أثار مقالي الموسوم ” في الحب والجنس والزوايا الثلاث ـ مقدمة سيكولوجية ” والمنشور على صفحات المواقع الالكترونية العديد من الملاحظات, سواء من خلال الردود المباشرة في ذات المواقع التي نشر فيها, أو من خلال الردود التي استلمتها مباشرة عبر بريدي الالكتروني, وخاصة تلك الملاحظات التي لا تسمح بقراءات متعددة لظاهرة الحب وتحصر الحب فقط في إطار قراءة أحادية الجانب, كما جاءت بعض الملاحظات أشبه بحالات وعظ ملائية متشنجة تنصحني بقراءة الكتب المقدسة. ولهذا واستكمالا لموضوعي السابق و الآنف الذكر, سأضع الحب في ثلاثيته المحكمة: علم النفس والثقافة والدين, لكي تتضح هنا ظاهرة الحب بشيء من التفصيل, ولعلي في هذا اشبع الرغبة المعرفية للقارئ الكريم لمزيد من الفهم !!!!.
في علوم الدماغ كما هو الحال في السيكولوجية المعاصرة فأن الأسس المادية للحب تكمن في الدماغ وليست في القلب كما صوره الشعراء والأدباء والفنانين في مختلف اهتماتهم, وما القلب إلا سوا عضلة تدفع بالدم إلى مختلف أجزاء الجسم, أما الدماغ فهو كما معروف علميا اليوم مركز الانفعالات والعواطف ومصدرها, ولكن ذلك لا يجري في منطقة متخصصة تخصصا متحجرا بذاتها, بل مجموعة من التراكيب الدماغية ترتبط ببغضها ارتباطا دينامكيا, يطلق عليها علماء الفسيولوجي وعلماء النفس فسيولوجي بالجهاز الانفعالي أو يطلق عليها تحديدا بالجهاز الطرفي, وهذه المجموعة لا تقوم بوظيفتها منفصلة , ولكنها ترتبط بالقشرة الدماغية كما ترتبط بالغدة النخامية ذات الريادية وسيدة الغدد في الجسم, وتوجد أسفل المخ, في قاع الجمجمة. وعندما يرى الشخص محبيه فأن الرؤية تمر عبر جهاز الأبصار إلى قشرة الدماغ البصرية التي تستخرج من خزين الذاكرة ما يرتبط بالشخص المحبوب من انفعالات وأفكار, فتتولد الأيعازات أو الشحنات العصبية التي تحفز الجهاز الانفعالي الذي ينشط فيولد انفعالات تسري في أجهزة الجسم المختلفة, ومنها القلب الذي يختل إيقاعه فتزداد ضرباته, وهذا كله يحدث في سرعة استثنائية خاطفة, مما جعل الشعراء والفنانين يتحدثوا عن القلب باعتباره مصدر الحب لا على الدماغ !!!!
وترتبط أيضا بالمنظومة الدماغية المذكورة أعلاه وتتحكم بمجمل التغيرات والإفرازات الهرمونية المصاحبة لحالات الحب. فقد أكدت عالمة الانثروبيولجيا ” هيلين فيشر ” من جامعة روتجيرز في ولاية نيوجرسي الأمريكية, أن هناك ثلاث مراحل للحب تخضع لتأثيرات هرمونية وكيميائية متنوعة, وهي كالأتي:
المرحلة الأولى: وهي الرغبة وتكون عادة مدفوعة بالهرمونات الجنسية التستوستيرون والاوستروجين عند كل من النساء والرجال.
