطبيعة التركيبيّة البسيطة> .. وهل الذنب يفسّر بغير اعتداء , سواء بحقّ نفسه أم بحقّ غيره , “من ينتحر يجرّم قانوناً” , حتّى وإن كانت الضحايا مخلوقات أخرى فأيضاً بات يحاسب على قتلها أو الاعتداء عليها القانون المدني وليس الله فقط بالغرامات وقد تصل إلى الحبس ! , إذاً فالذنوب هي الّتي برّرت قديماً “بيت” بسيط التكوين استعيض عنها بالحجّ  وهو بمثابة : “اعتراف سنوي بالذنوب , لمن يستطيع” .. 

الحجّ فريضة دينيّة لكنّها تبقى غير منقطعة الصلة بالمجتمع ؛ وإلاّ ما وصل الأمر إلى احتراف اللقب “حاج” وتداوله كلقب مضاف رغم حطأ استخدامه شرعاً .. كما وأنّ نظرة واحدة على أعداد المظلومون والفقراء والمعوزون في العالم  تعزي هذا الكم الهائل من الحجيج ! والّذي أزداد كثيراً , وما نراه من أعداد هي فقط الّذين سمحت لهم إدارة الحجيج ولو سمح لكلّ رغّاب حجّ لانهمرت أعدادهم بعشرات الملايين ..

كنّا سابقاً نرى حجيجاً يحجّون دون أن نعرف من هم ومن أين ولماذا وماذا في داخل نفس كلّ منهم ولا كمّيّة الذنوب الّتي يسعى أحدهم في حجّه التخلّص منها “بحيث يعود كما ولدته أمّه” ولم يكن في خلدنا أن يصل منهم إلى أعلى درجات السوء كالحجيج الّذين تسلّموا مناصبهم رأس هرم السلطة عندنا “بغير وجه حق” فبكلّ سنة حجّ لهم ؛ لا تعني بالنسبة لنا سوى سنة مأساويّة مضافة في حياة العراقيين عاثوا بأموال البلاد والعباد ما مسجّل بالصوت وبالصورة وليس عند الله فقط ولا يمكن أن يغفر لهم الله ولو حجّوا طيلة حياتهم حتّى يُعيدوا ما بذممهم من سرقات وقسم منهم له برقبته دماء غزيرة سالت .. هذه القصور الفخمة الخاصّة الّتي انتشرت في أرقى أماكن العاصمة وفي بقيّة المدن لمن تعود ؟ وكيف حصلوا على قطع أراضيها .. هؤلاء نحن نعرفهم فكم يا تُرى أعداد الّذين لا نعرفهم تمتلأ بهم أرض الحجاز أتوا “من كلّ فجّ عميق” وبرقابهم كالّذي برقاب مسؤولونا وربّما أكثر .. برأيي مسائلة المرشّح لأداء فريضة الحجّ عن سبب أداءه الفريضة كإجراء روتيني حاليّاً إجراء في محلّه ولأسباب كثيرة أصغرها إحاطة الحجيج علماً أنّ هناك صلة تربط الفريضة قانونيّاً بالمجتمع فالاعتراف أمام الله لا يعني أنّ الله بمعزل عن المجتمع  ..