لقد رأينا -كشعب- كيف غامر الكثير من السياسيين المخضرمين بمصيرنا ومستقبلنا من أجل مصالحهم وأحزابهم، ورأينا كيف كانت الارادات الخارجية أقوى في كثير من الأحيان من ارادة دولتنا، والسبب الرئيس في ذلك هو أننا شعب متفكك صدق بخديعة السياسيين الذين يعتاش وجودهم في الدولة على ثقتنا التي صنعتها شعاراتهم الطائفية المزيفة.
وبناء على ذلك ؛ جاء مشروع التسوية الوطنية الذي يتبناه التحالف الوطني ، مشروعا وطنيا يضفي ثقافة الايمان بالاختلاف على ساحة تفكيرنا ، ليؤسس لجيل سياسي جديد لا يؤمن بتخرصات الساسة الطائفيين بعضهم بالبعض الاخر، وليخلق حالة وطنية عامة تؤمن بالعيش المشترك واحتواء الآخر واحترام النظام ودعم العملية السياسية والدفاع عنها.
هذه الانتقالة المرحلية التي تحملها التسوية الوطنية تعتمد بشكل أساس على عزيمة الشباب -باعتبارهم المكون المجتمعي الأكبر-وطيهم لصفحة الماضي بحلوها ومرها والتفكير بطريقة جديدة تتعاطى مع الدولة على أنها فوق جميع التخندقات والولاءات، وتماشيا مع ذلك ؛ علينا ان ننتقل من مرحلة انتقاد الفاعل الى مرحلة انتقاد الفعل الخاطئ وبيان مساوءه وتبعاته، لكي لا يكون انتقادنا شخصيا يؤسس لصراعات وتراشقات متبادلة تشغلنا عن مشروعنا الاساس وتهدم ما جاءت به التسوية.ان التسوية لاتمضي من دون تنازلات متبادلة، فلابد أن تتضمن العفو والمسامحة، فكل الاطياف قصر بعضها بحق بعضها الاخر، سياسيين ومواطنين، هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتبناها في عهدنا الجديد مع الاشارة الى أن حزب البعث وداعش وجميع الجماعات المتطرفة،لاحوار معهم ولا عفو عنهم ، فهم أعداء جميع المكونات العراقية وجرائمهم ارتكبت بحق جميع العراقيين، فلا عدالة ولا مصلحة من شمولهم بالتسوية.
والآن، وبعد أن كشفت الأقنعة عن الوجوه،وبانت الحقيقة وضاءة بين دياجي التضليل؛ تجلت قناعة مشتركة يؤمن بها جميع العراقيين، مفادها أن لا سبيل للأمن والازدهار الا العيش المشترك، ومفتاح هذا العيش هو التسوية حصرا وان طعن بها البعض ولكنه يدرك تماما انها مفتاح الحل الوحيد، ولكن الخشية من تغيير النسق السياسي الحالي هو الدافع الحقيقي للرفض، لأن مرحلة مابعد التسوية ستأتي بأسماء جديدة، وسيتقدم رصيد بعض الاسماء الحالية، في حين ستندثر أسماء التأزيم والفوضى في طي النسيان وتبقى عناوينا منبوذة في ذاكرة الشعب، ولذلك فإنهم متخوفون جدا من صحوة الشعب المرتقبة التي تؤسس لها هذه المبادرة.
هذه القناعات والرؤى الجديدة يجب أن تتصدر مشهدنا القادم،فكفانا عبرة بتجربتنا السابقة المريرة، وكفانا تضحيات واستنزاف للدماء والثروات، وليكن جيلنا السياسي الجديد جيلا يستمد قوته وشرعيته من وعي الشعب لا استغفاله.