المرحلة الثانية: وهي الانجذاب, وهي المرحلة الأكثر رونقا في الحب وذلك عندما تدرك أنك وقعت في الحب ويصبح تفكيرك بالأشياء الأخرى أقل أهمية. وهذه المرحلة بالذات تكون متأثرة بثلاث أنواع من الهرمونات الأساسية, وهي: هرمون الأدرينالين حيث تزداد نسبته في الدم والكورتيزون في المراحل الأولى للحب, فالادرنيالين لديه التأثير الكبير, أي عندما يلتقي الحبيب حبيبه يشعر بالتعرق وتسارع نبضات القلب وجفاف الفم. ثم هرمون الدوبامين, حيث اكتشفت الباحثة المذكورة أعلاه, أن الذين وقعوا في الحب لديهم مستويات عالية من هرمون الدوبامين, هذه المادة الكيميائية تحرض ” الرغبة والمكافأة ” عبر إثارة اندفاع قوي وشديد للمتعة, أن هذا التأثير ذاته يحصل للدماغ عند تناول المخدرات , وقالت الباحثة ” هيلين فيشر ” أن الشريكان يظهران إشارات ارتفاع وتدفق الدوبامين زيادة في الطاقة وحاجة اقل إلى النوم والطعام وتركيز الاهتمام على التفاصيل الدقيقة لهذه العلاقة الناشئة. وثالثا هرمون السيروتين الذي يفسر ويجيب على التساؤل لماذا عندما تقع في الحب فأنك لا تتوقف عن التفكير في حبيبك دون باقي الأمور التي تجري حولك.
المرحلة الثالثة: وهي التعلق بالشخص الآخر, وهو الوثاق القوي الذي يجعل الشريكين يستمران معا لفترة كافية لأنها تجعلهم يتأقلمان معا أو ينجبان الأطفال ويربيانهم. ويعتقد علماء النفس أن هناك نوعين من الهرمونات الرئيسية هما المسئولان عن هذا الإحساس بالتعلق, وهما الاوكسيتوسين والفاسوبرايسين. بالنسبة لهرمون الاكسيتوسين أو ما يسمى ” بهرمون العناق ” وهو هرمون قوي ينتج لدى النساء والرجال خلال ممارسة العلاقة الحميمة, ويزيد هذا الهرمون من عمق العلاقة ويعزز الشعور بالتعلق بالآخر, وهو يجعل الشريكين إنهما قريبان من بعضهما البعض أكثر بعد تلك العلاقة. والاوكسيتوسين أيضا يساعد على تقوية الرابطة بين الأم والطفل ويتحقق ذلك خلال الولادة, وهو مسئول أيضا عن در الحليب عن در حليب الأم بشكل تلقائي لدى سماع صوت طفلها. وقد أكدت الباحثة ديانا ويت في علم النفس من نيويورك من خلال أبحاثها الميدانية انه إذا منع توقف الإنتاج الطبيعي للاوكسيتوسين لدى الفئران والخرفان فان ذلك يؤدي إلى أن أنهم يرفضون صغارهم. وبالعكس فأن حقن الاوكسيتوسين في إناث الفئران والتي لم تمارس الجنس أبدا يجعلها تتودد إلى صغار أبناء الأنثى الأخرى وحمايتهم ورعايتهم كمل كانوا صغارها. أما هرمون الفاسوبراسين وينتج هذا الهرمون بعد ممارسة العلاقة الحميمة ويطلق عليه أيضا ” الهرمون المضاد لإدرار البول ” ويعمل مع الكلية من اجل السيطرة على العطش, وقد اكتشف دوره المهم في العلاقات عندما كان العلماء يجرون التجارب على الفئران. وقد اتضح لهم أن الفأر ينغمس في الجنس ليست فقط بقدر حاجته للإنجاب, بل إن الأمر ابعد من ذلك. وعندما تم حقن ذكر الفأر بمخدر يقمع تأثير الفاسبوراسين, فأن صحة الفأر تدهورت وخاصة علاقته بشريكيه كما لو أنهما خسرا الوفاء والإخلاص لهذه الرابطة وفشلا في حماية بعضهما البعض !!!!.
واستنادا إلى البنية الدماغية والهرمونية فأن الحب نحو الآخر لا ينشأ دفعة واحدة منذ الصغر, بل يمر بمراحل إنمائية مقننة أسوة بالوظائف النفسية والعضوية الأخرى. وبداية عند نشأة الطفل الأولى يكون متمركزا حول ذاته, فهو لا يشعر إلا بنفسه وبحاجته هو دون غيره, فعندما تنتابه حالات الجوع أو العطش أو الخوف يبعث إشارات إلى المحيط القريب وخاصة الأم لغرض إشباع تلك الحاجات المختلفة وطمأنته, وأن لم تشبعه الأم فهو يرتبط بأي شخص آخر يشبع تلك الحاجات, وهذا النوع من الارتباط هو نوع من الحب من اجل الذات أو النفس من اجل البقاء, ويسميه علماء النفس ” بالنرجسية الأولى “, أي حب الذات الأولى, وهو غريزي من اجل ضرورات البقاء !!!.
