18 ديسمبر، 2024 10:53 م

الحبوبي تقتل… اتباع لا يفرقون بين الناقة والجمل

الحبوبي تقتل… اتباع لا يفرقون بين الناقة والجمل

في مشهد لا يرتكبه غير المتعطشين للدماء، تحولت ساحة الحبوبي قبلة المحتجين في مدينة الناصرية، الى مسرح يروي فصولا جديدة مِن ماساة “عُبَّاد الله”، المطالبين بالحقوق واستعادة الوطن الذي سرقه ابطال كوميديا العملية السياسية، لتكون هذه المرة بوابة للوصول إلى رئاسة الوزراء بعد قتل المتظاهرين واخماد ثورتهم بحجة شعار الاصلاح الذي يرفعه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لتسجل المدينة الصامدة العشرات مِن الجرحى وعدد مِن الشهداء قد يرتفع بين لحظة واخرى ليقارب المئة متظاهر بين شهيد ومصاب جميعهم بنيران مسلحين تابعين للتيار الصدري.
بداية المشهد كان مِن دعوة اطلقها وزير زعيم التيار الصدري صالح محمد العراقي لاحياء صلاة جمعة في بغداد لتتحول بعدها، لحفل قتل جماعي للثأر مِن الناصرية والمحتجين الذين رفضوا جميع المحاولات السابقة للسيد الصدر بفرض وصايته عليهم، حتى اصبحت “كابوسا” يزعج التيار الصدري وقياداته، لكن مع “ضعف” حكومة مصطفى الكاظمي وخضوعها للصدر كانت الفرصة المناسبة لمهاجمة ساحة الحبوبي واحراق خيامها وتجريفها بعد قتل شبابها الذين حاولوا الصمود لساعات عدة، لعل الاجهزة الامنية تتدخل لحمايتهم، لكن انتظارهم كان مِن دون نتيجة فالجميع مشارك بمسرحية “القتل الجماعي”، التي باركها زعيم التيار الصدري بتغريدة ابلغنا فيها وهو يخاطب اتباعه “لقد اثبتم اليوم بان العراق عراق المرجعية وعراق الصدرين، عراق لا يتحكم به مِن خلف الحدود، وعراق لا يتحكم به ثلة مِن الفاسدين او المنحرفين”، وهذا اعتراف واضح لا يقبل القسمة على اثنين بان ماحصل في ساحة الحبوبي كان بمباركة وتوجيه مِن السيد الصدر، الذي اختتم تغريدته، “بحمد لله الذي نصر عبده واعز جنده”، ونحن لا نعلم عن اي نصر يتحدث السيد الصدر وعن اية عزة يراها بدماء الابرياء التي سفكت ظلما.
لكنها ليست المرة الاولى التي يبارك فيها زعيم التيار الصدري قتل المحتجين، فساحة الصدرين بمدينة النجف مازالت شاهدة على استشهاد مهند القيسي واصابة العشرات مِن رفاقه حينما هاجمها مسلحون تابعون للتيار الصدري خلال احتجاجات تشرين، ورغم محاولة اتباع التيار الصدري انكار تلك الجريمة والبراءة منها، لكن زعيمهم السيد الصدر خرج في لقاء تلفزيوني وابلغنا بان ما حصل كان مجرد “جرة اذن”، ولا نعلم هل سيكون جوابه على قتل المحتجين في الحبوبي بالطريقة نفسها، وخاصة بعد دعوة وزيره لاتباعه باداء صلاة الشكر ركعتين، تكريما لشجاعة اتباعه الذين وصفهم “برهبان الليل واسود الواقع”، ليكون دليل اخر لا يمكن تجاهله عن اعتراف قادة التيار بموافقتهم على قتل المحتجين الذين يبلغ عمر احدهم اربعة عشر عاما، احتار رفاقه بالطريقة التي يبلغون اسرته باستشهاده، فترددوا جميعها حينما وصلوا الى منزله مِن يتبرع لطرق الباب ويكون صاحب الخبر “المفجع” لتلك الام التي تنتظر وصول ولدها كل ليلة، بينما يتسابق المسلحون مِن اتباع التيار الصدري بتوجيه بنادقهم واسلحتهم لصدور الشباب العزل، لتسجل شهادة لهم عند الامير، متناسين بان للشهداء امهات ثكلى وزوجات قد تترمل واطفالاً اصبحوا ايتاما، ليس لذنب سوى رفض العبودية.
