23 ديسمبر، 2024 11:30 ص

هذا ليس إتهاما، بل هو تعبير عن حالة زمنية نشأ فيها جيل مابعد 2003 الذي فتح عينيه على خيالات الدبابات الأمريكية، ووقع الأنترنت والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي، وتماهى مع الدخان الذي تبعثه الأرجيلة والسيجارة الألكترونية والعادية أيضا وإنشغل بهموم الحب والمداعبات الليلية عبر تلك المواقع الإفتراضية الذائعة، لكنه أفرز جيلا رافضا للمألوف، وساخطا على كل شيء، ولايرضيه شيء، ولذلك هو منتفض ومتمرد، وراغب بالتغيير، وقد لاتعجبه حزم الإصلاحات، ولاتستهويه الوعود والمواعيد، ويريد أن يلمس بيديه حجم التغيير، ومايمكن أن تقدمه كل حكومة من الحكومات له.

بعد عام 2003 توهم الناس إن الاجيال التي تعيش في العراق هي الصورة النهائية لهذا البلد، وبها يرتبط مستقبل الدولة ومصيرها ووجودها وكينونتها، وهذا جهل حقيقي بالحالة العراقية، فالجيل الديني، أو الجيل الحزبي يتراجع رويدا أمام من لديه رغبة التحرر والإنطلاق من الشباب الواعد المتحفز.

وهذا الوهم عاشته نخب فكرية وسياسية ظنت إن منظومة المصالح المسيطرة من القوى الحزبية والطائفية والقومية التقليدية والتي إرتبطت بزمن المعارضة للنظام السابق هي المهيمنة فيه، والتي ستؤول إليها الأمور في المستقبل أيضا، ولكن ذلك الوهم يجب أن ينتهي تماما خاصة عندما ينطلق جيل لاعلاقة له بالدين، ولا بالقومية، ولا بالطائفة، ولا بالسياسة والحزب والرموز، وصحيح إننا توهمنا بذلك، وقلنا: إن الشارع يحركه فلان وعلان، وتقوده خطى الزعامات، ولكننا ندرك اليوم كم أخطأنا، فالثوار ليس بالضرورة أن يكونوا متدينيين، ولافلاسفة، ولاشيوعيين، ولالبراليين، ولاسواهم من النخب، بل هم شبان طامحون قد يكون كثر منهم لم يتلقوا تعليما جيدا، ويريدون الإنطلاق الى المستقبل رغما عن كل شيء، ولايتقبلون التسويف، ولا الأعذار، ولا أن يكونوا عرضة للخداع والتضليل والأكاذيب التي يطلقها الساسة في العادة.

الأجيال التي إرتبط وجودها بعراق ماقبل 2003 والفترة التي تلت ذلك بسنوات تنقرض رويدا، وتظهر أجيال جديدة طامحة وجامحة لاتنفع معها الأساليب التقليدية العادية، بل هم بحاجة الى من يتفهمهم، ويفكر بطريقتهم، ويتعاطف معهم بوصفهم أبناءه الصغار المدللين، وليس العداونيين، ولا الذين يطمعون بالمال والثروة لأن مطالب الشباب عادية في الغالب، وهي جزء من واجبات الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية، وليست لديهم رغبة الوصول الى المريخ، ولكنهم يطمحون بعمل ملائم وكرامة، وشعور بأنهم محترمون، وهناك من يفكر بهم وبمستقبلهم ويعطيهم مايريدون، وهذا أمر يجب أن يدركه من يتصدى للمسؤولية العالية في الأداء والتفكير، ووضع السياسات والخطط والبرامج الهادفة، والتي من شأنها القيام بشؤون الأمة.