ويظل الطفل في منأى عن حب الآخرين ومتمركزا حول ذاته إلى أن يدرك أن هناك دائرة قريبة من الروابط الضرورية, كالأم والأب والأخوة, إلا انه يبقى يصارع أنانيته في محاولة للإبقاء عليها, وراغبا أن يكون هو مركز الاهتمام, وكل الأشياء من حوله , من لعب وممتلكات وحلوى وغيرها له وحده فقط, إلا أن الأم هنا والقريبين منه يتدخلون في إيجاد حالة من التوازن من خلال تشجيع الطفل على منح جزء من هذه الامتيازات إلى الآخرين, من أخوته مقابل الحصول على الثواب, كالحصول على المزيد, أو الحصول على رضاء الأم وحبها له, مقابل تنازله جزئيا عن حبه لنفسه ومنحه للآخرين. وهكذا يحوز الطفل على القبول الاجتماعي داخل الأسرة وخارجها بالتنازل عن جزء من حبه لنفسه, وهو ما نسميه ” بالمرحلة النرجسية الثانية “, وتعني حب النفس من خلال الحصول على الحب من الآخرين !!!!.
ومع مرحلة البلوغ المتزامنة مع عملية النضج الفسيولوجية والدماغية والهرمونية ـ الجنسية يشتد ميل الفرد إلى الجنس الآخر, إلا انه يتعلم من المجتمع أن الميول الجنسية والتعبير عنها بشكل مباشر هو شيء محظور وضمن دائرة التابو الشديدة, وبالتالي فالمقبول هنا هو الحب كبديل مسموح به نسبيا وفقا للثقافة السائدة, ومعبرا عن الميول نفسها, فالحب هنا معبرا عن الميول والغرائز التي بدأت ملامحها تنضج بعد البلوغ, ومن الممتع أحيانا أن توجه هذه المشاعر إلى بنت الحارة التي كان يلعب أو يتخاصم معها شاب اليوم قبل البلوغ, ويمارس معها شتى وسائل الزجر والضرب, أي أن ما يحصل هنا من تغير موقفه هو بفعل تأثيرات هرمون الذكورة الجنسي ” التستوستيرون “, ولو أعطي الشاب الهرمونات الأنثوية ” الاستروجين والبروكستيرون ” لتغيرت مواقفه وبدأ يبحث عن شريك مطابق لجنسه !!!!.
أن تفسير الحب على أساس الدافعية الفردية والحاجة النفسية لإشباعه, ومن ثم ارتباطه الوثيق بالدافع الجنسي في مراحل لاحقة من النمو يجد تفسيره في مدرسة التحليل النفسي الكلاسيكية بزعامة فرويد( 1856 ـ 1939 ) بشكل أكثر تشددا ومباشرة, حيث يؤكد فرويد انه لا وجود للحب أصلا, بل ما موجود هو دافع جنسي أضل طريقه فاختفى وراء ما يسمى ” بالحب “. وتتم آلية الحب هذه وفقا للصراع ومحاولة الانسجام بين الأجهزة النفسية الثلاثة ” ألهو ـ الأنا ـ الأنا العليا ” كما يراها فريد. حيث يقوم ” ألهو ” وهو مستودع الغرائز الطبيعية الخالصة بدفع الفرد إلى إشباع غريزته الجنسية بأي شكل من الأشكال وكيف ما اتفق, ” فألهو ” لا يعرف حلال أو حرام ولا يعبه بالتقاليد والعادات والقوانين السائدة, ومن هنا يأتي دور ” الأنا العليا ” والتي تقف بالمرصاد وتحذر الفرد بخطورة ما يريد أن يقدم عليه, والأنا العليا هنا هي مجموعة الأوامر والنواهي والممنوعات الناتجة عن الثقافة والعادات والدين وغيرها, وتحاول منع الغريزة من الإشباع المباشر. وبالمقابل ونتيجة الضغط المتواصل من ” ألهو ” تتدخل ” الأنا ” وهي شخصية الفرد نفسه, لإيجاد حالة من التوازن أو التحايل أو التكيف مع الوضع الجديد وللتوفيق بين مطالب ” ألهو ” وموانع ” الأنا العليا ” من ناحية أخرى, وذلك عن طريق هذا الذي اخترعه الفرد وأسماه ” الحب “, وهو في الحقيقة لا وجود له, وما هو إلا جنس مقموع لم يجد سبيله للتنفيذ, ويجب الإشارة هنا أن هذه العملية تتم بطريقة لاواعية ولا شعورية !!!!.