اكثر مايحزن في جميع تلك المشاهد موقف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي اكتفى بتشكيل لجنة واقالة قائد شرطة ذي قار، متجاهلا جميع الاعترافات والادلة التي قدمها وزير الصدر بمنشوراته على صفحة الفيسبوك وردوده على اتباعه بالتفاخر بالنصر، والتي تكفي لوحدها لكشف الجهة الفاعلة مِن دون لجنة تحقيق، لكن كيف للكاظمي ان يعترض على تصرفات السيد الصدر الذي جاء للمنصب بمباركته، كيف يعترف وهو التلميذ المطيع الذي منح جميع المناصب التي ارادها التيار الصدري مِن البنك المركزي إلى وكالة وزارة الداخلية، لكن ليس بالغريب ان تتزامن مجزرة التيار الصدري مع الذكرى السنوية الاولى لمجزرة جسر الزيتون في مدينة الناصرية التي ارتكبها الفريق الركن جميل الشمري، بحق المتظاهرين والتي راح ضحيتها خمسون شهيدا واكثر مِن خمسمائة مصاب جميعهم مِن المحتجين السلميين، وعلى الرغم من ذلك لم تتقدم حكومة الكاظمي بمحاسبة الشمري حتى الان، فكيف ننتظر منها محاسبة مِن قتل محتجي الحبوبي.
نعم.. نحن امام اختبار حقيقي وفتنة يقودها اصحاب “المزاج المتقلب” والطامعين بالسلطة على حساب ارواح المواطنين، مِن خلال استخدام البسطاء الذين يجدون فيهم مادتهم الدسمة للبقاء ومحاربة مِن يخالفهم بالرأي او مِن يحاول تعطيل مصالحهم، حتى ان معاوية ابن ابي سفيان حينما اراد ان يحكم بين رجلين احدهما مِن دمشق والاخر مِن الكوفة اختلفا في بعير جاء عليه الكوفي، في حين يتمسك الدمشقي بانها ناقته التي اخذت منه في معركة صفين، ليحكم بعدها معاوية بالناقة للرجل مِن دمشق فالتفت عليه الكوفي قائلا.. اصلحك الله انه جمل وليس ناقة، فرد عليه معاوية، بان منحه ثمن الجمل وابلغه بايصال رسالة للامام علي (عليه السلام).. تقول “أبلغ علياً أنّي أقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل”، فكان معاوية يستخدم الذين لا يجدون سوى الطاعة العمياء لمحاربة خصومه، في وقت تجدهم يعيشون حياة لا تسر عدوا ولا صديقا، وحينما تخيرهم بين الخروج مِن العبودية وتحكيم منطق العقل، يرفضون لانهم تعودوا على ممارسة طقوسهم بطريقة لا نقاش فيها بتنفيذ الاوامر.
الخلاصة.. ان السيد الصدر يحاول تعبيد طريق رئاسة الوزراء بدماء المحتجين في ساحة الحبوبي، ليضمن كسب ورقة، تحرج القوى السياسية وتجبرهم على التحالف معه باعتباره صاحب اكبر قاعدة شعبية تنتظر الاوامر لتنفيذ مايريده حتى لو كانت على حساب رقاب الناس، لكن ما لا يدركه السيد الصدر بان دماء الابرياء وتراكماتها ستكون بوابة النهاية لمشروعه السياسي، الذي قد نرى انهياره قريبا بعد خسارة الكثير مِن مؤيديه…. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه… كيف سيتحمل التيار الصدري دفع ثمن دماء الحبوبي؟…