23 ديسمبر، 2024 1:36 ص

الحائري والصدر: الاعتزال والاعتزال الاخر

الحائري والصدر: الاعتزال والاعتزال الاخر

بالتزامن مع مرور اليوم الثلاثين من الحركة الاحتجاجية للتيار الصدري داخل المنطقة الخضراء، وهو يوم بداية النهاية من الحركة، المطالبة بحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة
واصلاحات سياسية، اصدر بيان لكاظم الحائري المقيم في ايران، وان كان البيان مفاجئ من حيث التوقيت لكنه ليس بجديد في ادانته المكررة للتيار الصدري وزعيمه مقتدى
الصدر، وانحيازه لتوجه فقهي وسياسي محدد، الحائري اصدر بيانه في وقت لا يزال مقتدى الصدر يرفض التعاطي مع مشروع الاطار التنسيقي المقرب من ايران، لذا فبيان
الحائري وان كان ذو بعد فقهي على اعتباره مرجع موصى به للصدريين بعد استشهاد الصدر الثاني لكنه ذو بعد سياسي أيضا، وهو ما قابله الصدر باعتزال اخر وحدث جراء ذلك
ردت فعل شعبية من قبل انصار التيار الصدري في المنقطة الخضراء، راح ضحيته عشرات المتظاهرين الصدريين برصاص جهات مسلحة بعد دخول المتظاهرين الى القصر
الجمهورية في المنطقة الخضراء، قابله تصعيد من قبل انصار التيار الصدري وعوائل الضحايا استمر اكثر من ثمانية عشر ساعة ولو تدخل مقتدى الصدر لأسباب لم تعرف
طبيعتها بعد دعمه المتواصل للحركة الاحتجاجية بنبرة وعبارات حادة ضد انصاره لتوسعت واستمرت ما يشبه الحرب الاهلية.
وهناك إشارات من الصدر على ان البيان كان موجه من القيادة الإيرانية، يقتضي توجيه بوصله الاتباع والتقليد والمشروع باتجاه سياسي وفقهي محدد، ومحاولة تفسيق وتكفير دون
ذلك وفي مقدمة ذلك قادة التيار الصدري من الخط الأول أمثال مقتدى الصدر نفسه، وفي ذات الوقت يدعو الحائري في بيانه الى وجوب اتباع مرجعية الخامنئي، وهو ما يعيد الى
الواجهة الصراع القديم ــ الجديد بين حوزة قم، وحوزة النجف او ما بين مشروع ولاية الفقيه وما بين التوجه المدني لحوزة النجف، من هنا نحاول ان نحلل مضمون البيان.
أولاً: حاول الحائري ان يجد مبرر لقرار اعتزاله فادعى ان مرضه وتقدمه في السن يتوجب عليه بأنهاء استمراره في مقام المرجعية الدينية، وهذا وان كان حقا شخصيا لكنه غير
مألوف في الحوزات العلمية ومنه حوزة قم التي ينتمي لها الحائري نفسه، فغالب مراجع الشيعة هم كبار في السن، ومع تقدم العمر تكثر الامراض وهذه من سنن الحياة، وهذا لا
يرفع الحرج عن الاستمرار بمقام المرجعية الا في حالة الجنون لا سمح الله.
اذ يبدو ان الحائري يريد بذلك توجيه بوصله المرجعية في حياته او بعد مماته خصوصا وانه اريد ان حسم هذا الموضوع في حياته فجاءت وصيته بإطاعة المرشد الإيراني علي
خامنئي واصفا إياه بانه”الاجدر والأكفأ على قيادة الامة وإدارة الصراع”. وهذا ما يمثل بلورة جديدة في الصراع القمي النجفي والمرجعيات الدينية الأخرى خصوصا تلك المشهود لها
بالاعلمية كمرجعية السيد السيستاني، فضلاً عن محاولة احراج الصدر في إيجاد مرجعية موصى بها من قبل الحائري. وقد كانت للغة التفسيق واضحة في احدى فقرات بيان
الحائري ضد التيار الصدري حيث قال ان حب الصدرين في إشارة الى السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد صادق الصدر لا يكفي مالم يقترن بالاتباع الحقيقي ولا يكفي
الادعاء او الانتساب او من يسعى لتفريق أبناء المذهب الشيعي أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو بالحقيقة ليس
صدريّاً مهما ادعى أو انتسب” وهو بذلك يشير الى تفسيق التيار الصدري لأسباب تتعلق بخروج مقتدى الصدر عن رغبة الجانب الإيراني وابتعاده عن توجهات وطموحات الاطار
التنسيقي ، التجمع الذي يضم مجموعة قوى شيعة تكونت بعد التراجع في الانتخابات النيابية الأخيرة. ولم تخرج باقي فقرات الحائري عن معالم المشروع الإيراني وأهدافه مثل
محاربة أمريكا وإسرائيل والتصدي الى كل ما يخالف ذلك من حركات وتجمعات وما الى ذلك دون ان يشير الى اسمها بصورة واضحة. موصيا بالوقت ذاته بتنظيمات مسلحة تحت
عناوين جهادية وقدسية في إشارة الى الفصائل المسلحة المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي فارضا على الجميع دعمها وتأييدها كقوى مستقلة عن القوة الأمنية الرسمية ومشددا
على ذلك. عاداً أيها اليد الضاربة والقوة القاهرة للمتربصين بأمن البلاد.
واشارة الحائري الى هذا الموضوع لا يبعد عن كونه من المواضيع الداخلية الخارجية المثيرة للجدل حول بناء الدولة وتنظيم القوات المسلحة في العراق وتقنين العملين السياسي
والأمني والفصل فيما بينهم لكن يبدو ان موقف الحائري هذا يوكد على المضي بمشروع ما يعرف بالمقاومة في إشارة الى المحور الإيراني وفصائل مقاومة من بلدان مختلفة ومنه
العراق ضد ما يعرف بالتوجهات الامريكية والغربية والتوترات الإقليمية خاصة ما بين دول الخليج وإيران.
مما تقدم فان بيان الحائري كونه مرجع تقليد اريد منه محاولة إضفاء النزعة الشرعية على جانب، وخلعها من جانب اخر، اضفاها على التيار الفقهي الذي ينتمي اليه الحائري،
وخلعها عن التيار الصدري الذي يراه الجانب الاخر متمردا وخارج عن الطاعة، اضافة الى تأكيد الحائري على مواقف كان سابقا أشار لها من أهمها وجوب اطاعة مرشد النظام
الإيراني والتمسك بالمشروع الفقهي والسياسي وهو ما يعني ان بيانه جاء بنزعه فقهية لأهداف سياسية، واذكاء جديد للإخلاف المرجعي والفقهي بين الحوزات الدينية خاصة بين
حوزة قم ومشروعها الفقهي وبين حوزة النجف ومشروعها المدني. فيما يبدو اعتزال الأول دائمي، وقد لا يطول اعتزال الثاني كثيرا خصوصا مع التحديات التي يوجهها التيار
الصدري في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة. وما عرف عن شخصية زعيم التيار الصدري من سرعة تعاطيه مع الاحداث والمجريات السياسية التي يشهدها العراق إضافة الى ان
الاعتزال سمي من قبل قيادة التيار بانه شرعي لمحاولة احتواء بيان الحائري من الناحية الفقهية واعراف المرجعيات الدينية وتداعياتها الاجتماعية.