أن التطرف الفرويدي في إقصاء الحب ناتج من نظرة فرويد للإنسان باعتباره كائنا بيولوجيا بالأساس, وبالتالي فأن الحب لديه ظاهرة جنسية خالصة تستند إلى مبدأ اللذة, وقد أكد أن الإنسان وجد بالتجربة أن الحب الجنسي التناسلي يزوده بأعظم جدارته, حتى لقد أصبح في الواقع نمط جميع السعادة بالنسبة له. ولا بد لهذا أن يندفع الإنسان للبحث عن السعادة أكثر عبر دروب العلاقات الجنسية, لكي يجعل من الشبق التناسلي النقطة المحورية لحياته. وبذلك يصبح الحب الجنسي في المنظور الفرويدي تعبيرا ظاهرا يستر في أعماقه اللاشعورية غيرة وتنافسا لا ينطفئان. وهذه الغيرة المتبادلة والمنافسة سوف تستمران حتى لو اختفت كل المبررات والأسباب الاجتماعية والاقتصادية المسببة لها !!!!.
ورغم هذا الموقف المتطرف من قبل فرويد في تأكيده على الدافع الجنسي أولا, إلا أنه بالتأكيد أن البحث العلمي إلى اليوم لا يزال يؤكد أن الدافع الجنسي قابل للبحث والقياس والتحليل من حيث أسسه التشريحية والفسيولوجية والهرمونية وتأثيراته المختلفة, أما الحب فلازال في الكثير من آليته افتراضية ومتأثرة بالدافع الجنسي. وحتى ما ذكرته الانثروبيولوجية الأمريكية ” هيلين فيشر ” من مراحل للحب وما تصاحبه من تغيرات هرمونية فهي تحمل بصمات الدافع الجنسي أو الحب الجنسي بشكل أو آخر. كما أن هذه الآلية الهرمونية هي ليست اختصاصا متحجرا للحب, بل يسري أثرها في الكثير من الحالات الانفعالية والنفسية والفسيولوجية في أطار عمل متبادل نقيضي للمجموعة العصبية السمبثاوية والباراسمبثاوية وما تصاحبها من تغيرات هرمونية !!!.
كما يجب الإشارة هنا إلى أن الفرويديين الجدد أو اليسار الفرويدي وخاصة بزعامة اريك فروم ( 1900 ـ 1980 ) الذي تأثر بالفكر الماركسي, فقد تجاوز الخطاب الكلاسيكي الفرويدي عن الحب مؤكدا أن جذور الحب تكمن في الحاجة إلى الانتماء , وذلك أن الإنسان عندما أصبح إنسانا قد تمزقت لديه عرى الوحدة الحيوانية الأولية بالطبيعة, وأصبح على الإنسان أن يخلق علاقاته الخاصة به, وأكثرها تحقيقا للإشباع هي تلك القائمة على الحب. ويؤكد اريك فروم في كتابه ” فن الحب ” أن ماهية الحب هي ” الرغبة للاندماج مع شخص آخر وهي أكبر توقانا لدى الإنسان. إنها أشد عواطفه جوهرية, أنها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكا وكذلك القبيلة والأسرة والمجتمع. والفشل في تحقيق هذا الاندماج يعني الجنون والدمار للذات أو الدمار للآخرين. بدون حب ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يوما واحدا ” !!!.
