18 نوفمبر، 2024 12:59 ص
Search
Close this search box.

الحبّ يصنع الأعاجيب

الحبّ يصنع الأعاجيب

حين يكون الانسان الشجاع واثقاً من نفسه ، مطمئناً لعدالة قضيته ، مؤمناً حق الايمان، بضرورة الانتصار للحق والقيم الانسانية والرسالية، يتخطى الحدود التقليدية في ما يُقدم عليه من مبادرات وممارسات .
إنّ الحب الذي اشتعل في قلبه ، يجعله يصنع الملاحم والأعاجيب …
انه يقتحم أسوار التاريخ، ويضيف الى معادلات البطولة شيئاً جديداً، يُدخله في أعماق ذاكرة التاريخ ،ووجدان الأحرار، ويبني له مجداً لايُضاهى ، ولا يُنسى …
انك تستطيع أنْ تلمح قائمة كبار الشجعان الرساليين، تتصدر قوائم الفرسان الخالدين ، الذين ينتزعون من الأجيال المتعاقبة ، اعجابها وتقديرها الكبيريْن ، بكل جدارة …
وهذه هي الحياة الحقيقية، التي امتلكها الشهداء بتضحياتهم الفريدة ومواقفهم المجيدة .
وفي طليعة شهداء الاسلام الخالدين، الصفوة الطاهرة ممن جاهد وقاتل حتى سقط مضمخاً بدمائه يوم الطف بين يديْ ابي الاحرار الامام الحسين (ع) .
انهم تألقوا في سماء الخلود ، كواكبَ ساطعة ، وبدوراً لامعة لايخبوا لها إشعاع .
-2-
ومن هذا الطراز الرفيع من الابطال (عابس بن شبيب الشاكري)
وقد جاء في ترجمته أنه :
(كان رجلاً عابدا ، متهجداً يُحيي الليل بالعبادة )
و (كان رئيساً شجاعاً خطيباً)
و(من المخلصين بولاء أهل البيت ع )
وكان يقال لعشيرته (بني شاكر) :
فتيان الصباح ،
وكانوا من شجعان العرب .
-3-
حين قدم مسلم بن عقيل الى الكوفة وبايعه ” ثمانية عشر ألف ” مبايع، كان عابس في طليعتهم .
لقد وقف خطيباً فقال :
( اني لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرك منهم، والله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه ،
والله لأُجيبنكم اذا دعوتم ،
ولأقاتلنّ معكم عدوكم ،
ولأضربَنَّ بسيفي دونكم حتى ألقى الله ،
لا أريد بذلك الاّ ما عند الله }
أرأيت كيف تَنَبَأ بخذلان الكثرة الكاثرة ممن بايع مسلم بن عقيل، ثم نكص على الأعقاب ؟!
انها قراءة سياسية واجتماعية فريدة جعلت عابساً يقول :
(اني لا أعلم ما في أنفسهم ) 
والسياسي عندي :
هو من يقرأ الحدث قبل وُقُوعِهِ
وهكذا كشف (عابس) عن بُعْدٍ جديد في شخصيته
انه ليس عابداً وخطيباً وشجاعاً فحسب ، بل انه في قمة الوعي السياسي ، والقدرة علىقراءة الخارطة السياسية وتضاريسها ..
-4-
وعابس ، هو الذي حمل كتاب مسلم بن عقيل، بعد أنْ أخذ البيعة من الكوفيين للامام الحسين، الى مكة ومعه مولاه شوذب، وعادا مع الحسين الى كربلاء .
-5-
وحين خرج للبراز يوم عاشوراء، تحاماه المقاتلون في المعسكر الأموي فنادى :
ألا رجُلٌ ؟
ألا رَجُل ؟
فقال ابن سعد :
أرضخوه بالحجارة من كل جنب، فلما رأى ذلك ، ألقى دِرْعَهُ ومغفره ، ثم شَدَّ على الناس،
 يقول الراوي :
(رأيته يطرد أكثر من مئتين …)
ثم تعطفوا عليه من كل جانب …
ولم يزل على هذا الحال يقاتل، حتى أثخنته الجراح مِنْ رَضْخِ الحجارة ، وطعن الأسنة …”
وحين استشهد ادّعى قَتْلَهُ رجال عديدون .
هذا يقول أنا قتلتُه ،
وهذا يقول أنا قتلتُه ،
فقال عمر بن سعد :
لاتختصموا
هذا لايقتله سنان واحد ..!!
-6-
لقد وقف (عابس) أمام الحسين يوم عاشوراء وقال :
” ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولا بعيد أعزّ عليّ منك ،
ولو قررتُ أن أدفع الضيم عنك بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت..!!
انه وَصْفْ بالغُ الروعة لما انطوى عليه (عابس) من وَلَهٍ وحبّ عارم للحسين (ع) – إمام الهدى ، ومصباح الدجى ، والفاتح العظيم-
-7-
وحين ألقى (عابس) درعه ، وشدَّ على القوم مجرداً عن درعه أثار التعجب والاستغراب ، فكيف يُقدم على ذلك ، والمعركة حامية الوطيس ، تطيح بالرؤوس وتطحن الأبطال ..
اتدرون ماذا كان جوابه :
قال لهم :
(إنّ حُبَّ الحسين أجنني )
وهكذا يصنع الحبّ الأعاجيب .

[email protected]

أحدث المقالات