كان العراقيون يأملون مثل باقي دول العالم أن يكون لهم جيش وطني غيور، شهم وصنديد، يدافع عن حقوقهم ويحميهم ويحقق لهم السلام والأمن والاستقرار ويكون حصنا حصينا للبلاد، وينزع إعجاب العالم بشهامته ونبله ومروءته ومهنيته، لا أن يتحول إلى آلة قتل ودمار بيد قادته وحكامه ضدهم على مر الزمن، ومنذ أن استعمله الفريق الركن بكر صدقي عام 1936 لإسقاط حكومة ياسين الهاشمي والانقلاب على الشرعية وفرض إرادته على العراق بالقوة، فإن المؤسسة العسكرية خرجت عن إطارها الوطني وفقدت مصداقيتها وأصبحت مطية لقادة عسكريين بغية تحقيق أهدافهم وأجنداتهم الأيديولوجية المختلفة، وخضعت لسياسات الحاكم ونزواته، إن عنجهية القادة العسكريين ونرجسيتهم وطموحهم في قيادة المجتمع العراقي قيادة عسكرية صارمة وازدراءهم الشديد للنظم المدنية والديمقراطية ومواكبة المتغيرات العالمية، هي التي دفعت بالضباط العسكريين إلى الانقلاب على الشرعية والتمرد على قادتهم السياسيين وليس حب الوطن أو الدفاع عن مكتسبات الشعب أو الحفاظ على الدستور والوحدة الوطنية وتصحيح الأوضاع ومقاومة الاستعمار وأذياله، وما إلى ذلك من الشعارات والعبارات الفارغة التي عادة ما نسمعها من البيانات الثورية التي تتلى عقب الانقلابات العسكرية (التي تسمى زورا بالثورات الوطنية) للتغطية على جرائمهم وتبريرها، هذا ما سمعناه عقب انقلاب الزعيم «عبدالكريم قاسم» (ثورة الشعب)على الملكية عام 1958 وإعلانه النظام الجمهوري في البلاد وتحت نفس الحجج والشعارات الواهية جرى إعدام الزعيم «قاسم» وتدشين عهد جديد في الثامن من فبراير من عام 1963 على يد القوميين البعثيين بقيادة المشير «عبدالسلام عارف» الذي اغتيل بدوره في حادث سقوط أو إسقاط طائرته الخاصة وتولى من بعده أخوه اللواء عبدالرحمن عارف عام 1966، ولم يلبث كثيرا (1968)
حتى انقلب عليه البعثيون بقيادة المهيب «أحمد حسن البكر» الذي استمر في حكم دكتاتوري عسكري لمدة 11 عاما إلى أن أجبر على التخلي عن كل مناصبه لنائبه المهيب الركن «صدام حسين» عام 1979، وشهد العراق في عهده أسوأ أنواع الحكم البوليسي القمعي منذ تأسيسه حتى انتهاء فترة حكمه عام 2003 نتيجة غزو عسكري خارجي قادته أقوى وأعتى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.. وكان من الطبيعي أن ينهار الجيش العراقي بالكامل وتتحطم معنوياته ويستسلم بدون مقاومة تذكر، بعد أن فر قادته وضباطه الكبار كالجرذان وتركوه وحيدا في ميدان المعركة، وعلى رأسهم القائد العام للقوات المسلحة «صدام حسين» واختبائه في حفرة!.. لم يكن سهلا على العراقيين أن يروا جيشهم منهزما مكسورا لا يملك عزيمة ولا إرادة في الدفاع عن الوطن وعنهم، خائر القوى، هزيلا، خاويا من الشجاعة، لا يعتد به في الشدائد، يرفع راية الاستسلام في أول مواجهة له مع العدو ويطلق رجليه للريح هاربا من أرض المعركة، ومن يطلع على صورة الجندي العراقي في حرب الخليج الثانية (1991) وهو يبكي بحرارة مرتميا تحت قدمي الجندي الأمريكي مستسلما يطلب الصفح والعفو عنه، ومن يراه منهزما ومقهورا في مدينة الموصل عام 2014 أمام شرذمة قليلة من قوات «داعش» ويترك أسلحته وعتاده وبذلته العسكرية ــ وهو يزيد عن أربع فرق ــ في أرض المعركة لينفذ بجلده، وكذلك الأمر بالنسبة للمعركة الأخيرة في مدينة «الرمادي» التي انتهت لصالح قوات «داعش»، فقد انهار ستة آلاف من القوات العراقية أمام 150 مقاتلا من تنظيم «داعش»، بحسب قول المستشار السابق في القيادة المركزية للجيش الأمريكي (علي خضيري).. ومن يرى الجيش العراقي بهذا الشكل المخزي في ميدان المعركة ويقارنه بما فعل من جرائم وحشية بحق شعبه من عمليات «الأنفال» التي ذهب ضحيتها ما بين 50 ألفا و100 ألف إنسان (دفنوا أحياء) عام 1988 بدون أي ذنب ارتكبوه، وكذلك قصفه بالقنابل الكيمياوية لمدينة «حلبجة» في نفس العام، وغزوه البشع للكويت وقتل الآلاف من مواطنيها بدم بارد.. لا يمكن أن يخرج إلا بنتيجة واحدة وهي أن الجيش العراقي غير مؤهل للدفاع عن العراق والعراقيين، ولا يمكن الوثوق به، لأنه مصاب بمرض الشيزوفرينيا ولا طائل من وراء تزويده بالأسلحة وخاصة الثقيلة، لأنه إما أن يستعملها بشكل سيئ ويقتل بفجور وإما أن يتركها للأعداء دون قتال..