23 ديسمبر، 2024 6:43 ص

الحب عند الطبيب الأيرلندي

الحب عند الطبيب الأيرلندي

طبيب الأعصاب الذي يحترف مهنته منذ ربع قرن، اكتشف ثمة علاقة قوية بين ممارسة الحب والقلق! فكلما كان الرجل متوترا كان أكثر عطاء في الجنس.

منذ ما يقارب العقد أعرف صديقي “المفترض” طبيب الأعصاب الأيرلندي الذي يشاركنا الجلسة أسبوعيا في مقهى المسرح المحلي، نتحدث في كل شيء إلا الاستشارات الطبية! عرفت ذلك عند سؤاله قبل سنوات عن علاقة الأعصاب بالذاكرة، فلم أحصل منه غير إجابة متهربة لا معنى لها، أدركت بعدها أن الرجل يرفض إشاعة نصائحه الطبية المجانية ولا يقبل إعطاء استشارات حتى لأقرب أصدقائه، إنه يجالسنا للحديث في كل الأمور إلا كونه طبيبا استشاريا!

فاجأني مرة أنه اقتطع صفحة من صحيفة الغارديان في عددها الأسبوعي عندما نشرت صورة على مساحة صفحة كاملة لمقبرة النجف في العراق بوصفها أكبر مقبرة في العالم على مر التاريخ، قال هل لك أن تعطيني تفسيرا لذلك؟ كانت الصورة مبهرة حقا، لكنني عجزت أن أفسر ذلك له، ليس وفق ما يؤمن هو كطبيب متحفظ على مهنته خارج عيادته، بل لأن الصورة شاسعة أكبر من الموت نفسه ومن اللغات برمتها.

الأسبوع الماضي حدث ما يفاجئ كل الأصدقاء الحاضرين عندما بادر الطبيب الأيرلندي بالحديث عن الطب، كانت المفاجأة مثيرة إلى درجة جعلتني أتأمل وجوه الحاضرين السبعة التي بدت شغوفة أكثر مما ينبغي، بمن فيهم صديقنا الممثل المسرحي الذي يحب أن يتكلم دائما!

لقد اكتشف طبيب الأعصاب الذي يحترف مهنته منذ ربع قرن أن ثمة علاقة قوية بين ممارسة الحب والقلق! فكلما كان الرجل متوترا وعصبيا كان أكثر عطاء في الجنس! قال ذلك بناء على دراسة استمرت عدة أعوام على مرضاه.

لم يجرؤ أحد من الحاضرين بمن فيهم أنا مناقشة ذلك من الجانب الطبي الذي يتحدث فيه، لكننا أجمعنا على سؤال تقليدي واحد كيف للمتوتر أن يحب وهو غير قادر على السيطرة على نفسه!

قال إن الجنس غير الحب! إنه يتحدث عن المصابين بالانفعال الدائم وطبيعة أجسادهم المهيأة لممارسة الجنس بشكل دائم.

كان بودي لحظتها أن أجد نسخة مترجمة إلى الإنكليزية من رواية الراحل فؤاد التكرلي “اللاسؤال واللاجواب” وأقدمها للطبيب لأن فيها ما يؤكد صحة الكلام الغريب الذي تحدث عنه.

فعبدالستار بطل الرواية عاد إلى زوجته زكية مصابا بضربة على رأسه بعد رحلة عمل ليلي شاق في سيارة الأجرة، وأقدم على ممارسة الحب بقدر الألم الذي يعاني منه! ويا للغرابة. هكذا كتب التكرلي “أنه يشبه تغييرا وقتيا في مستويات الحياة المعيشية، نحيا تارة بذاكرة، ثم نحيا تارة أخرى دون ذاكرة. نحيا في زمن يسلسل الأمور منطقيا، ثم نحيا والزمن غائب، وقد غابت معه سلسلة الأسباب والمسببات”.
نقلا عن العرب