جديرة هي الهيئة العربية للمسرح بامتياز تصنيفها، مؤخرا من قبل المنظمة العربية للثقافة والعلوم الأليكسو، النسخة العربية من اليونيسكو، تصنيفها كبيت للخبرة، وحاوية فنية Art Tank ولعل هذا المصطلح الأخير ابتكاري، وعلى غرار الحاويات الفكرية Think Tanks لولا أن الهيئة العربية للمسرح تتجاوز البعد المحلي إلى البعد العربي في ذلك.
إن مصطلح الحاويات الفنية Art Tanks الذي هو نسخة فعلية وامتداد لمفهوم اللوغوس الإغريقي والذي يقال أنه – أي اللوغوس- “خزان يتسع” ويمكن أن نصف به ليس فقط الذهن، كما كان الأمر قديما، ولكن المؤسسات الفنية والثقافية والفكرية التي تتسع فيما تتطرق إليه وتبحث فيه وتعمل على تطويره، حين نحرر معنى الاتساع من مدلولات الخزان أو اللوغوس/الذهن الذي كان مرتبطا به، ليصبح في فضاء أعم اشارة إلى مؤسسات البحث والتطوير وبيوت الخبرة وفي كافة المجالات بلا استثناء التي يتسع مجال عملها ليشمل كافة شؤون الحياة، فتبحث في التطوير وما وراء الظواهر وتفسيرها والهندسة الاجتماعية والثقافية والعلمية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات.
إن من سمات مجتمعات المعرفة امتلاك حاويات فنية Art Tanks، ضمن منظومة بنيتها التحتية ومكوناتها وهي ما يمكن تعريفه أيضا ببيوت الخبرة الفنية، ويمكن تعريفها كذلك بتبسيط من حيث هي منظمات قومية غير ربحية، نشطة وفاعلة تهتم بالبحث والتطوير، وتساعد في وضع استراتيجيات الفنون والثقافة، وفي وضع خطط التطور المعرفي والعلمي المتعلق بها، وحتى دراسة الظواهر المجتمعية العارضة منها والمزمنة. ويتسم الأفراد في المجتمعات المعرفية بثقافة فنية ومعرفية وعلمية كبيرة مكتسبة من توارث الإنتاجات الفنية والثقافية و المعرفية واستخدامها بقدر انتشار المراكز البحثية والحاويات الفنية الفكرية فيها.
إن عمل مراكز ومؤسسات الأبحاث والتطوير وبيوت الخبرة أو الحاويات الفنية من منظور عام هو الحياة، وثمة رأي يتفق عليه 12 ألف عالم حول العالم، بل وثمة عقيدة راسخة لديهم بأن الشيء الوحيد غير قابل للشفاء هو الشغف الإنساني، أما بقية الأمراض وهنا نتحدث عن الأمراض الاجتماعية التي يعتبرها العالم اليوم أمراضا عصرية فبفضل الحاويات الفنية فإنها قابلة للشفاء، وتلك إحدى فروع عمل الحاويات الفنية والمراكز البحثية في ذات السياق واهتماماتها في مجتمعات المعرفة.
ومازال عدد كبير مما يمكن أن اسميه بالحاويات الفنية والثقافية ومراكز الأبحاث والتطوير المتخصصة حولها يكتنفها الكثير من الغموض أحيانا لدى الكثيرين، على الأقل من الناحية الإيديولوجية، رغم ذلك فهي تلعب دورا هاما في تحديد القضايا والأفكار الفنية والثقافية لكل من الحكومات والجمهور.
ويشكل معظم هذه المراكز البحثية أو الحاويات الفنية والثقافية أو بيوت الخبرة، والهيئة العربية للمسرح نموذجاً عربيا، جزءا مهما للغاية من مكونات صياغة السياسات الفنية والثقافية العامة لدى معظم الدول الكبرى ومعظم الناس لا يفهم عمل هذه المؤسسات ومدى أهميتها.
هذه البيوت والحاويات الفنية والثقافية تشبه الجامعات، لكن بدون الطلاب، حيث يشارك علماء في شؤون الفنون والثقافة في الصناعة البحثية والتطوير فيها، مهمتهم هي أنهم يعتقدون ويكتبون ويفكرون ويقرأون ويتجادلون ويناقشون ويصدرون جميع أنواع المنشورات والأعمال الفنية المتعلقة بكافة شؤون الحياة والسياسات الفنية والثقافية.
تبحث الهيئة العربية للمسرح منذ انشائها في شؤون الفنون والثقافة المسرحية وتعمل على تطوير هذا المجال بغايات قومية هدفها تدعيم بنى منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع العربي، والارتقاء بالانسان العربي، وتقديم معالجات حيوية للأمراض الاجتماعية من خلال فن المسرح، وبغير ربحية فيما تقدمه، ويظهر ذلك بوضوح من خلال برامجها التي ترعاها سواء في المجال الابداعي والفني، من خلال المهرجانات الوطنية والعربية، ومسابقات التأليف السنوية، أو في المجال البحثي، من خلال ما تتبناه وترعاه من مسابقات سنوية ومنشورات بحثية وابداعية تتبنى طباعتها ونشرها، وكذلك مشروع المسرح المدرسي الذي تتبناه الهيئة العربية للمسرح وتعمل على تنميته ورعايته في المنطقة العربية منذ سنوات والذي ينطوي على عدة أهداف نبيلة وأصيلة، غايتها خلق مجتمع عربي معافى من الأمراض والاختلالات والتفكك الاجتماعية، كما وتحافظ من خلال هذا المشروع على التراث العربي لأشكال الفرجة الشعبية التي ازدهرت في فترات زمنية ماضية، وكادت ان تندثر لولا عملية تحديثها من خلال المسرح المدرسي الذي يتبنى رعايته والاهتمام به بيت الخبرة الفنية العربية وهذه الحاوية الفنية والثقافية التي اسمها “الهيئة العربية للمسرح”.