18 ديسمبر، 2024 8:43 م

( الجيش العراقي ) والتخلص من الولاءات الحزبية والطائفية ومنع تسييس جيش العراق الباسل !؟؟!

( الجيش العراقي ) والتخلص من الولاءات الحزبية والطائفية ومنع تسييس جيش العراق الباسل !؟؟!

القيادة والمسؤولية في العراق مشكلة وفخ أول من يقع فيه المسؤول نفسه .. فأغلب القادة العراقيين لم يدخلوا دورات في المراسيم البروتوكولية ، والمحزن أن بعضهم من القادة العسكريين ! والجيش في كل دول العالم وأولها العراق أساس التقاليد العسكرية , والجيش العراقي الكبير بإستثناء الخطوط الأولى في جبهات القتال والتلاحم بين الجيوش .. تنزع البيريات ويستعاض عنها بالخوذة .. والخوذة لونها واحد في أغلب الأحوال أما البيرية والإسم مشتق من اللغة الفرنسية ويعني القبعة فألوانها متعددة وعلى حسب الصنوف ، والجيش العراقي الذي تأسس في عام ( 1921 ) وبعد توسع وزيادة الفرق والصنوف والتخصصات العسكرية كان لابد من تحديد لون معين لكل صنف .. أحد المؤرخين العسكريين البريطانيين في هذا المجال يشير إلى أن توزيع ألوان البيريات في الجيش العراقي إعتمدت على تعليمات الجيش البريطاني! وهو خطأ واضح إذ أن البريطانيين يعتمدون على ثلاثة ألوان فقط لجيشهم .. الأسود للبري والأزرق للبحري والسمائي للجوي أما الجيش العراقي قبل ( 2003 ) فقد وزع الخاكي ( الكاكي ) للجنود المتدربين والأسود للمشاة والمدفعية والصنوف التابعة والأزرق للجوية والسمائي للبحرية والأحمر للإنضباط العسكري والأخضر للمغاوير والماروني للقوات الخاصة والمظليين وهذا الصنف أرقى الصنوف تدريبا وتأهيلا وأكثرها مشاركة في المعارك الضارية وحرب الشوارع والتدخل المباشر في حسم المواقف الطارئة .. بعد عام ( 2003 ) إرتدى جميع ضباط ونواب ضباط وضباط صف وجنود الجيش العراقي والشرطة العراقية والحشد الشعبي والعشائري البيريات ذات اللون الماروني!! ماأحدث إرباكا كبيرا وواضحا في تمييز الصنوف وتوزيع التخصصات وإعادة التدريب والتأهيل .. بعد هذه الفوضى لابد من إتخاذ التدابير التي تحافظ على أبسط التقاليد والقيم العسكرية وتمييز الصنوف والرتب والإختصاصات الكفيلة بتعزيز قيم المواطنة والتمسك بالدفاع عن وحدة العراق وأراضيه ! تألف الجيش من ضباط عراقيين كانوا يعملون سابقا في الجيش العثماني ، إستقرت ثكنة الخيالة من الفوج في منطقة خان الكابولي في مدينة الكاظمية ببغداد وفي ( 17 – 3 ) من العام نفسه أي بعد شهرين تقريبا نقل الفوج إلى مدينة الحلة حتى تم بعد شهور تشكيل فوج آخر في بغداد .. توالت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تنصيب فيصل الأول ملكا على العراق الإهتمام الكبير بزيادة أعداد المنتسبين وإستحداث وحدات وصنوف جديدة تتناسب مع حجم المخاطر المحدقة بالعراق على الرغم من الإعتراضات المعلنة والمخفية من قوات الإحتلال البريطاني ، تواصل بناء الجيش العراقي وتوزبع وحداته العسكرية على عدد من المناطق العراقية المهمة آنذاك كالعاصمة بغداد وكركوك والحبانية وبعقوبة حتى وصلت ذروة تشكيل فرق وألوية عسكرية شاركت في أول محاولة إنقلابية ضد السلطة الحاكمة في عام ( 1936 ) أو مايسمى بإنقلاب بكر صدقي الفاشل .. في عام ( 1941 ) إندلعت أول ثورة وطنية ضد قوات الإحتلال البريطاني أو ماأطلق عليها لاحقا بثورة رشيد عالي الكيلاني رئيس الوزراء العراقي الأسبق.. جوبهت ثورة الكيلاني رغم تأييد معظم القوات المسلحة العراقية لها بقوة من البريطانيين إستخدموا فيها عاملا حسم المعركة لصالحهم نتيجة للقصف المكثف والعشوائي على الوحدات المشاركة وبخاصة في مناطق بغداد والرمادي والفلوجة وسن الذبان(الحبانية ) وقد علل البريطانيون تصديهم للثورة بهذه القسوة على خلفية إتهام سابق للكيلاني بولائه لألمانيا الهتلرية في الوقت الذي كانت فيه القوات البريطانية تخوض حربا عالمية مع الحلفاء ضد ألمانيا ( 1939 – 1945 ) بعد فشل ثورة الكيلاني حاول البريطانيون السيطرة على إمكانات وصلاحيات وحركة الجيش لمنعه مستقبلا من القيام بحركات إنقلابية أو تمردات مماثلة لثورة مايس ( 1941 ) في عام ( 1948) وعلى الرغم من محاولات سلطات الإحتلال البريطاني وضع الحواجز اللوجستية لمنع الجيش العراقي من التحرك بحرية.. تدافع أبطال الجيش العراقي الباسل بمختلف تشكيلاته للمشاركة في الحرب العربية- الصهيونية الأولى في عام ( 1948 ) وأظهر الضباط والجنود العراقيون بسالة وشجاعة تحدثت عنها الوثائق التاريخية والمخاطبات العسكرية بين القوات المتحاربة ومازالت حتى يومنا هذا وقد كانت القوة العسكرية العراقية المشاركة في حرب ( 1948 ) ضد الصهاينة القوة الثانية بعد القوات المصرية ووصل تعداد الضباط والجنود العراقيون ( 18000 ) وكان الجيش العراقي ومعه قوات عربية فلسطينية على حافة تحرير حيفا ولكن تقدم الجيش توقف فجأة بسبب رفض القيادة السياسية في بغداد إعطاءه الأوامر للزحف وتحرير المزيد من الأرض ما سبب إرباكا شديدا بين صفوف القوات وكان أحد الأسباب المباشرة لنكبة العرب في هذه الحرب .. ومازال الأخوة الفلسطينيون يخلدون ذكرى مشاركة الجيش العراقي في المعركة وهم يزورون مقبرة شهداء الجيش العراقي في قرية جنزور في مدينة جنين أو مايسمى بمثلث الشهداء شمال قباطية.. لم تكن مشاركات الجيش العراقي قتالية فقط بل ساهم في التصدي لأهم الفيضانات التي تعرضت لها بغداد وفي مقدمتها فيضاني عام ( 1950 – 1954 ) تكاثرت المواقع والمقرات والمعسكرات والثكنات التدريبية والإدارية للجيش وشملت معظم المدن العراقية وتحديدا بعد عام ( 1948 ) نتيجة للإستقرار الجزئي وإعادة هيكلة الكثير من القوات المسلحة.. تطورت وسائل التسليح للصنفين الملازمين للقوات البرية وهما القوة الجوية( تأسست في عام 1931 والقوة البحرية(تأسست في عام 1937 ) وإستحداث مدارس وكليات متخصصة في هذه الصنوف.. تحول الجيش العراقي من قوة عسكرية تتلقى الأوامر من السلطات الحاكمة إلى القوة الحاكمة الفعلية وقاد ضباطه المشاركون في حرب ( 1948 ) أول إنقلاب عسكري أسقطوا به النظام الملكي في عام ١٩٥٨ توالت بعدها الإنقلابات فأسقط النظام الجمهوري الأول في العراق بإنقلاب عام ( 1963 ) وفي العام نفسه إنقلب عبد السلام محمد عارف على إنقلابيي شباط وإستمر حكمه حتى عام ( 1966 ) عبد مقتله إثر حادثة سقوط طائرته الخاصة.. تسلم بعدها شقيقه عبد الرحمن محمد عارف السلطة وبقي رئيسا للعراق حتى إنقلاب عام ( 1968 ) الذي كان من أهم تبريراته.. هزيمة الجيوش العربية في حرب عام ( 1967 ) أو مايسميها المؤرخون بنكسة حزيران وضياع القدس وسيناء والجولان لعدم وجود تكافأ بين الجيش الصهيوني والجيوش العربية ومنها الجيش العراقي ماأعدته القوى المعارضة للحكم العارفي تواطأ أدى إلى إستلام البعثيين للسلطة وإعلان أحمد حسن البكر رئيسا للعراق وهو أحد الضباط المشاركين في إنقلابي ( 1958 – 1963 ) أزاح البعثيون آخر منافس لهم وهو الضابط عبد الرزاق النايف بعد أسبوعين من الإنقلاب.. إستبدلت جميع القيادات العسكرية وتمت السيطرة المطلقة على تحركات الجيش وزيادة مصادر التسليح وعدد الفرق .. وقيام السلطة الحاكمة بعقد إتفاقات لتسليح الجيش والإعتماد على روسيا(الإتحاد السوفيتي سابقا ) في إستيراد أنواع متطورة جدا من الطائرات الحربية ومنظومات الدفاع الجوي والدبابات وأسلحة المشاة فضلا على مشاركة ضباط وجنود عراقيين في دورات تخصص عسكرية في روسيا وصلت ذروة هذا التعاون في المشاركة المتميزة للجيش العراقي في حرب تشرين عام ( 1973 )بقواته البرية والجوية وتدفق أبطال الجيش العراقي الباسل للدفاع عن دمشق ومنعها من السقوط بيد الصهاينة..هذه الحرب سجلتها الأكاديميات العسكرية الغربية وتقييمها كواحدة من أهم الحروب البرية بعد مسيرة الدبابات العراقية على السرف لمسافة تزيد على 600 كم ودخولها أرض المعركة في لحظة الوصول.. بعد هذه الحرب المشرفة أصبح الجيش العراقي جيشا كبيرا لايعتمد على جوانب التسليح فقط بل تم إفتتاح عدد من الأكاديميات والكليات والمدارس والمراكز العسكرية وأول جامعة عسكرية في الشرق الأوسط وتزايد الصنوف بأحدث المعدات العسكرية.. في عام 1980 شاركت صنوف المشاة والدروع والمغاوير والقوات الخاصة والهندسة العسكرية والتموين والنقل والطبابة العسكرية والقوة البحرية والقوة الجوية وطيران الجيش وصنوف أخرى في خوض أطول حرب خاضها جيش عربي وهي الحرب العراقية- الإيرانية وإستمرارها ثمان سنوات قدم فيها الجيش آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى.. خرج الجيش العراقي من الحرب عكس التوقعات أقوى من النواحي التنظيمية والإستعداد والخبرة والتجهيز ليصبح الجيش الأول في المنطقة والرابع في العالم بعد الجيوش الصينية والروسية والأمريكية وبتعداد أكثر من مليون جندي داخل الخدمة وثلاثة ملايين جندي مجهزون لخدمة الإحتياط وإستعداد أكثر من عشرة ملايين عراقي لدخول الجيش من الفئات العمرية المشمولة.. لم يرق هذا الأمر للقوى الكبرى وهي ترى العراق يهيمن ويسيطر على أهم مصادر النفط في العالم في الخليج العربي فقامت هذه الدول بالتواطؤ مع دول أخرى بنصب فخ الكويت ودخول الجيش العراقي إلى دولة الكويت كجيش غاز وهو مالم يكن في حساب أحد من العراقيين والعرب , الأمر الذي قلب الموازين وأدى إلى خضوع الجيش العراقي إلى مراقبة دقيقة تنفيذا لقرارات مجلس الأمن وقطع ومنع كل مصادر التسليح والتطوير عنه حتى دخول قوات الإحتلال الأمريكي إلى العراق في عام 2003 وقيام سلطات الإحتلال بقطع عنق أعظم وأهم حقبة تأريخية مجيدة في تأريخ الجيوش العربية بعد قراره الظالم بحل الجيش العراقي وتشكيل وحدات جديدة منه كان الولاء لسلطات الإحتلال واضحا في معطياتها , وهيمنة الأحزاب والكتل السياسية العراقية بعد عام 2003 على مقدرات وصلاحيات وشؤون الجيش وتعيين قياداته على وفق إنتماءاتهم الحزبية وأحيانا العشائرية والإستغناء عن أهم العقول والمواهب لكبار القادة والضباط والفنيين العسكريين العراقيين بحجج كاذبة .. عانى الجيش العراقي الجديد وحتى كتابة هذه الصفحات من التدخل المباشر وغير المباشر في شؤونه وعلاقاته وتسليحه وتغيير إنتماءاته من وطنية إلى حزبية وكتلوية ضيقة كانت سببا رئيسا في فتح ثغرة كبيرة داخل البنيان العسكري العراقي إستغلته قوات الإحتلال الداعشي وأسقطت مدنا كبرى كالموصل وصلاح الدين والأنبار .. تحاول الحكومة العراقية الآن إعادة العقيدة الوطنية العسكرية للجيش العراقي والتخلص من الولاءات الحزبية والطائفية ومنع تسييس جيش العراق الباسل وهو يخوض في هذه الأيام حربا مقدسة قدم فيها مئات الشهداء للتصدي لقوات الإحتلال الداعشي وتحرير مدننا المغتصبة بإذن الله .. والسلام