الجعة، وهي ما تسمى كذلك في العربية، وهي المشروب الأكثر شعبية على مستوى العالم، وقد يعتبر على إنه ثالث مشروب يستهلك على الارض، بعد الماء والشاي. ويعتقد الباحثون إنه أول مشروب مخمر صنع في التأريخ. إذ تتحدث كتب التأريخ ، إنه في الكتابات الأولى، هناك حيّز فيها عن صناعتها، وتجارتها، فقد جاء في شريعة حمورابي، ما ينص على تنظيم بيع الجعة، التي تسمى بالإنكليزية البيرة، كما يعلم الجميع، وهي التسمية الأكثر شيوعاً في العالم. وكذلك ورودها في تراتيل ” نِكاسي ” آله الجعة عند السومريين، وهذه التراتيل، نوع من الصلوات الإلآهية، التي إحتوت إرشادات على كيفية صنع الجعة، وإستخلاصها من مادة الشعير، أو الحنطة، أو كليهما. وقد يتبادر الى الذهن ان هذا موضوعاً عن الجعة، البيرة كما أفضل تسميتها، لشيوع هذه المفردة، رغم إنه إختراع عراقي بإمتياز، لا جدال حوله، لأنها مكتشف عراقي ” سومري”. ولكن الموضوع هو شيء آخر، وهو عن علاقة الحبوب، الحنطة، والشعير، والرز الذي يتناوله السومريون، سياحاً ” خبزة جنوبية” مع السمك، ومازال قائماً لدى المجتمع العراقي منذ آلافٍ من السنيين، ولحد الآن.
قبل عام ٢٠٠٣ كان لدى العراقيون، نظام بذور مركزي، قام بتطوير أنواع متعددة من أنواع الحبوب، وعلى وجه الخصوص، أنواع متعددة، من كل أصناف القمح المعروفة اليوم. وهذا يعني أن الفلاحين العراقيين، قد قاموا بالمحافظة على ذلك النظام، من خلال حفظ البذور، والمشاركة مع الآخرين، في إعادة زراعتها، مرات متعددة. فلقد كان لدى العراقيين، بنك بذور، تعود بعض أصنافه الى آلاف من السنيين. حافظوا عليها، كما حافظوا على أنواع التمور، وأنواع الأسماك، والطيور. وكانت لدى العراق مراكز زراعية، وبحثية، متخصصة، لديها قدرة علمية، وفنية متميزة، إستطاعت أن تحافظ من خلالها على موجودات نظام البذور العراقية، وأن تنأى بنفسها، عن ألاعيب، وضغوط شركات دولية، إحتكارية، لا تريد أن تجد بلداً مكتفياً ذاتياً، لا يتعاون إلا مع مؤسسات زراعية دولية نزيهة، ورصينة.
ما ثار الإنتباه، إيجاز ناشطة السلام الإمريكية، داليا وصفي، وهي من أصل عراقي، ولدت في نيويورك، من أب عراقي مسلم، وأم يهودية، عام ١٩٧١، متخصصة في علم الأحياء، وفي الطب. ذكرت في محاضرة لها، منقولة أيضاً على شبكة التواصل الإجتماعي، على إن هناك محاولات محمومة، للقضاء على نظام البذور العراقي، وإنها توشك على ذلك من خلال مونسانتو، وهي مؤسسة إحتكارية، لديها بذور متناهية، معدلة وراثياً، لا تحمل تلك البذور المنتجة منها، حين تنتج بذرة جديدة، قابلية للإنتاج المتجدد. وهذا التعديل الوراثي، يجعل الفلاحين مكتوفي الأيدي، ويرغمهم على الإعتماد على هذه الشركة في تزويدهم بالبذور. وقد عين في عام ٢٠٠٣، نائب الرئيس السابق لها، كارجل دايينك أرمستوتر، مستشاراً زراعياً في العراق، في ذلك الوقت، وهو أيضاً موظف سابق في إدارة الأغذية الإمريكية. والأكثر تشككاً في هذا الأمر، هو قرار الحاكم المدني لسلطة الإحتلال في العراق، بول بريمر، الرقم (٨١)، الذي جاء فيه، ” لا يحق لأي حكومة منتخبة أن تطور نظام البذور، ما بعد هذا الأمر”. وجاء في الفقرتين (١ و٢) من المادة (١٤) منه ” محظور على المزارعين إستخدام البذور ولا مشاركتها مع غيرهم ولا إعادة زراعتها “.
لست متخصصاً في مجال الزراعة، ولا أدعي معرفة باطن الأمور، ولا قراءة ما بين السطور، ولكن من قرائتي البسيطة، أعرف أن هناك، في الخفاء، ومنذ زمن ليس بالقصير، إن شيئاً يحاك في الخفاء على تدمير مسألة الزراعة في العراق. وإن هناك أيدٍ خفية تقوم على سحقها، ولتدمير أدواتها، ولجعلها مختبرٍ، للشركات العالمية. لذلك أدعو ذوي الأختصاص في قطاعات الدولة المختلفة، ونقابة المهندسين الزراعيين، وجمعيات الفلاحين، وَمِمَّا تبقى من خبراء دائرة إيبا الزراعية، التي كان لها شأن كبير في مجالات تطوير الزراعة العراقية، أو أي عراقي، مطلع، وله معرفة في أمور الزراعة .. أن يساهم برأي، أو معالجة، أو مقترح بهذا الشأن. وعلى الجميع عدم السكوت، عن تهدديد زراعة العراق، ومستقبلها. وإن الأمر برمته، يعني، إن العراقيين في ظل مثل هذه المشاريع المشبوهه، لا مستقبل زراعي لهم، وإنهم سيموتون جوعاً، ويكون مصيرهم، بيد الشركات التي تتاجر لهم. وإن الموضوع عبارة عن منافع للشركات، التي تقتات على الأوضاع المأساوية للعراق، لتروج لمنتجاتها، ولتحقق مصالحها.