17 نوفمبر، 2024 1:43 م
Search
Close this search box.

الحاجة إلى أنسنة الخطاب الديني

الحاجة إلى أنسنة الخطاب الديني

” ما يقوله عن الشرق يجب أن يفهم على أنه وصف حصل عليه في تبادل في اتجاه واحد وكان المقصود بما يكتبه أن يصبح معرفة مفيدة لا لمن يكتب عنهم بل لأوروبا ولشتى مؤسسات النشر فيها”[1]

لقد تعرض مفهوم الدين من جهة الاعتقاد الوجداني والتصور النظري والممارسة الطقوسية إلى قصف معرفي عنيف وتوظيف سياسي مريب وعنف تأويلي صاخب وإذا ما افترضنا بأن التجربة الدينية هي تجربة لغوية بالأساس تتحرك حول نص مؤسس ونبي مرسل وجماعة من المؤمنين به فإن أي تجربة تظل تدور حول جملة من الرموز الحضارية والقوى الاجتماعية والمفاعيل التاريخية وتترواح بين وضع الأحكام العامة وتخصيصها وبين تحديد المقاصد الكلية وتفصيلها وبين تفسير النصوص وتقعيدها . لكن يظل التصادم مع التغييرات التاريخية والتحولات الاجتماعية والتقدم العلمي والمنعطفات السياسية هي التحديات الكبيرة التي تفرض على المؤسسات الدينية ، ان وجدت، ممارسة التجديد والتطوير والإصلاح والتحديث بغية المواءمة مع الواقع الاجتماعي وانجاز التصالح مع العالم الدنيوي وقبول موجات العصر.

من جهة ثانية تعاني الأمة الناطقة بلغة الضاد م من جهة هويتها السردية والمؤتمنة على احترام الأمر القطعي أقرا من جهة انفتاحها التكويني على القيم الكونية العديد من المشاكل الهيكلية والأزمات البنيوية بسبب تفشي الإرهاب المعولم والحروب الأهلية والنزعات الدامية الداخلية وغياب المشروع الديمقراطي وتأخر الالتزام بثقافة حقوق الإنسان والمواطنة في المؤسسات الرسمية وفشل المنوال التنموي المتبع والوقوع في واقع التفكك والانقسام والتدمير الذاتي للسيادة والتفريط الممنهج في المقدرات الذاتية على حكم الذات بالانطلاق من النفوذ السيادي، دون إهمال العامل الخارجي وسطوة الحضارة الاختراقية والتهديدات التي يمثلها الاستيطان والتبعية والهيمنة الامبريالية ونوايا الإلحاق والتطبيع والتملك والتصرف المباشر في الثروات والمجال الحيوي والرأسمال البشري في بعديه المادي والرمزي ومصادرة المستقبل.

من جهة ثالثة برزت للنقاش العمومي قضية المساواة في الإرث بين الجنسين الذكر والأنثى ولقد طرحت ضمنا بالبحث عن التمييز الايجابي وتحقيق العدالة بين الأعراق والجهات والفئات والشرائح الاجتماعية وظن البعض وجود تناقض ظاهر بين هذه المطالب المشروعة والمدونة التشريعية في موازنتها الفقهية التقليدية ورأى البعض الآخر الاستنجاد بعلم الهرمينوطيقا ومدرسة المقاصد قصد استئناف باب الاجتهاد.

لكن كيف يطرح السؤال الديني قضية ترسيخ الحريات الفردية والحقوق الأساسية والخاصة في مستوى أول ويعمل على تعزيز الوحدة الثقافية للأمة والمحافظة على الرأسمال الرمزي للملة في مستوى ثان؟

من هذا المنطلق تستنجد بعض القوى الاجتماعية، تعويضا للنقائص، بالعامل الديني وتجد فيه خلاصا لها من العجز الواقعي وتعول عليه في ثوبه التقليدي للرد على التحديات، في حين يقوم بعض المستنيرين بتلطيف هذه الالتفاتة إلى الدين ويوضع للنقاش خيار السؤال الديني بوصفه طريق الوعي بالذات حيث يتلازم مطلب الاستفاقة الثقافية واليقظة المعرفية من جهة والحرية والمواطنة الديمقراطية من جهة أخرى.

