10 أبريل، 2024 12:36 م
Search
Close this search box.

الحاضر مفتاح الماضي

Facebook
Twitter
LinkedIn

ليس بالضرورة أن تشاهد كل شيء بأم عينك. فكثير من الأمور المتاحة بين أيدينا الأن يمكن الاستدلال منها على ماض معلوم. يمكن تخمين ما حدث بالأمس القريب أو البعيد من خلال ما نشاهده اليوم بالعين المجردة.
مثلاً إذا كنت تشاهد شجرة مثمرة، فليس من الضرورة أن تشاهد الشخص الذي زرعها وتعب عليها لتثمر. فلا بد أن هناك من بذل مجهوداً كبيراً وخصص وقتاً طويلاً حتى بلغت الثمار حالة النضج وأصبحت متاحة بين أيدينا في الأسواق ونحن نقتنيها اليوم.
وليس من الضرورة أن تشاهد عمالاً يبنون بيتاً، فالبيت دليل على عمل العمال واستخدامهم لمواد البناء في هذا المنشأ. فليس من المعقول أن تسأل عن كيفية ظهور هذا الصرح الكبير وأنت تعلم حق اليقين بأن البناء يحتاج إلى مهندس وتخطيط وعمل وعمال وما إلى ذلك من مواد بناء. وما أن اطلعت على أي صرح مهيب حتى سرحت بعقلك إلى الذين قاموا بإنشائه ليكون على ما هو عليه اليوم.
إذا وجدت الماء منجمداً، هذا يعني حتماً أن الماء كان في مكان درجة الحرارة فيه صفر درجة مئوية أو دونها أي في درجة الانجماد. واذا قرأت كتاباً فلا بد أن هناك من كتب هذا الكتب ووضع فيه خلاصة تفكيره.
كل ما نشاهده اليوم في مسرح الحياة وكل ما في حولنا وفي شتى الميادين يدل على ما حدث في الماضي بدون شك. حتى الجبال الشامخات تدل بتضاريسها على قساوة المناخ وما حل عليها من متغيرات.
وعلى هذا الأساس فليس من الصعب أن نستنتج كيفية حصول شخص معين على ثروة ضخمة وقيامه بمشاريع كبيرة بمبالغ غير معقولة بعد أن كان لا يملك شيئاً قبل فترة قليلة.
وليس من الصعب أن نستنتج آلية صعود شخص سيارة فارهة جداً بعشرات الالاف من الدولارات وهو معلوم الراتب والوارد وخلال فترة وجيزة جداً لا يتجاوز أربعة سنوات يتفاخر بها ويتمختر. وليس من الصعب أن تخمن مصدر المال هذا بحسب معطيات دخل هذا الفرد والفترة الزمنية القياسية التي نهض بها.
نحن وإن لم نكن جزءاً من العملية السّياسية، إلاّ أن الخلافات السياسية والتجاذبات الملفتة للنظر اليوم بين الكتل السياسية إنّما تدل على ما جرى خلف الكواليس وما يجري اليوم. كل ما نشاهده من تلكئ عجيب في تشكيل الحكومة بعد مرور سبعة أشهر على الانتخابات النيابية، إنما دليل واضح على حجم الفرقة والتشتت التي تعانيه الكتل والمكونات السياسية. تقاسم السلطة والمحاولة في السيطرة على أكبر كمّ من الواردات الوطنية والاستفادة منها وإن كان مردود ذلك على الشعب سلبياً وعلى حساب راحة الشعب والبسطاء منهم إلاّ أن المصالح الشخصية والحزبية والفئوية أصبحت فوق كل الاعتبارات.
كل ما نشاهده اليوم هو دليل واضح على ما حدث بينهم في الماضي وما يحدث اليوم خلف الكواليس وما يدار في الغرف المظلمة. فلا ننسى أن قاعدة الطبيعة تنص على أن الحاضر مفتاح الماضي وهذه القاعدة تنطبق على كل شيء في الطبيعة من جماد أو نبات أو حيوان أو إنسان. فالحاضر والماضي فصلين يكمل احدهما الآخر ولا يمكن الفصل بينهما والحاضر هو امتداد للماضي بكل تفاصيله سوء بعض الرتوش التي تجرى عليه ليس إلاّ.
فالحاضر مرأة تعكس الماضي والحاضر هو مفتاح الماضي ومنه يمكننا الاستدلال على ما جرى وما يجري وكشف المستور. فأفضل وسيلة لمعرفة الحاضر هو البحث في طيات الماضي. فليس من المعقول أن تزرع الشعير اليوم وتنتظر حصاد الحنطة في الغد.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب