23 ديسمبر، 2024 12:37 ص

الجيش رمز العزة والكرامة للشعب مهما كانت طبيعة السلطة الحاكمة

الجيش رمز العزة والكرامة للشعب مهما كانت طبيعة السلطة الحاكمة

في لقاء شهير حصل عام 1991 بين القائد العسكري الفيتنامي الاسطوري فون نجوين جياب، الذي هزم فرنسا و أمريكا بحروب متواصلة أستمرت عشرين عاما، و روبرت مكنمارا وزير الدفاع الامريكي أيام الحرب الفيتنامية، قال الجنرال جياب لمكنمارا ” سر نجاحنا هو التفاف شعبنا حول جيشنا ومساندته و هو العنصر الذي تفوق على آلتكم الحربية ومن ضمن ماقاله لمكنمارا ” أن شعبا لايلتف حول جيشه و يسنده و يحترمه مهما كان رأيه في السلطة السياسية الحاكمة شعب لا يستحق الحياة بعزة و كرامة” . مكنمارا كان يريد أن يعرف سر ذلك النجاح الفيتنامي المدوّي الذي أرّق الزعماء الامريكان و حطم أسطورة تفوق آلتهم الحربية، كلمات أرجعت مكنمارا ربع قرن من الزمن ليتذكر معارضة الشعب الامريكي من حرب الابادة التي شنها ساسته الامبرياليين ضد شعب أعزل فقير ساند و ألتف بكل مكوناته حول جيشه ضد حربهم القذرة.
في بلادنا يتم تهميش الجيش و مؤسساته و يبارك ساسته تكوين ميليشيات تنافسه. فقد كثرت تصريحات القادة السياسيين و قادة الفصائل المسلحة عن ضعف القوات المسلحة وتصريح قائده السابق أنه كان على وشك حله منذ سنة 2012 و أنه لولا مساندة أيران و أمريكا لسقطت بغداد بيد داعش، و يتهمونه بضعف التخطيط وأنعدام الخبرة القتالية و يساهم نواب الشعب في تحطيم معنوياته بعد أسقاط وزير الدفاع و عدم أتفاقهم على بديل له بسبب المحاصصة الطائفية البغيضةوهو يخوض معركة مصيرية ضد وجود الدولة بأكملها، و تصريح مسؤول آخر بأن حزبه فقط هو القادر على دحر الارهاب و تصريحات زعماء الفصائل بأن قوتهم أكبر قوة من الجيش و غير ذلك من التصريحات التي تعكس كرها للجيش و مؤسسته لا لسبب سوى لعقدة يتداخل فيها الحقد الطائفي و الجهل بأهمية وجود مؤسسة عسكرية مهنية لها عقيدتها الخاصة الهادفة الى حماية الوطن و الشعب وليس عقيدة مستندة على الطائفة و العشيرة.
بعد كشف وثائق ويكليكس تسربت وثيقة مرسلة من السفارة الامريكية في القاهرة الى الحكومة الامريكية سنة 2008 تقول ” أن قادة الجيش المصري رغم الضغوط عليهم و الاغراءات رفضوا تغيير عقيدة الجيش المصري التي أساسها أن عدوه الاول أسرائيل وواجبه حماية أمن المواطنين، حيث كانوا يريدون منه أن يكتفي بحراسة الحدود و محاربة الارهابيين و شطب جميع مفردات أوجه العداء لاسرائيل من منشورات الجيش و أدبياته و تثقيفه السياسي” وبقي الجيش متماسكا خلال أحداث ثورة يناير و لم توجه رصاصة واحدة الى المتظاهرين بل أن قادته زاروا المعتصمين في ميدان التحرير و تضامن الكثير من الضباط مع المعتصمين ولكنه في نفس الوقت رفض الضغوط للانقلاب على السلطة رغم معرفته بفساد تلك السلطة و حزبها الحاكم و ذلك حقنا لدماء المواطنين وتفاديا للانقسام الذي قد يؤدي الى المواجهة مع شرائح عديدة من المجتمع.
وفي لبنان و في جميع صراعاته الطائفية حرص قادة الجيش على النأي بأنفسهم عن هذه الصراعات الا في حالات نادرة و محدودة على الرغم من حصول الاحتكاك بين الحين و الآخر و يفتخر جميع السياسيين بأن الجيش بقي رمزا لوحدة لبنان.
بعد أقرار قانون الحشد الشعبي المثير للجدل أنقسمت الكتل السياسية العراقية بين مؤيد و معارض و الغريب أن الفريقين المؤيدين والمعارضين أنفسهم منقسمين بينهم حول أسباب تأييدهم أو معارضتهم للقانون فمن المؤيدين من يعتبر ذلك أنصافا للمقاتلين الذين ضحوا و جازفوا بأرواحهم من أجل الوطن و قد يكون ذلك أنصافا عادلا لهم و لكن لم يأخذوا بنظر الاعتبار ما قد يحصل من تبعات عند دمج هؤلاء المقاتلين بالقوات المسلحة بشكل منظم فعلى سبيل المثال من الذي يحدد رتب و رواتب هؤلاء المقاتلين؟ وهل سيكون ولائهم لقادتهم الميدانين من الحشد أم لقادة فرق الجيش التي سيندمجون بها؟ و هل سيتم أدخالهم الى مدارس عسكرية أكاديمية أم يكتفوا بخبرتهم بالقتال ضد داعش؟و الاهم من ذلك ماهي العقيدة التي سيتحتم عليهم الايمان بها كأفراد في هذا الجيش خاصة و أننا لاحظنا أن بعض قادة فصائل الحشد قد أفصحوا عن تعصبهم الطائفي الواضح؟ ألا يمكن أيجاد طريقة أخرى لتعويض هؤلاء
المقاتلين غير دمجهم مباشرة في مؤسسة الجيش؟ القسم الآخر من المؤيدين أيدوه لاعتبارات طائفية بحتة كأن يصرح بعضهم أنه نصر للشيعة لا يجب التفريط به.
أما المعارضون فلا يقلوا جهلا عن المؤيدين فقسم منهم يعتبر ذلك أيضا أنتصارا و تمييزا طائفيا ضد طائفتهم (التي يدعون تمثيلها) و هم بذلك يتساوون مع الطائفيين من المؤيدين، ولكن برأي أن أخطر المعارضين هم من يعتبرون أن الحشد خسر بسبب قبوله الاندماج مع الجيش و الذي يعني أنه سيتلقى الاوامر من قادته و بذلك خسر أستقلاليته. هذا المنطق هو من يدعو الى خلق جيوش موازية و ليس جيشين فقط. فالاقرار بوجود جيش خارج مؤسسته الرئيسية يعني أن العراق سيشهد بعد دحر الارهاب تناحرا لابد من وقوعه وصراعات مسلحة تكمل مسلسل الارهاب و التخريب و تدمير البلد، حيث أن هناك ما يقرب من ثلاثين مليشيا ستطالب بشرعنة وجودهم. لا يوجد بلد في العالم فيه جيش شرعي غير مؤسسته العسكرية و لاتجربة واحدة في العالم أثبت تحقيق السلم تحت ظل جيوش متعددة و ميليشيات.
الذي يحتاجه العراق هو مؤسسة أمنية عسكرية قوية عقيدتها حماية الوطن و أمن المواطنين يهتف أبنائها بطابورهم الصباحي ” عاش الجيش و عاش الشعب ” لا أن يهتفوا باسم الطائفة و العشيرة والرموز.