وتتوزع موضوعات الحب خارج أطار تقسيمها على أساس الدوافع إلى مجالات مختلفة يصعب حصرها, استنادا إلى الموضوع أو المجال أو الشخص المحبوب وتشمل: حب العلم, وحب الوطن, وحب الإخوة والأصدقاء والأبناء, وحب الإنسانية, وحب الوالدين, وحب ممارسة الألعاب الرياضية, وحب الآداب والفنون, والحب العاطفي, وحب الانتماء إلى تجمع ما, وغيرها من مظاهر الحب التي لا حصر لها, وهي تسع على قدر سعة مجالات الحياة !!!.
أما في الثقافة العربية فقد عرف الحب حق معرفته في الأشعار والفنون والقصص التاريخية, الواقعية منها والخيالية, وشكل محور أساسيا في حياة الناس اليومية قبل الإسلام وبعده, ولعل في شعراء الغزل ما يؤكد ذلك, ويعبر عن الحاجة الماسة للالتحام والتواصل بالجنس الآخر. ويضع العرب الحب في مستويات مختلفة ولكل مستوى أسم دال عليه, ويعبر عن مدى التعلق بالحبيب وعمق المعاناة الناتجة من ذلك. ولعل أبرز هذه المسميات هي:
1 ـ الهوى: ويقصد به ميل النفس, وفعله هوى, يهوى, أي التوجه إلى المحبوب.
2 ـ العلاقة: وتعني أن الحب يلزم صاحبه, وهي تعلق النفس بالمحبوب.
3 ـ الكلف: وهي شدة التعلق والولع, وأصل الكلمة من الكلفة وهي المشقة.
4 ـ العشق: وهو فرط الحب, أو عجب المحب بالمحبوب مقترن بالشهوة.
5 ـ الشغف: وهو مأخوذ من الشغاف الذي هو غلاف القلب, وتعني الحرقة التي يجد فيها المحب لذته في الحب, ومثلها اللوعة.
6 ـ الجوى: وتعني الهوى الباطن وشدة الوجد من العشق.
7 ـ التتيم: وهو أن يستعبده الحب.
8 ـ الوله: وهو ذهاب العقل في الهوى.
9ـ الوله: وهو ذهاب العقل في الهوى.
10 ـ الصبابة: رقة الشوق في الحب.
11 ـ الوجد: وهو الحب الذي يتبعه مشقة في النفس والتفكير فيمن يحبه والحزن دائما.
12 ـ الشوق: وهو سفر القلب إلى المحبوب وارتحال عواطفه ومشاعره, أي نزوع النفس إلى الشيء.
13 ـ الوصب: وهو ألم الحب ومرضه.
14ـ الود: وهو خالص الحب وألطفه وأرقه.
15 ـ الخلة: وهو توحيد المحبة, وهي رتبة لا تقبل المشاركة.
16 ـ الغرام: وهو الحب اللازم للشخص والمقصود به التحمل.
17 ـ الهيام: وهو جنون العشق, وهو يصل بالعاشق إلى الامتناع عن الأكل والشرب والنوم لدرجة تؤثر على صحته النفسية والجسمية, وأصل الكلمة هو داء يصيب الإبل فلا ترعى.
18 ـ الافتنان: وهو حب لحالة الحب أكثر منه حب للشخص ذاته, ويأتي عفويا وفجأة.
أما في الأديان السماوية وغير السماوية فقد ورد الحب ودلالته ومجالاته بتفصيلات كثيرة في أطار التوصية به في التعاملات اليومية, أو في ممارسة الطقوس الدينية, أو بالتلويح بعقوبة الحرمان منه. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ورد ذكر الحب صريحا في القرآن مباشرة في ( 76 ) آية, عدا الحالات الضمنية الغير مباشرة والتي تشير إلى معنى الحب. وأذكر هنا فقط نماذج منتقاة من بعض الآيات: في سورة البقرة, الآية ( 305) ” والله لا يحب الفساد “, وفي سورة آل عمران, الآية ( 32 ) ” قل أطيعوا الله والرسول فأن تولوا فأن الله لا يحب الكافرين “, وفي سورة النساء, الآية ( 107 ) ” أن الله لا يحب من كان خوانا أثيما “, وغيرها من النصوص الكثيرة التي تشير إلى التعامل بالمحبة والرحمة مع الأولاد والزوجة وذوي القربى., وكره الإسلام فكرة الانفصال بين الزوجين ووضع لذلك شروطا محدد.
