23 ديسمبر، 2024 12:25 م

الحال ماقبل.. الحال مابعد

الحال ماقبل.. الحال مابعد

الشجن مفردة عربية أصيلة لها معانٍ عدة، فهي تعني الغصن المشتبك، وتعني أيضا الهم والحزن، فيقال فلان أخو شجن أي ملازم للأحزان والهموم، وقالوا الحديث ذو شجون، أي أن الحديث متفرع يستدعي بعضه بعضا، وما أظنهم قالوا هذا إلا لأن أطراف الأحاديث تجتذب من الوقائع الحقيقية والخيالية ماتكتمل فيه صورة المحادثة، وعادة ما يأخذ عامل زمن الروي والحكي دورا رئيسا في صياغة المروي والمحكي. فلو أردنا على سبيل الذكر لا الحصر، سرد ما يحدث في العراق من وقائع، نرى أنفسنا مرغمين على وضع منعطف زمني فاصل، تتبلور فيه الأحاديث، وتتشعب على محرابه تبعاتها، وتتفرع منه شجون وفنون حد الجنون، ذاك المنعطف هو عام 2003. ولن أخوض غمار شجون الحديث عما كان يحدث قبل هذا الفاصل الزمني، لاسيما وأن قصدي منه الإشارة الى سلبيات ما طفا على السطح المنظور بعده، وتحديدا سلبيات المتصدرين للمشهد السياسي، والمسؤولين عن إدارة البلد، والذين سلمهم المواطن الجمل بما حمل، في صناديق أطلقوا عليها صناديق الاقتراع، في حين أنها كانت أشبه بنعوش ضمت -فيما ضمت- كثيرا من تطلعات الناخب وحقوقه، كذلك ضمت ثقته بحاكميه والتي قبرها المرشحون الفائزون، وأودعوها غياهب الخيبة والخذلان. إن شماعة الإخفاقات والتداعيات التي يتعلل بأسبابها أولئك الفائزون دوما، هي النظام الحاكم قبل ذاك العام والمتمثل برأس الحكم صدام.. لذا فإن حديثي مقتصر عما جرى بعد ذاك العام، إذ الجميع هلل واستبشر خيرا بالتغيير الجذري الذي حصل فيه، وخال بعضنا أن العراق سيسابق الريح، ويعدو وسط أمم العالم المتحضرة ليكون أولها، كما كان قبل أربعة آلاف عام على رأسها. وأول بشائر ذاك الإحساس هو كمّ الحرية الهائل الذي أمطرته علينا سماء (عام السعد). كذلك شكل الحكومة وآلية انتقاء الحكام وانتقال حكمهم، هو الآخر كان حدثا غريبا للعراقيين بعد سنوات القمع والدكتاتورية.

إلا أن الرياح أتت بما لايشتهي الشعب، فبعد ان صار أمر الحكومة والرئاسات انتخابيا، حصل ما لم يكن يحصل في زمن الدكتاتور، إذ تلبست نعمة الحريات الممنوحة للمواطن العراقي بلبوس النقمة والوبال عليه، ولم يعد يرى من خيرها غير كثرة الاتصالات وأبراج الشبكات بمسمياتها العديدة، بين عنكبوتية وإلكترونية، ومن الفضائيات هلّت عليه من على شاشات تلفازه قنوات ماكان يراها في عالم الخيال، ومن الأجهزة المنزلية ما يسد عليه كل حاجاته وحاجات ربة بيته وأولاده، وكذلك من المركبات والعجلات موديلات وماركات يحار في عدّها. ولكن في حقيقة الأمر كانت هناك مأساة تغرق في عبابها البلاد وتضيع في أمواجها العباد، أودت أخيرا الى مآل لايسر أي عراقي ينتمي لأرض العراق واسم العراق روحا وهوية وكيانا ووجودا، فالأرض احتلها أوباش.. والعرض هتكه رعاع.. والمال سلبه قراصنة.. والثروات احتال في سرقتها محترفون، والدين لوثه كفرة.. والرموز هدمها تكفيريون.. والحريات اغتصبها معتوهون لايعرفون معنى الإنسانية.

والآن، لاأظن الحديث ذا شجون فحسب، بل هو حديث مرعب مفزع مخيف ذو أنين ونواح وعويل. هذا هو وصف الحال بعد زوال نظام المقبور، الموصوف بالدموي الدكتاتوري القمعي، وقد مر عليه ثلاثة عشر عاما، ولست أدري هل يصح القول؛ (والحبل عالجرار) على مانحن فيه اليوم؟ وهل نبقى نردد قول أبي نؤاس:

يادار مافعلت بك الأيام

ضامتك والأيام ليس تضام

[email protected]