يفترض أن تتقدم عملية أنسنة الخطاب الديني خطوات واثقة في طريق العلومية بما يسمح بقبول الاختلاف والتعدد داخل الحالة العربية وأن يتجه التجديد في الفكر العقائدي نحو إلغاء أحكام النبذ والإقصاء والغلو والتحلي بالمرونة والانسيابية بغية الانتقال من علوم تهتم بالآخرة والغيب إلى معارف تنظر في شؤون الدنيا وتحرص على تدبير الفعل الحصيف والسلوك المدني وتجعل من التسامح القيمة المضادة للتعصب.

بيد أن المشاكل التي يمكن إثارتها حول حضور العامل الديني في الدفاع عن الخصوصية الإنسانية والمصلحة العامة تصاغ على النحو التالي: كيف يتم تأسيس الفعالية النقدية ضمن التجربة الدينية بماهي ممارسة فردية وملتقى جامع تشترك في الالتزام به العديد من المجموعات والفاعلين؟ هل يتعارض احترام المقدس من زاوية الواجب مع مطلب تحقيق الحريات الفردية من جهة الحق؟ هل يلغي النص الديني ذات الدلالة القطعية مسالة المساواة في الإرث؟ ألا يتطلب الأمر إصلاحا في المنظومة الفقهية التشريعية؟ ولماذا لا يقع التوجه نحو تحريك بنية العقل الفقهي بما يتفق مع المنطق؟ وما الغرض من طرح شعار الإصلاح الديني في زمن المواجهة مع الآخر المعادي؟ أليس كل ممارسة للنقد الذاتي في الأزمنة العصيبة هو إضعاف لمقدرات المواجهة المواجهة؟ كيف يتطور تحديث الدين إلى شكل من إشكال الاستعداد من أجل المقاومة؟ ومتى يصبح تحرير الفرد من القيود التي تشل إرادة الحياة هو الطريق الملكي لتحرير الأرض واستعادة زمام المبادرة؟ والى أي مدى تحتاج الثقافة الوطنية إلى فقه مقاوم وعلم كلام الحرية؟

المحاور التي يمكن الاشتغال عليها في هذه الندوة هي كما يلي:

1- الدين والفرد: الإيمان بالحق في الحقوق والسماح بالإيمان وعدم الإيمان

2- الدين والحرية: لا حرية للذات الفردية والجماعية دون استهداف حرية الغير

3- الدين والسؤال: السؤال عن المقدس الديني قد يكون تقديسا للسؤال عن الدين

4- الدين والثقافة: دين بلا ثقافة هو جهل مقدس وثقافة بلا دين هي علم بلا ضمير

5- الدين والوحدة: وحدة الفكر هو العروة الوثقى نحو توطيد عقيدة الوحدة

6- الدين والأمة: قوة الدين في الفضاء العام تبرز بامتلاك الأمن الثقافي والسؤدد الحضاري

7- الدين والمساواة: لا يتم إلغاء التمييز بين الفئات إلا بالاحتكام إلى العدالة المنصفة للجميع.

على هذا الأساس تسعى العقلانية الدينية في الحقبة المعاصرة إلى وضع مبدأ المقدس على محك التجربة العلمية وتنظر له بمناهج موضوعية وتدرسه على غرار العادي والدنيوي والعلماني وتقوم بتنزيل المسألة الدينية ضمن حقول بحثية تتراوح بين التفسير والتأويل والفهم والتوضيح والوصف الفنومينولوجي للخبرات الحية على المستوى الشخصي وعلى الصعيد الجماعي للهويات الثقافية والكيانات الجماعية.

بيد أن الرهان الأساسي من هذه البحوث هو تهيئة الدين من جهة التصورات والحكام لكي يجمع بين تشريعات الترسيخ وإجراءات التعزيز. لكن ماهي الشروط الضرورية التي تجعل الدين في خدمة الحرية والحقوق بدل الابقاء عليه محتجزا على ذمة السلطة السياسية والمصلحة الرأسمالية؟ وأنى للسؤال الديني أن يكون الوصفة السحرية التي تحرز بداية الرد للذات الحضارية على اعتداء الآخرية من جهة خارجية وتساعد الكيان الفردي في الحالة العربية على صيانة حريته والدفاع على سيادة وطنه من ناحية ثانية ؟

المرجع:

1- سعيد (ادوارد)، الإستشراق ، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، دار رؤية، القاهرة، طبعة 2006، ص262.

[1] سعيد (ادوارد)، الاستشراق ، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، دار رؤية، القاهرة، طبعة 2006، ص262

أحدث المقالات