وفي المسيحية شكلت رابطة الحب من الروابط القوية في الكتاب المقدس, ولعل من مؤشرات ذلك هو عدم جواز الطلاق والقسم بإبقاء العلاقة بين الزوجين إلى النهاية, وعدم السماح بتعدد الزوجات, والحب في المسيحية من أجمل الروابط البشرية التي تجمع الرجل والمرأة بمباركة من الله, ونجد نظير ذلك في الكثير من الأديان والشرائع السماوية.
وقد ربطت الأديان السماوية ربطا محكما بين الحب والزواج, ولم تسمح بممارسة الحب أو الحب الجنسي خارج أطار شروط المؤسسة الدينية وفي أطار العلاقات الزوجية حصرا, وبهذا اعتبر الحب وممارسته من المحرمات قبل العلاقة الزوجية. يقول النبي محمد ( ص) ” لم يرى للمتحابين مثل التزوج “, وبالتالي فالحب هنا هو حب بين الزوجين والمتزوجين فقط. ومن هنا أيضا اعتبر الامتناع عن الحب قبل الزواج احد مصادر العفة للرجل والمرأة, كما ورد في حديث آخر للنبي محمد بقوله ” يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر, وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء “. ومن هنا دخل الحب في مجتمعنا في دهاليز السرية شبه التامة خوفا من العقاب الديني والاجتماعي !!!.
وتبقى هنا مسألة العفة والطهارة من أكثر الموضوعات حساسية في ضوء ارتباطها بمفهوم إشباع الدوافع الإنسانية ومنها دافع الحب. ففي المجتمعات الأوربية تفهم العفة والطهارة ليست بعدم الإشباع لدافع الحب والجنس, بل في إعادة صياغة هذه العلاقة بين الذكر والأنثى على أسس مقبولة اجتماعيا تنسجم مع جوهر التغيرات الفكرية و الاجتماعية والاقتصادية والتقنية والحضارية, وقد قطعت هذه المجتمعات شوطا في إيجاد علاقات بين الجنسين تتمتع بزخم وقبول اجتماعي, وإيجاد معايير أخرى للعفة والطهارة خارج أطار الدافعية للحب, كالصدق والأمانة والوفاء واحترام القوانين وعم التجاوز على حقوق الغير وحريتهم والحكم بالعدل والنزاهة الشخصية من الفساد بمختلف مظاهره الضارة للمصلحة العامة !!!.
أما العفة والطهارة في المجتمعات العربية والإسلامية عموما فظلت متأثرة بالمؤسسة الدينية أكثر مما تتأثر بظروف الحياة العامة والتغيرات الجارية وتأثيراتها على إعادة صياغة العلاقة بين الجنسين, ولا يزال النظر إلى الحب و ممارسته من مؤشرات السمعة غير الطيبة, وإفساد للمجتمع وللعلاقات الاجتماعية, ويبعد الفرد عن طريق الصواب ويضيع وقته سدا, وجهل للدين وقلة الحياء من الله باعتباره هو المحبوب الأعظم ومنه تتفرع أنواع المحبة الأخرى ” حسب التفسير الديني “. وهكذا يعيش الشباب اليوم في مجتمعاتنا وسط موجات من الصراع والضغوطات النفسية الهائلة في عالم منفتح على مصراعيه, وفي ظل تغيرات عارمة تعيشها, تجرف مجتمعات بكاملها, مع بقاء الكثير من مؤسساتنا الاجتماعية عاجزة عن احتواء هذه التغيرات والإلحاق بها بما فيها المؤسسة الدينية المتشددة, والتي تغذي الإرهاب ولا تغذي الحب !!!!